الأربعاء 29/مايو/2024

غسان كنفاني.. الأثر الممتد في عمق القضية الفلسطينية

غسان كنفاني.. الأثر الممتد في عمق القضية الفلسطينية

لم تستطع ثمانية وأربعون عامًا مرت على اغتياله أن تزيل شيئًا من آثاره، ولا يزال بريق اسمه الثائر وفكره الناضج وأعماله الفذة تلمع في ذاكرة القضية الفلسطينية، وتنضح أدبًا وتألقا في أعماق التاريخ.
 
ومما يندى له جبين الموساد الإسرائيلي أن اغتياله غسان كنفاني انقلب على رؤوسهم؛ فلا دمه ذهب هدرًا، ولا اسمه انطفأ، ولا فكره اندثر، ولا قلمه سكت، بل كان إنهاء حياته الدافع الأكبر لنشر أدبه والتفات العالم لكتاباته وللقضية الفلسطينية.

في عكا المحتلة، وتحديدًا في التاسع من نيسان/إبريل 1936، ولد غسان، وعاش هناك على شاطئ المتوسط حتى عام 1948، وحاله حال الفلسطينيين آنذاك أُجبر على الخروج مع عائلته سيراً على الأقدام، حتى وصلوا إلى سوريا.

النشأة والمستقرّ
من سوريا انطلقت رحلة الهجرة، فمضى غسان متنقلاً بين سوريا ولبنان والكويت، ليستقر فيه المعيش في بيروت منذ 1960 وحتى يوم اغتياله في الثامن من تموز/يوليو 1972.

غسان كنفاني، روائي وسياسي فلسطيني، يعد من أهم أدباء القرن العشرين العرب، وهو عضو المكتب السياسي والناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ورئيس تحرير مجلة الهدف.

استحوذت كتابات غسان على من قرأها، فهو الذي يناضل على الورق. تُرجمت أعماله إلى 17 لغة، وانتشرت في 20 دولة. وأبى إلا أن يستنطق القلم، فأسس مجلةً ناطقةً باسمها حملت اسم “مجلة الهدف”، كما عمل في مجلة “الحرية” اللبنانية، وشغل رئاسة تحرير مجلة “المحرر” اللبنانية أيضًا.

الكتابة في عمق الإنسان
كتابات كنفاني كانت من الناس وإليهم؛ فغاص في أعماق الإنسان الفلسطيني بعد النكبة و”النكسة” وما قبلهما، كما تنبأ بالقادم، وأخرجه بإبداع ريشة الفنان ومهارة الكاتب. ففي روايته “عائد إلى حيفا” عام 1970، استذكر ما رواه مواطنو حيفا عن رحلتهم نحو عكا، وكان لا بد من أن تترك رحلته الخاصة نحو بلد اللجوء تأثيرها على غسان، فقد حضرت ذكرياته تلك في روايته “أرض البرتقال الحزين” عام 1963.

كان كنفاني كتلةً من النشاط، فقد فاقت ساعات عمله العشر ساعات يوميًّا على الأقل، وظهرت بوادر مرض السكري والنقرس في عمرٍ مبكرٍ عليه. كان ذلك يُدخله المشفى أيامًا، لكن حتى من على سرير المرض، تأمل عقله كل ما حوله، وأبى إلا أن يخرج منه بتجربة فكتب رواية “موت سرير رقم 12” عام 1963.

شعر كنفاني بضياع الفلسطينيين قبل غيره بكثير، وبتحول قضيتهم إلى قضية حياةٍ يومية أصبح الفلسطينيون يعيشونها تحت سطح لقمة العيش عوضًا عن العمق الذي أودى بهم نحو هذا السطح، فأطّر ذلك القضية الأساسية.

عرف غسان أن لا مناص من الكفاح، وأن لا برّ للفلسطينيين سوى سواعدهم. فألحق رواية “رجال تحت الشمس” برواية “ما تبقى لكم”. ونرى فكر كنفاني واضحًا صريحًا ناضجًا بالفكرة في روايته “عالم ليس لنا” عام 1965.

أعمال حيّة
وللأم الفلسطينية مكانةٌ عند كنفاني فهي “التي تقف الآن تحت سقف البؤس الواطئ في الصف العالي من المعركة” كما جاء في روايته “أم سعد” عام 1969.

ومن روايات كنفاني الأخرى “الشيء الآخر” التي صدرت في بيروت بعد استشهاده، و”القنديل الصغير”.

وللمسرح حضورٌ قوي في أدب كنفاني، ومن أهم مسرحياته “الباب” و”القبعة والنبي” و”جسر إلى الأبد”.

كتب كنفاني العديد من البحوث الأدبية، معظمها على ارتباطٍ وثيق بالقضية الفلسطينية، فهو أول من كتب عن شعراء فلسطين، وصدرت كتاباته في كتاب له حمل عنوان “شعراء الأرض المحتلة” كما أنه أول من كتب عن الأدب الصهيوني من كثب، وله مقالاتٌ كثيرة سواء باسمه الحقيقي أو تحت أسماء مستعارة منشورة في العديد من الصحف والمجلات.

لكنفاني روايات لم تكتمل منها “الأعمى” و”الأطرش” و”العاشق” و”برقوق نيسان”.

نال كنفاني جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان، عن روايته “ما تبقى لكم” وذلك عام 1966. أما ما تبقى من جوائز، فقد مُنحت لاسمه بعد استشهاده، وأهمها جائزة منظمة الصحافة العالمية عام 1974، وجائزة اللوتس عام 1975. كما مُنح وسام القدس عام 1990.

انتقلت روايته “عائد إلى حيفا” إلى الشاشة الصغيرة عبر مسلسل سوري أخرجه باسل الخطيب.

حياته الشخصية
أُوفد كنفاني إلى يوغسلافيا لحضور مؤتمر طلابي، ومن المشاركين كان هنالك وفد دانماركي ضم معلمةً تأثرت بالقضية وسافرت إلى البلاد العربية. وفي بيروت طُلب منها مقابلة كنفاني، وبعد عشرة أيام على لقائهما، طلب الزواج منها، وتم له ذلك بتاريخ 19 تشرين الأول/ أكتوبر 1961. أنجبا طفلين هما فائز وليلى. كان كنفاني رجل عائلة، رغم كثرة أعماله. أما من حيث ديانة غسان كنفاني ومعتقداته وطائفته الأصلية، فقد ولد لعائلة مسلمة سنية.

ورغم حياته القصيرة، لكنه أصدر أكثر من 18 كتابًا، وعددًا لا يحصى من المقالات، إضافة إلى إرثٍ غير مكتمل.

عاشقٌ للفن؛ فقد زين منزله المتواضع في بيروت بأعمال فنية من إنتاجه، كما صمم ملصقات للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. كان لافتًا للنظر بين أخوته بهدوئه، لكنه كان الأكثر تأثرًا بمشاكل الأسرة.

اغتياله
لم ينفذ كنفاني عملية فدائية، ولم يسدد بالبندقية، لكن قلمه كان كافيًا ليجعل منه هدفًا ملحًّا للموساد الإسرائيلي؛ فاستشهد يوم 8 تموز/ يوليو عام 1972، بانفجار سيارة فخخها عملاء إسرائيليون في بيروت، وكانت بصحبته ابنة أخته لميس.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات