الإثنين 29/أبريل/2024

المياه العادمة للمستوطنات.. تدمير ممنهج للأرض والبيئة بالضفة الغربية

المياه العادمة للمستوطنات.. تدمير ممنهج للأرض والبيئة بالضفة الغربية

لا يقتصر تأثير المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية على سرقة الأراضي المقامة عليها، وتقطيع الأوصال، وجعل القرى والمدن الفلسطينية أشبه بالجزر المعزولة، بل يمتد إلى تلويث البيئة فوق وتحت الأرض، ونشر الأمراض والأوبئة، نتيجة مخلفات تلك المستوطنات، والسموم المنبعثة منها.

فقد أوجدت المستوطنات الإسرائيلية آثارًا مدمرة على كل عناصر البيئة الفلسطينية من استنزاف المياه، وتدفق المياه العادمة عبر الأودية والأراضي الزراعية، واستخدام الأراضي الفلسطينية كمكبات للنفايات السائلة والصلبة، ناهيك عن السموم المنبعثة من المصانع، ليتم تدمير الأراضي الزراعية الفلسطينية، ونشر الأمراض والأوبئة.

وفي هذا التقرير سنركز الحديث على الضرر الذي يلحق بالأراضي الفلسطينية نتيجة المياه العادمة للمستوطنات، فوجود مستوطنة على قمم أحد الجبال يعني تدمير الأراضي المحيطة بها، عبر التخلص من المياه العادمة من البيوت والمصانع صوب الأراضي الزراعية الفلسطينية.

وتخيل لو أنك كنت تسير في إحدى الطرقات الموصلة إلى الأودية والأراضي الزراعية القريبة من إحدى المستوطنات، وبدأت تشم تلك الروائح الكريهة التي لن تقوى على احتمالها ولو لوهلة، ثم تكمل المسير فترى شيئًا يشبه النبع يتدفق عبر الصخور، لكنك عند الوصول إليه تتيقن أن هذا التدفق المائل للون الأسود، ليس نبع ماء، ولونه هذا ليس نتيجة اختلاط المياه بالتراب الجاف، فهو سيل مياه عادمة، حينها ستدرك جزءًا من معاناة سكان تلك المناطق، حينما ترى بعينيك كيف دمرت أراضيهم، وماتت أشجارهم.

أضرار بيئية

في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أكد المهندس الزراعي، ومدير مركز أبحاث الأراضي في نابلس محمود الصيفي، أن المياه العادمة المتدفقة من المستوطنات الإسرائيلية عبر الأودية والأراضي الزراعية الفلسطينية تلحق أضرارًا كبيرة بالبيئة، تتمثل في  تلوث مياه الخزان الجوفي، وزيادة نسبة النترات والأملاح، ما يجعل هذه المياه غير صالحة للاستخدام الآدمي.

وأضاف: “إلى جانب تسببها في إحداث أضرار بيئية كبيرة، حيث تزيد من ملوحة التربة، ما يؤدي إلى انسداد مساماتها وعدم قابليتها للإنتاج، بالإضافة إلى التقليل من الغطاء النباتي، وانتشار ظاهرة التصحر التي تؤدي إلى تدهور التنوع الحيوي، ناهيك عن الآثار البيئية الضارة مثل: الروائح الكريهة المزعجة، وانتشار الأوبئة والحشرات”.

وأشار إلى أن المستوطنات الإسرائيلية المنتشرة في أرجاء الأراضي الفلسطينية كافة تضخ ملايين الأمتار المكعبة من المياه العادمة في الأودية والأراضي الزراعية الفلسطينية، وقدر الخبراء كمية المياه العادمة التي ضخت من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بحوالي 40 مليون متر مكعب.

ويتابع: يوجد في الضفة أكثر من 198 مستوطنة، بالإضافة لـ315 بؤرة استيطانية، وكلها تضخ مياهها العادمة في الأراضي الزراعية الفلسطينية، مبينًا أن المأساة الكبرى هو ما يعانيه وادي قانا الواقع بين نابلس وقلقيلية، الذي يمتلئ بالينابيع التي باتت تختلط مياهها الصافية بمياه المجاري، ما أدى لموت الكثير من الأشجار، لاسيما الحمضيات، إذ تتدفق مجاري سبع مستوطنات تقع على سفوح الجبال المحيطة به،  ليتم تدمير الأراضي الزراعية لعديد القرى، ومنها دير استيا، وجينسافيط وبديا.

ويواصل: “لو انتقلنا إلى مدينة سلفيت سنجد أن وادي المطوي الواقع إلى الغرب منها، ليس أفضل حالًا من وادي قانا، فبدوره يتعرض لتدفق مياه مجاري مستوطنة أرئيل، ومنطقة بركان الصناعية، ما أدى لتلف آلاف الدونمات الزراعية، وتلوث المياه الجوفية التي تعد مصدرًا لمياه الشرب، بالإضافة للكثير من المناطق التي تعاني نفس المعاناة مثل: الأغوار الشمالية، ووادي النار، وشرق مدينة الخليل، وشرق مدينة نابلس”.

ويرى الصيفي أن المطلوب توثيق كل الأضرار الناجمة عن تلك المجاري بالصور والوثائق، وترجمتها للغات المختلفة، والتوجه للأمم المتحدة والمحاكم الدولية لمحاسبة الاحتلال على ذلك، عادًّا أن ما يجري من تلويث للبيئة، وتدمير للأراضي الزراعية الفلسطينية، من خلال المياه العادمة، أمر في منتهي الخطورة، يسعى من خلاله الاحتلال، لإبعاد الفلسطيني عن أرضه، بهدف سلبها والسيطرة عليها.

أساليب ماكرة

من جانبه، وفي حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” قال الباحث المختص في شؤون الاستيطان، خالد معالي، إن سلطات الاحتلال تستخدم أساليب ماكرة من أجل الالتفاف على قضية تلويث البيئة الناتج عن المياه العادمة للمستوطنات التي تضخ في الأودية والأراضي الزراعية، حيث يوجد في بعض المستوطنات مراكز لتكرير المياه العادمة، لكنها غير كافية لمعالجة الكميات الكبيرة التي تنتجها المستوطنات.

ويضيف أن الاحتلال أوجد هذه المراكز من باب رفع العتب أمام المؤسسات الصحية والحقوقية والبيئية المحلية والعالمية.

وتابع أن مياه المجاري التي تضخ في الوديان الفلسطينية من المستوطنات تؤثر في البيئة في اتجاهات ثلاثة:

أولًا: تلويث الهواء بالروائح القذرة المنتنة التي لا يستطيع المزارعون احتمالها، فبالإضافة لروائح المياه العادمة، هناك الروائح التي تنتج عن المصانع الإسرائيلية والتي تتسبب في أمراض صدرية لمن يسكنون في المناطق القريبة.

 ثانيًا: تلويث التربة بالجراثيم والسموم التي تؤدي إلى موت الأشجار، فبالإضافة للتلوث الناتج عن المياه العادمة، تقوم المستوطنات بكب النفايات السائلة والصلبة ودفن مواد خطرة في الأراضي الفلسطينية، ما أفقد الأراضي صلاحيتها للزراعة.

ثالثًا: تلويث المياه الجوفية السطحية، فمن المعروف أن المياه الجوفية السطحية عرضة للتلوث بشكل مباشر وكبير، عكس المياه الجوفية العميقة، والاحتلال يسمح للفلسطينيين باستخدام المياه الجوفية السطحية فقط، في حين يسيطر الاحتلال على المياه الجوفية العميقة.

40 مليون متر مكعب

يقدر الخبراء كمية المياه العادمة التي تنتجها للمستوطنات الإسرائيلية بأكثر من 40 مليون متر مكعب سنويًّا، وهي كمية أكبر مما ينتجه الفلسطينيون، إذ بلغت كمية المياه العادمة المنتجة 33 مليون متر مكعب، كما أن 90% من المياه العادمة الناتجة عن المستوطنات هي مياه عادمة غير معالجة.

ووفقًا لدراسة أعدتها، دانا مسعد، من مؤسسة آفاق البيئة والتنمية، فإن تلك المياه الملوثة بالمجاري والكيماويات المنزلية والزراعية ومخلفات المصانع الكيماوية المستخدمة في المستوطنات، تعمل على تسميم النباتات والحيوانات على طول مسرى تلك الوديان، وتسبب تلوثًا للتربة والمياه السطحية والجوفية التي يعتمد عليها أهالي البلدات المجاورة للشرب ولسقي المواشي.

ويتسبب تلوث التربة بالمياه العادمة بارتفاع نسبة الأملاح فيها؛ فتغدو غير صالحة للزراعة، كما ويعمل هذا النوع من التلوث على خلق بيئة لتكاثر الحشرات الناقلة للأمراض.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات