الإثنين 29/أبريل/2024

“كوادكوبتر”.. مسيرات قاتلة في حرب الإبادة ضد المدنيين في غزة

“كوادكوبتر”.. مسيرات قاتلة في حرب الإبادة ضد المدنيين في غزة

مع انتصاف الشهر الخامس لحرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، تتكشف العديد من الوسائل التي يستخدمها العدو الصهيوني في تنفيذ جرائمه ضد المدنيين العُزّل ولتدمير كل مناحي الحياة في القطاع المحاصر.

تقارير صحفية وشهادات حية وثّقت خلال الشهور الماضية واحدة من هذه الاستخدامات الإجرامية لجيش الاحتلال؛ حيث يرسل طائرات (كوادكوبتر)، لتنفيذ عمليات قتل بشكل منظم أو بشكل عشوائي ضد المدنيين في قطاع غزة.

وعلى الرغم من الاستخدامات المدنية للكوادكوبتر الإسرائيلية، إلا أن قوات الاحتلال دفعت بها لاستخدامها في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، من خلال عمليات الاستطلاع والتجسس، كذلك تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة ضد الكوادر الفلسطينية التي تستهدفها إسرائيل.

استخدامات تقنية

موقع “جانز” الأمريكي أشار قبل ذلك إلى أن المسيرة الإسرائيلية تعد أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الإسرائيلية؛ إذ يمكنها جمع المعلومات والبحث وتزويد الجيش بمعلومات استخباراتية عن الأماكن الضيقة والعميقة التي لا يستطيع الجيش الوصول إليها، ومن أبرزها الأنفاق، كما يمكنها حمل مواد متفجرة وتنفيذ عمليات تفجير، وكذلك تحمل أدوات تصنت عالية الدقة والكفاءة، ورشاشات آلية يتم التحكم بها عن بعد.

ويضيف “جانز” أن المسيرة الإسرائيلية يمكنها التحليق لمدة تتجاوز 40 ساعة متواصلة؛ حيث تعتمد على بطارية مثبته على ظهر المروحية، كما تبلغ سرعتها القصوى 60 كيلو في الساعة الواحدة.

أداة قتل

من جهته قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إنه وثّق استخدام الجيش الإسرائيلي طائرات مسيّرة صغيرة الحجم (كوادكوبتر) في إطلاق نار مباشر تجاه فلسطينيين وقتلهم وإيقاع إصابات في صفوفهم، في إطار جريمة الإبادة الجماعية المستمرة منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي.

وأكد المرصد الأورومتوسطي أن الجيش الإسرائيلي كثّف من استخدام طائرات كوادكابترالتي يتم تسييرها إلكترونيًّا عن بُعد، كأداة قتل وإيقاع أذى في صفوف الفلسطينيين، بعد أن كانت مهمتها مقتصرة على العمل الاستخباري.

وقال الأورومتوسطي إن الجيش الإسرائيلي يصعد من تنفيذ عمليات القتل العمد والإعدام غير القانونية بحق المدنيين الفلسطينيين من خلال القنص وإطلاق النار من طائرات مسيرة في مختلف مناطق قطاع غزة، إلى جانب استمراره في قتل الفلسطينيين على نحو واسع من خلال القصف الجوي والمدفعي على المناطق السكنية.

وأبرز أن عمليات القتل والإعدام والقنص التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في مراكز الإيواء والمستشفيات والشوارع والمناطق السكنية المأهولة كان استهدف فيها بشكل أساسي مدنيين عُزل، دون أن يشكلوا مصدرًا لأي تهديد أو خطر، أو أن يشاركوا بالأعمال القتالية بأي شكل من الأشكال.

ووفقًا للتحقيقات التي أجراها المرصد الأورومتوسطي، فإنه يشتبه باستخدام الجيش الإسرائيلي للطائرات المسيرة القاتلة الصغيرة المجهزة برشاشات وصواريخ من فئتي Matrice 600 وLANIUS ، وهي طائرات مسيرة متعددة الاستخدامات وعالية القدرة على التحرك، ومصممة للتشغيل على المدى القصير، ويمكن للنظام الخاص بها استكشاف المباني ورسم الخرائط تلقائيًا لاكتشاف الأهداف المحتملة، فيما يمكن أن تحمل حمولات قاتلة أو غير قاتلة، وهي قادرة على أداء مجموعة واسعة من المهمات للقوات الخاصة والعسكرية.

شهادات حية

ووثق الأورومتوسطي مقتل عشرات المواطنين جراء إطلاق نار من هذه النوع من المسيرات، إما عن طريق إطلاق النار المباشر تجاه الأفراد، أو من خلال إطلاق النار العشوائي تجاه التجمعات، حيث يجري تركيب بندقية رشاشة أسفل الطائرة والتحكم فيها آليًّا.

بتاريخ 12 شباط/فبراير، وثق الأورومتوسطي مقتل الشقيقين “مهيب أسامة عز الدين أبو جامع” (19)، و”إلياس أسامة عز الدين أبو جامع” (17)، وهو من ذوي الإعاقة الحركية والعقلية، في مخيم الشابورة في رفح، جنوبي قطاع غزة، وذلك من عبر إطلاق نار من طائرة “كوادكوبتر” الإسرائيلية، على خيمتهم بشكل مباشر.

وفي اليوم ذاته، وثق الأورومتوسطي مقتل الطفل محمود علاء عوض العصار (16 عامًا) وشقيقته أسماء علاء عوض العصار (21 عامًا) جراء إطلاق النار تجاههما من طائرة كوادكوبتر إسرائيلية شمال مخيم بدر شمال غرب مدينة رفح.

ووثق الأورومتوسطي في 8 شباط/فبراير الجاري، مقتل فلسطينيين اثنين وإصابة ثالث بجروح خطيرة جراء إطلاق نار من طائرة كوادكوبتر على مدرسة تؤوي نازحين في محيط مدارس “العودة” شرق خانيونس، جنوبي قطاع غزة.

وأشار إلى مقتل مدني فلسطيني في اليوم ذاته خلال تواجده على سطح مجمع “ناصر” الطبي في خانيونس، جراء إطلاق نار من طائرات كوادكابتر إسرائيلية خلال محاولته التقاط إشارة الإنترنت بالتزامن مع حصار الجيش الإسرائيلي للمستشفى.

ووفق الشهادات التي جمعها الأورومتوسطي، فإن عشرات السكان تجمعوا على شارع “الرشيد” غربي مدينة غزة بانتظار وصول الشاحنات التي تقل الطحين، قبل أن يفاجأ الجميع بقدوم طائرات مسيرة من نوع كوادكوبتر بدأت بإطلاق النار تجاههم وأوقعت عددًا كبيرًا من الشهداء والجرحى في صفوفهم.

وأكد المرصد الأورومتوسطي رصد عشرات حالات القتل والإصابة الأخرى لمدنيين فلسطينيين في عمليات قنص من الجيش الإسرائيلي وإطلاق النار من طائرات كوادكوبتر المسيرة أو من خلال إطلاقها صواريخ موجهة للأفراد منذ بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، مع تزايدها خلال عمليات التوغل البري التي بدأت نهاية تشرين أول/أكتوبر الماضي، لا سيما في الأسابيع الأخيرة.

وتؤكد الشهادات التي جمعها الأورومتوسطي أن الجيش الإسرائيلي يستخدم بشكل منهجي طائرات كوادكوبتر في تنفيذ عمليات قتل عمدي وإعدام غير قانونية ضد المدنيين الفلسطينيين، خاصة في المناطق التي تشهد توغلات ومداهمات إسرائيلية ثم تتراجع عنها الآليات الإسرائيلية، بحيث تستهدف عبر هذا النوع من الطائرات أو القناصة الذين يكونون متخفين في المباني المدنيين الذين يحاولون العودة لتفقد منازلهم.

تقارير طبية

وبالإضافة إلى شهادات شهود العيان، ووفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة فإن العاملين في القطاع الصحي رصدوا أن أغلب حالات الإعدام والقتل غير القانونية جرت بواسطة أعيرة نارية غريبة؛ حيث تختلف مواصفاتها عن الأعيرة النارية المعتادة، وتترك شكلًا مختلفًا على جسد الضحية عند اختراقها إياه، وهذا يدفع إلى الاعتقاد أن حالات القتل كانت بواسطة طائرات كوادكوبتر المسيرة.

وأشار الأورومتوسطي إلى أنه يجري استخدام هذا النوع من الطائرات أيضًا لترويع الفلسطينيين وبث الرعب لديهم والتأثير سلبًا على صحتهم النفسية، نظرًا لوجودها المستمر في الأجواء.

وحوّل الجيش الإسرائيلي هذه الطائرة المسيّرة التي أُنتجت للاستخدام بالأساس في أغراض التصوير إلى سلاح جوي استخباري ومن ثم وسيلة للقتل والإعدام خارج نطاق القانون والقضاء.

استخدامات سابقة

ولم يكن استخدام الجيش الإسرائيلي لطائرة “كوادكوبتر” هو الأول من نوعه في عدوانه على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي؛ حيث سبق استخدامها على نطاق محدود عام 2018، في تفريق المواطنين الفلسطينيين المتظاهرين في فعاليات “مسيرات العودة”، كما تم استخدامها في استهداف قوارب الصيادين بقطاع غزة.

وبدأ استخدام المسيرة بشكل عسكري داخل الأراضي الفلسطينية مطلع عام 2022، بعد أن حصل الجيش الإسرائيلي على موافقة الرقابة العسكرية، لاستخدامها في الأغراض العسكرية بقطاع غزة؛ حيث تم استخدامها في تنفيذ عمليات اغتيال في أماكن معقدة.

كما استخدمتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في استهداف قيادات من حركة الجهاد الإسلامي، وحيث تم استهداف 30 فلسطينيًا بينهم 6 من قيادات حركة الجهاد الإسلامي، وهو ما دعا الفصائل الفلسطينية للعمل على إسقاط تلك المسيرات، حيث سقطت أول مسيرة من هذا النوع في يناير 2023، خلال تحليقها في عملية استطلاع، كما أسقطت عناصر المقاومة اليوم أيضُا طائرة أخرى من النوع نفسه.

وفي خارج الأراضي الفلسطينية استخدمها الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ هجمات ضد منشآت تابعة لـ “حزب الله” اللبناني، عام 2019، كما استهدف بها منشآت تخصيب اليورانيوم في إيران عام 2021، وفي عام 2022 تم استخدامها ضد منشآت عسكرية حساسة خارج طهران، وكذلك استخدمت 6 طائرات “كوادكوبتر”، قبل عام، لتنفيذ هجمات ضد منشآت كرمانشاه الخاصة بالطائرات المسيرة.

دعوة للمحاسبة

ويؤكد الأورومتوسطي على أن الطائرات المسيّرة، على الرغم من أنها لا تعتبر في حد ذاتها من الأسلحة غير القانونية، مثل الأسلحة المحظورة دوليا، إلا أن استخدامها يجب أن يتم وفقًا لقواعد القانون الدولي الإنساني المعمول بها في سياق النزاعات المسلحة، تمامًا مثل أي سلاح آخر يسمح باستخدامه. ويأتي على رأس هذه القواعد ضمان احترام مبادئ التمييز، والتناسبية، واتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة قبل تنفيذ الهجوم العسكري.

وكان المرصد الأورومتوسطي وثق في نهاية كانون أول/ديسمبر الماضي في ملف أولي قدمه إلى مقررين خاصين للأمم المتحدة ومدعى عام المحكمة الجنائية الدولية، عشرات جرائم القتل والإعدام المباشر غير القانونية التي نفذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، داعيًا إلى التحقيق الفوري بها لمحاسبة مرتكبيها وإنصاف الضحايا.

وحث الأورومتوسطي الجهات المذكورة وغيرها من الاطراف الدولية، على إعلان موقف من مجمل عمليات القتل الواسعة التي تنفذها القوات الإسرائيلية الإسرائيلية والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، وبشكل خاص عمليات الإعدام والتصفية الجسدية في قطاع غزة.

كما طالب الأورومتوسطي بالإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة خاصة بالهجوم العسكري الأخير على قطاع غزة، وتمكين لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة التي تم تشكيلها من عام2021 من القيام بعملها، بما في ذلك ضمان وصولها إلى قطاع غزة وفتح التحقيقات اللازمة في جميع الجرائم والانتهاكات المرتكبة ضد الفلسطينيين في القطاع، بما في ذلك عمليات قتل المدنيين الفلسطينيين عمدًا وتصفيتهم جسديًّا.

كما دعا الأورومتوسطي المقرر الخاص المعنيّ بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفًا لإجراء زيارة قُطرية إلى قطاع غزة في أقرب فرصة ممكنة من أجل التحقيق في جرائم القتل غير المشروعة التي تندرج ضمن ولايته الموضوعية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات