الأحد 28/أبريل/2024

عمّال غزة .. حصار قطّع الأرزاق وعدوان طال الأعناق

عمّال غزة .. حصار قطّع الأرزاق وعدوان طال الأعناق

بدا المشهد العام للفلسطينيين المحاصرين في غزة بعامة، والعمّال الذين يشكلون أكبر شريحة في المجتمع بصورة خاصة، قاتماً في ظل استمرار هذا الحصار الجائر الذي لم يستثن قطاعاً من قطاعات الحياة الرئيسية في غزة إلا ودمّرها وأمعن في سحقها.

فقد دفن الحصار، المفروض على قطاع غزة منذ نحو عامين، الكثير من أحلام العمال الفلسطينيين في العيش بكرامة وتوفير لقمة العيش التي تسد رمق عائلاتهم وأطفالهم، ليعيشوا في وضع اقتصادي صعب لا يجدوا فيه أدنى متطلبات الحياة.

فمنذ مطلع الصيف الماضي؛ تم تشديد ذلك الحصار المفروض على القطاع ذي المساحة الصغيرة المكتظة بالسكان، كما تم تشديد العدوان العسكري إلى جانب الاقتصادي، فأصبح يضيِّق الخناق على السكان القاطنين هناك بشكل صارخ.

وفي ظل واقع أزمة الحصار التي يواجهها المواطن الفلسطيني؛ تشير الإحصاءات الاقتصادية إلى أن ما يقارب 200 ألف عامل فلسطيني في غزة عاطل عن العمل نتيجة إغلاق المعابر التي أثر على توقف عمل المصانع، وحرمان هؤلاء العمال من أعمالهم، في حين يلاحظ ارتفاع في عدد الضحايا الفلسطينيين من العمال الذين يسقطون بسبب العمليات الحربية الصهيونية في غزة المحاصرة.

97 % من المصانع أُغلقت

لقد تسبب الحصار بإغلاق 3900 مصنع بنسبة 97 في المائة من عدد المصانع الموجودة في غزة، في حين أن نسبة الـ 3 في المائة تعمل بشكل جزئي في المواد الغذائية في ما تيسر لها من إمكانات، وكل شيء تم إغلاقه من مصانع الكرتون والألبسة التي كانت تدر دخلاً على غزة بملايين الدولارات.

توقف أيضاً 600 مصنع للخياطة عن العمل، و95 في المائة من الورشات الهندسية، و80 في المائة من مصانع الأثاث، فيما توقفت جميع المشاريع الإنشائية، ومشاريع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا ، لا سيما وأن غزة كانت تعتبر مركزاً رئيسياً في صناعة المنسوجات ومصانع البلاستيك والأخشاب والأثاث والخرسانات وكل ما يمكن تخيله من مجالات الصناعة.

وخلال أعلى فترات الإنتاج (أيار / مايو – حزيران / يونيو)، كان يمكن تصدير ما معدله 748 حمولة شاحنة من المنتجات المصنعة في الشهر الواحد (بما يتضمن الأثاث، منتجات غذائية، ملبوسات ومنتجات زراعية)، إلا أن الحصار حال دون ذلك.

بضائع محتجزة وضرائب متراكمة

آثار أخرى خطيرة ترتبت على وقف هذه المصانع، فالمواد الخام محتجزة في الموانئ الصهيونية حتى الآن، وتقدّر قيمة البضائع المحتجزة بأكثر من 150 مليون دولار، حيث تمنع السلطات الصهيونية دخولها إلى غزة رغم أنه تم استيرادها بشكل حر وتم دفع ثمنها وجماركها وضرائبها.

ولا تكتفي السلطات الصهيونية باحتجاز البضائع بل تطالب أصحابها بدفع غرامات التأخير على هذه البضائع وعلى الأرضيات في الميناء، وبالتالي يتكبد المواطن الفلسطيني مبالغ مضاعفة، والأخطر من ذلك أنه ألحق الضرر برأس المال نتيجة تلف البضائع وتعرضها للسرقة والقرصنة في الموانئ وعرّض صاحب المصنع لمشاكل مع البنوك نتيجة تراكم الفوائد وعدم تسديد التزاماته.

مقبرة المصانع

وتعبيراً عن هذا الواقع المرير؛ أقامت اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار ساحة في قطاع غزة أطلقت عليها اسم مقبرة المصانع الفلسطينية، ودفن فيها المصانع كنموذج للواقع الذي ظهر في مصانع غزة تحت الاحتلال.

كل قبر من هذه القبور المصطفة إلى جوار بعضها البعض، المغطاة بالورق لعدم توفر الاسمنت في قطاع غزة لعمل البلاط للقبور، كتب عليها اسم المصنع وعدد العمال المتعطلين عن العمل جراء توقف هذا المصنع، وقد اختلفت أعمال وأنواع هذه المصانع.

140 ألف عامل في غزة توقفوا عن العمل في كل القطاعات الصناعية والبنى التحتية والمقاولات والبناء بسبب الحصار، حيث كان هناك مشروع للمباني تقوم به وكالة الغوث وبعض الدول العربية وتم تجهيز المناقصات وإرساء العطاءات إلا أن السلطات الصهيونية منعت دخول المعدات وبالتالي تعطلت كل هذه المشاريع التي تبلغ قيمتها 550 مليون دولار.

قطع للأعناق كما الأرزاق

وإن كان الحصار يقطع أرزاق العمال الفلسطينيين؛ فإن العدوان الصهيونية المتواصل ضد غزة طال رقابهم وسلب أرواحهم أيضاً، وتسبب بإعاقات دائمة للمئات منهم تحرمهم من العودة إلى مزاولة أعمالهم.

فقد أفادت حصيلة بأن عدد الفلسطينيين، الذين قتلتهم القوات الصهيونية، وعدد كبير منهم من العمال، خلال شهر أيار (مايو) الماضي، بلغ واحداً وأربعين فلسطينياً، ومنذ بداية السنة (2008) وصل العدد إلى 420، في حين بلغ هذا العدد منذ بداية الحصار قبل عامين (منتصف حزيران (يونيو) 2006) إلى نحو 1300 فلسطيني.

عملية إنعاش صعبة

مدير منظمة الصليب الأحمر في غزة حذّر من صعوبة إعادة إحياء البنى التحتية في القطاع المحاصر، لا سيما وأن الشلل الذي أصاب هذا القطاع متواصل منذ عامين كاملين.

وبرأيه؛ فإنه يجب أن تُقام بنية تحتية من جديد لأن كل البنى التحتية في خطر، ومصدر الخطورة أيضاً في الزيادة الطبيعية لعدد السكان، التي يجب أن تواكبها زيادة في المرافق التعليمية أو الطرق أو الكهرباء أو المستشفيات؛ إلا أنه لم تقم هذه المنشآت وبالعكس حدث تراجع في هذه الخدمات.

وهناك أيضا القطاع التجاري حيث توقفت كل مظاهر التجارة في غزة لا استيراد ولا تصدير وأيضاً توقف القطاع الزراعي، الذي يعمل فيه نحو خمسين ألف مزارع، بعدما تكبد خسائر بعشرات الملايين من الدولارات، وبالذات ما يتعلق بالورد والتوت الأرضي حتى أن الورد أصبح غذاء للماشية والأغنام، بحسب ما تؤكده المنظمة الدولية.

600 مليون دولار خسائر مباشرة

وقدّر خبراء الاقتصاد في قطاع غزة الخسائر المباشرة للحصار الذي تفرضه السلطات الصهيونية على قطاع غزة بأكثر من 600 مليون دولار منذ بداية (2008)، أي خلال خمسة أشهر فقط، فضلاً عن عشرات الملايين من الدولارات خسائر غير مباشرة.

وأشار تقرير دولي صادر عن الأمم المتحدة إلى أن الإغلاق والحصار أثر على الأنشطة الاقتصادية، حيث انعكس على معدلات الاستثمار في قطاع غزة، إذ لم تسجل أية شركة أجنبية منذ الربع الثاني 2006 وكذلك تراجع تسجيل الشركات الخاصة المحدودة بنسبة 31.6 في المائة خلال 2007 مقارنة بالعام 2006، وهذا التراجع أثر على الأنشطة الاقتصادية.

وقال التقرير إن قطاع الإنشاءات قد توقف عن العمل بشكل شبه تام، الأمر الذي أدى إلى تعطل آلاف العاملين في ذلك القطاع إضافة لتوقف جميع المشاريع الإنشائية والتطويرية الخاصة بالمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، أما القطاع الزراعي فقد تضرر بشكل كبير بسبب هذا الحصار، حيث بلغت خسائر الفراولة لوحدها نحو 15 مليون دولار خلال الموسم الزراعي 2007، وفي الوقت نفسه فقد انخفضت التسهيلات الائتمانية التي تقدمها البنوك العاملة في قطاع غزة بنسبة 59 في المائة عام 2007.

حصار وفقر وبطالة

يعيش الفلسطينيون في غزة بواقع مرير، صدم كل الوفود الغربية التي زارت القطاع للإطلاع على أواضعهم المأساوية في ظل الحصار؛ فـ 80 في المائة من سكان غزة (المليون ونصف المليون إنسان) يعيشون تحت خط الفقر، و70 في المائة معدل البطالة وتزيد، في حين أن معدل الدخل السنوي للمواطن الفلسطيني 650 دولاراً في السنة، أي ما يعادل دولارين اثنين فقط في اليوم.

ويحذّر مدير العلاقات العامة بالغرفة التجارية الفلسطينية ماهر الطباع من أن استمرار إغلاق المعابر سيهدد مواسم الزراعات التصديرية، مما يعرض أكثر من 80 في المائة من المحاصيل الزراعية للتلف، بسبب عدم السماح بدخول الأدوية الزراعية والأسمدة وغيرها من المستلزمات الزراعية.

وحسب بيانات اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار؛ فإن معدل الخسائر اليومي للمزارعين يبلغ 150 ألف دولار، ما يعني أن مجمل الخسائر الناتجة عن عدم القدرة على التصدير خلال الأشهر الأحد عشر الماضية بلغ أكثر من 50 مليون دولار.

بدولارين فقط

لقد أدى الحصار المفروض على قطاع غزة، إلى ارتفاع معدل الفقر في صفوف فلسطينيي قطاع غزة لأرقام قياسية؛ فقد أفادت اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار بأن سكان غزة، المليون ونصف المليون إنسان، يعيشون حالياً بدولارين في اليوم.

وقالت اللجنة إن معدل الدخل الفردي السنوي للمواطن الفلسطيني في غزة لا يتجاوز 650 دولاراً، وهو ما يعني أن سكان القطاع يعيشون بنحو دولارين في اليوم، مشيرة إلى أن أكثر من ثلثي العاملين في غزة يعانون من البطالة.

ولفتت الانتباه إلى أن مليوناً ومائة ألف فلسطيني يعيشون فقط على المساعدات التي تقدمها لهم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا ومنظمة الغذاء العالمي (الفاو) ومنظمات خيرية أخرى عربية وإسلامية.

وقالت اللجنة إن 60 في المائة من أطفال غزة يعانون بسبب ذلك من الأمراض الناتجة عن نقص التغذية، وإن 70 في المائة من سكان غزة لا تصلهم المياه إلا يومين في الأسبوع وتصلهم فقط ثماني ساعات في اليوم، إضافة إلى أن الكهرباء تنقطع عن القطاع كله ثماني ساعات في اليوم على الأقل وقد تصل مدة انقطاعها إلى 16 ساعة.

القطاع الخاص

يشكل القطاع الخاص في الأراضي الفلسطينية بشكل عام وفي قطاع غزة على وجه التحديد محركاً أساسياً في عملية التنمية والتطور الاقتصادي، حيث يولد 53 في المائة من كافة فرص العمل، وعلى مدار سني الاحتلال كان هذا القطاع هدفاً لممارسات تعسفية وهدامة حدت من قدرة هذا القطاع على النمو وعلى البقاء عند أدنى مستويات الإنتاجية قبولاً.

فقد انخفضت القدرة الإنتاجية للقطاع الخاص في القطاع من نسبة 76 في المائة قبل بداية انتفاضة الأقصى إلى نسبة 31.1 في المائة خلال الربع الأول من عام 2001، واستعادت بعضاً من زخمها لتصل في الفترة الممتدة ما بين كانون الثاني 2006 ويونيو 2007 إلى معدل 46 في المائة، إلا أنه ومنذ فرض الإغلاق الشامل على قطاع غزة منتصف شهر يونيو 2007 انخفضت الطاقة الإنتاجية مباشرة إلى معدل 11 في المائة.

وتعود أسباب هذا التراجع بشكل أساسي إلى وقف الاحتلال العمل بالكود الجمركي الخاص بقطاع غزة الأمر الذي منع من توفر أية نوع من المواد الخام، حيث أن جميع الم

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات