الخميس 23/مايو/2024

في انتظار قمة عربية

د. إبراهيم حمّامي

المبادرة العربية التي أعلنت في 28/03/2002 كانت وبحسب معديها الحد الأدنى المقبول من قبل النظام السياسي العربي الرسمي، وكانت أقصى ما يمكن أن يُقدم في سبيل السلام الموهوم وبشكل جماعي، وحوت في بنودها تنازلات فاقت ما كان يحلم به السادات، وإغراءات كفيلة بأن يسيل لها لعاب الاحتلال لو كان سياسيوه حقاً يريدون السلام، لكن حتى تلك المبادرة لم تفلح في تغيير مواقف المحتل بل كان الرد عليها قوياً حاسماً وبعد أقل من 24 ساعة بإطلاق شارون لحملته الإجرامية الشهيرة “الدرع الواقي” لينسف كل ما جاءت به أوسلو ويصدر شهادة وفاة لعملية سلمية وهمية فرطت في الحقوق وأضاعت الثوابت.

اليوم تغيرت النظرة من جديد، وها هي القمة العربية تعقد ولا يوجد على جدول أعمالها تقريباً إلا إعادة إحياء مبادرة عام 2002، في ظل زيارات ولقاءات وضغوطات تمارس من الأطراف الدولية لتعديلها لتسقط أهم أركان القضية الفلسطينية، ألا وهو الركن البشري المتمثل بحق العودة المقدس وغير القابل للتصرف للملايين من أبناء الشعب الفلسطيني، ورغم أن بنود المبادرة أصلاً تسقط هذا الحق في بنودها 2-ب و4، إلا أن المطلوب بات إسقاطه رسمياً وعملياً بعدم التحدث عنه حتى ولو بالتلميح.

النظام الرسمي العربي وكما هي العادة أبقى الباب مفتوحاً لكل الاحتمالات، ورغم محاولات النفي المتكرر لفكرة تعديل المبادرة، إلا أن التسريبات من كواليس الاجتماعات، والأنباء التي تتحدث عن عملية تطبيع قادمة، والتصريحات التي تذهب لأكثر من ذلك من خلال وعود حالمة بشرق أوسط مزدهر، جعلت الأمر وكأنه هرولة عربية حثيثة نحو “السلام”، وبمغريات جديدة وتنازلات أجد، مقابل تعنت كامل في مواقف الاحتلال.

الموقف الفلسطيني هو الأسوأ دون منازع، محمود عباس وبحسب لقاء مع صحيفة يديعوت أحرونوت من خلال مراسليها ناحوم برنيع وروني شاكيد يوم 23/03/2007 يريد أن يرفرف علم الاحتلال على 57 عاصمة إسلامية، بل يتبرع بتوجيه الاحتلال للكيفية التي يمكن تحقيق ذلك من خلالها، ويزيد أنه العنوان لتحقيق ذلك، ليخرج بعدها مستشاره السياسي الخاص (..) نمر حمّاد ليقدم خدماته المجانية للاحتلال داعياً للتنسيق الأمني للقضاء على المقاومة!

العرب بقدهم وقديدهم متمسكون بالمبادرة ومستعدون لمناقشتها وتعديلها، ومتمسكون بخارطة الطريق، وبكل ما قد يجلب لهم الرضا السامي المفقود، يستجدون السلام المزعوم، ويسترضون الاحتلال صباح مساء، وكأن العرب هم من يريد الاعتراف بكيانهم، أو التغاضي عن احتلالهم لأراضي الغير، وهم بذلك يغفلون حقيقة واضحة أن التنازل يجر التنازل، والاستجداء يليه الخضوع والخنوع، والارتماء المجاني في أحضان تسوية لم تتحدد معالمها بعد يؤدي لضياع كل شيء، وهو ما عبرت عنه المواقف المتتالية لمسؤولي الاحتلال والإدارة الأمريكية.

الاستجداء العربي يقابله تعنت واستعلاء احتلالي مدعوم برباعية دولية فقدت البوصلة، فبات همها معاقبة الضحية وتمكين المحتل الجلاد، ولنقرأ سوياً بعضاً من المواقف المقابلة للموقف العربي الضعيف:

  • كونداليزا رايس تعلن اليوم في مؤتمر صحفي بأن اتفاق مكة و تشكيل حكومة الوحدة الوطنية عقد الطريق نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعطل عملية السلام في الشرق الأوسط!
  • تضيف رايس أن الوقت لم يحن بعد لإجراء مفاوضات حول “الوضع النهائي” بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
  • تعلن رايس أن على الدول العربية أن تقوم بانفتاح حيال إسرائيل لتظهر لها أنها قبلت بمكانها في الشرق الأوسط مما يعني نسف المبادرة العربية من أساسها، وتبشر ببداية تنسيق أمني فلسطيني- إسرائيلي جديد
  • مقابل ذلك لا تطلب من الاحتلال تقديم أي شيء على الإطلاق لكنها تتبنى وجهة نظره بالكامل وبشكل مطلق.
  • المحلل السياسي ايهود يعاري كشف جزءاً هاماً من الأسلوب المعتمد للتعامل مع المبادرة قائلاً: : إن حكام تل ابيب يرون أن المبادرة العربية مرفوضة سياسيا إلا أنهم سيوافقون شكليا عليها للالتفاف وراء ظهر الفلسطينيين والبدء بمفاوضات وعلاقات علانية مع دول الخليج.
  • أودي سيغل مراسل القناة العبرية الثانية كشف أول أمس الموقف الرسمي الإسرائيلي بالتمسك بالمرحلة الأولى من خارطة الطريق كشرط لأي تقدم في عملية التفاوض، ورفض كل ما جاءت به رايس
  • الجنرال عاموس جلبوع رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية سابقا كان أكثر وضوحاً وطلب من الحكومة الإسرائيلية عدم القبول بالمبادرة العربية. وفي مقال نشره في عدد أمس من صحيفة «معاريف» وصف جلبوع المبادرة بأنها تمثل «املاء على اسرائيل، مفاده: وافقي قبل كل شيء على الانسحاب التام، ووافقي على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، ووافقي على إعادة اللاجئين، وبعد ذلك فقط ستتفضل الدول العربية بالإعلان عن انتهاء النزاع وتطبيع العلاقات باسرائيل». وأشار الى أن المبادرة العربية أكثر تشدداً من قرار 242، لأنها تطالب بالانسحاب إلى خطوط الرابع من يونيو (حزيران) 1967، وهذا يعني حتى منتصف بحيرة طبرية على حسب التوجه السوري، واقتلاع كل المستوطنات في الضفة الغربية، في حين يتحدث 242 عن انسحاب «من المناطق» (الى حدود «معترف بها وآمنة») كما تنص خطة بيل كلينتون الرئيس الاميركي السابق على إبقاء جميع الكتل الاستيطانية الكبيرة تحت السيادة الاسرائيلية مثل أجزاء من القدس الشرقية ايضا. وأشار الى أن المبادرة العربية تنص على اعادة القدس الشرقية للفلسطينيين، بحيث لا تبقى لاسرائيل أية سيطرة في منطقة حائط المبكى!
  • بدورهم رفض قادة الإحتلال من أولمرت إلى بيريز مروراً بليفني أي حديث حول الوضع النهائي خاصة موضوع القدس والحدود، ناهيك عن الرفض المطلق لأي حديث عن حق العودة

يقول ناصر اللحام في مقال له تحت عنوان “القمة العربية في الرياض- الفرصة الأخيرة لإسرائيل” نشره يوم أمس حول طبيعة هذه القمة وظروفها: “أن إسرائيل تمادت في الإستهانة بعامل الوقت بدءاً من قيامها على منطق القوة العسكرية عام 1948 وطرد السكان العرب من منازلهم ومروراً باحتلال الضفة وقطاع غزة في العام 1967 ، وخطأ رئيس وزرائها مناحيم بيغن التاريخي عام 1978 بعدم التخلي عنها في إتفاقية كامب ديفيد مع الرئيس المصري محمد أنور السادات، ومروراً بمؤتمر مدريد ومراهنة رئيس وزرائها إسحق شامير على عملية تهجير ملايين اليهود الى فلسطين، ومروراً بعبارة رئيس وزرائها إسحق رابين ( الوقت غير مقدس) ووصولاً الى الشارونية الجديدة التي تقوم على مبدأ الإستعانة بواشنطن في إذلال وخنق قادة الشعب الفلسطيني ومحاصرتهم حتى يقتنعوا بالاحتلال كمنهاج حياة دائم الى جانب جدار إسمنتي مرتفع”، ليضيف: ” ولو كنت إسرائيلياً، لإعتذرت للرئيس أبومازن فوراً ولطلبت من إسماعيل هنية الصفح السريع، ولقُلت للعاهل السعودي : أرجوك يا جلالة الملك ساعدنا واغفر لنا حماقتنا في رفض مبادرتك عام 2002 ، كما يجب الاستماع مرة أخرى الى خطاب العاهل الأردني، لأفهم من جديد بأنها ربما تكون الفرصة الأخيرة لإسرائيل”

ناصر اللحام عبّر عن رؤية تيار “المعتدلين” كما اسمتهم كونداليزا رايس، وحدد هوية القمة واتجاهها، لكنه وكما الزعامات العربية لم يأت على ذكر الشعب الفلسطيني ومكانه في هذه القمة، بل ركز على أهمية إنقاذ “إسرائيل”، وعدم إضاعتها للفرصة الذهبية العربية، تماماً كما هو حال البيانات الختامية السابقة للقمم العربية، ولا أعتقد أن بيان هذه القمة وقراراتها سيشذ عن هذه القاعدة، فالقمة عربية اللغة والحضور، أعجمية أجنبية الأهداف والنتائج.

نعم بعد كل ذلك تأتي القمة العربية لإنقاذ الإحتلال المتعنت والرافض لكل التنازلات والإغراءات، لتكون قمة الاسترضاء والاستجداء، قمة تظهرنا جميعاً بأضعف مما نحن فيه، وتثبت أننا فاشلون سياسياً بكل معنى الكلمة، لأن مصالح العالم الاقتصادية والسياسية الكبيرة والهامة مع منطقتنا العربية، ومئات المليارات من العقود والمشاريع، لا تستطيع أن تضغط ولو بنسبة 1% على موقف أصغر دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة أو الشرعية الدولية كما يسمونها.

لن تفلح المغريات العربية في تليين مواقف المحتل، ولن تجد محاولات إنقاذه، ومن يحتاج للإنقاذ اليوم هو النظام الرسمي العربي الضعيف الواهن، فهل تعقد يوماً قمة عربية بأجندة عربية ولأهداف عربية، يكون على رأس أولوياتها إنقاذ أمتنا من الذل والمهانة التي وصلت إليها؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات