الإثنين 29/أبريل/2024

مخيم نور شمس .. حاضنة مقاومة تتحدى الاحتلال

مخيم نور شمس .. حاضنة مقاومة تتحدى الاحتلال

طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام
في كل مرة تقدم فيها قوات الاحتلال الصهيوني على اقتحام مخيم نور شمس بطولكرم سرعان ما تشتعل شوارعه لهيب ونار على المحتل الغاصب.

وجاء استشهاد الشاب محمود أبو سعن (18 عاما) خلال مواجهات مع قوات الاحتلال الصهيوني في مخيم نور شمس في طولكم، ليرسخ أن أهالي المخيم مصممون على مواجهة الاحتلال وأن ما كان يحدث من اقتحامات هادئة كان من الماضي.

وأصبح مخيم نور شمس عنوانًا متكررًا في وسائل الإعلام المحلية والدولية، بعد أن حجز له موقعًا بين جغرافيا الوطن الثائرة في وجه المحتل، يخرج منه المقاومون من كتائب القسام وسراي القدس والرد السريع وغيرهم من الفصائل المقاومة كطائر الفينيق.

وتأسس مخيم نور شمس عام 1951م بعد مرور ثلاث سنوات على نكبة فلسطين عام 1948، وحمل اسمه نسبة إلى معتقل نور شمس الذي استخدمه الإنجليز منذ احتلالهم لفلسطين عام 1919م لسجن أصحاب الأحكام القاسية ممن حكم عليهم بالإعدام أو السجن لمدى الحياة.

من أين جاءت التسمية؟

ووفق موسوعة المخيمات الفلسطينية؛ من المرجح أن المعتقل استمدّ تسميته نور شمس من خلال موضعه المكشوف طوال النهار لأشعة الشمس والتي كانت تلدغ أجسام المعتقلين في موسم الحر، وبعد جلاء الإنجليز عن البلاد اعتمدت التسمية في السجلات الرسمية وغير الرسمية.

وتمر السنوات، وتتحول المنطقة التي احتوت هذا السجن القاسي الذي ضم بين جنباته أبطال الثورات الفلسطينية السابقة، إلى قلعة حاضنة لمجموعات فدائية تواجه الاحتلال وتتحدى التنسيق الأمني، وتشارك في صنع البطولات والتضحيات على طريق العودة والتحرير.

على بعد 3 كم إلى الشرق من مدينة طولكرم، يقع مخيم نور شمس، وعلى جانبيه تقع سكة حديد طولكرم-نابلس – يافا، والطريق الرئيس الذي يربط طولكرم بمدينة نابلس، وهو يبعد عن البحر الأبيض المتوسط 19 كيلومتراً إلى الشرق.

والمخيم مكون من قسمين شمالي وجنوبي، يفصل بين جزأيه سهل ضيق عرضه 300 م، يمر من هذا السهل وادي اسكندرونة، وهذه المنطقة تتبع جغرافياً السهل الساحلي الفلسطيني لاتصالها معه من جهة ولعدم ارتفاعها عن مستوى سطح البحر حيث يبلغ 150م من جهة أخرى.

مقاومة متصاعدة

وعلى خطى نابلس وجنين، التحقت طولكرم ومخيمها نور شمس خلال العامين الماضيين، بخط المقاومة وتشكيل كتائبها الباسلة لتنطلق منها العمليات الفدائية مستهدفة حواجز الاحتلال ومستوطناته المقامة على أراضي محافظة طولكرم، وقدمت على هذا الطريق صلة من الشهداء الأبطال.

وتنشط في المخيم “كتيبة طولكرم – الرد السريع” التي تضم مختلف الفصائل الفلسطينية، والتي سميت تيمنًا بكتيبة الشهيد رائد الكرمي، القيادي في شهداء الأقصى التي جمدتها السلطة الفلسطينية، وقدمت شهيدها الأول ومؤسسها أمير أبو خديجة (استشهد في 23مارس 2023) الذي سرعان ما انتشرت وصيته بعصبة كتائب شهيد عز الدين القسام وتبين أنه أحد قادة كتائب القسام، والتحق به من الكتيبة نفسها القساميان سامر الشافعي وحمزة خريوش (استشهدا في 6 مايو 2023).

كما تنشط بها “كتيبة طولكرم – سرايا القدس” الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي التي انطلقت نواة تأسيسها من استشهاد سيف أبو لبدة (2 إبريل 2022) ابن المخيم رفقة مقاومين في مخيم جنين، في التصدي لاقتحامات الاحتلال.

وفي تطور لاحق، ومع توالي الظهور العلني لكتائب القسام في عدة مدن بالضفة الغربية، نشرت الكتائب مطلع أغسطس الجاري، لقطات لمقاتليها في مخيم نور شمس بطولكرم. وظهر في مقطع فيديو نشرته كتائب، مجموعة من مقاتليها أثناء مناورة لهم في مخيم شمس.

وبرز دور مجاهدي كتائب القسام في التصدي لاقتحامات الاحتلال واستخدام عبوات شواظ في المخيم، وهو ما رصده الكاتب أيمن أبو ناهية في مقاله شواظ تضيء سماء نور شمس، وأشار فيه كيف عادت الضفة إلى زمن الانتفاضة وتميزت فاعليتها بالأعمال والأنشطة الفدائية المسلحة، وإدخال أنواع جديدة من السلاح كالصواريخ التي انطلقت الأيام الماضية من جنين والعبوات الناسفة “كوع” والمتفجرات “شواظ”، التي بدأت تظهر في كل منطقة تتعرض للاعتداءات واقتحامات الاحتلال كان آخرها في مخيم نور شمس بتفجير آلية عسكرية للاحتلال.

وقال: إن ذلك شكل عنصر المفاجأة لقادة الاحتلال بتنوع وسائل المقاومة وقوة استمراريتها، بالرغم من كل التطمينات لقدرته على إعادة الهدوء، لكن المقاومة في كل يوم يشتد عودها وتزداد ضراوتها، بل وفي كل مرة نرى أن العملية الفدائية أقوى من التي سبقتها، ما يدلل على فشل كل خطط الاحتلال الأمنية.

مواجهة التنسيق الأمني

وكالعادة لم تتوقف السلطة عن محاربة المقاومة في المخيم والتشويش عليها، في إطار تنسيقها الأمني مع الاحتلال.

ففي 11 يونيو/حزيران الماضي، اقتحمت أجهزة أمن السلطة المخيم وأزالت الحواجز التي وضعها المقاومون لمنع تقدم الاحتلال، واصطدمت مع الشبان هناك.

وأصدرت كتيبة طولكرم بيانها الذي طالبت فيه السلطة وأجهزتها الأمنية، بوقف عدوانها على مخيم نور شمس، ووقف عملية إزالة الحواجز التي يضعها المقاومون لحماية المخيم من اقتحامات الاحتلال، وطالبت “بعدم جرِّ الأهالي لأي نوع من الاشتباك مع السلطة ومربع الاقتتال الداخلي، خاصة أن المقاومة هي الوحيدة التي تتصدى لاقتحامات وتنكيل الاحتلال اليومي بالمواطنين”.

ويؤكد الناشط في مخيم نور شمس إبراهيم النمر أنه مع فشل كل الخيارات وغياب الأفق السياسي لدى الشعب الفلسطيني عامة، واللاجئ خاصة، لم يبق إلا خيار المقاومة سبيلا لهم في المخيم، الذي بات عصيا على الاحتلال ويصعب كسره.

إبراهيم النمر: أمام فشل كل الخيارات، لم يعد أمام الفلسطينيين سوى خيار المقاومة

وبيّن النمر -في تصريحات صحفية نقلتها الجزيرة نت- أن المقاومة تملك الوعي والخبرة، لا سيما وأن أغلب عناصرها أسرى محررون، والباقي ممن تجرّعوا ظلم الاحتلال بشكل أو بآخر.

وفي المخيم الذي يعيش فيه 12 ألف نسمة، يقول النمر إنهم أمام جيل متمرد ومبصر لكل الأوضاع الصعبة في المخيم، وخاصة تلك التي باتت ترافق اقتحامات الاحتلال من قتل واعتقال وتدمير، وبالتالي لم يعد يرى إلا خيار المقاومة.

مقاومة متجذرة

حالة المقاومة الحالية بالمخيم، ليست وليدة اللحظة، فهي امتداد لحالة ثورة متجذرة وفي كل مرة كانت تعود كطائر الفينيق من تحت الرماد لتصفع الاحتلال وتسيء وجهه.

فمع انطلاق الثورة الفلسطينية الكبرى في 1936، كانت نور شمس من أوائل المناطق التي اشتبكت مع الجنود الإنجليز في بداية الثورة، تحديدًا في مايو/أيار من العام نفسه، عندما هاجم مقاومون فلسطينيون فرقة من الجنود البحارة الإنجليز، كانت حكومة الانتداب البريطاني قد أحضرتها من قاعدتها الحربية في مصر على الطريق من حيفا إلى نابلس قرب نور شمس، واستشهد فيها فلسطينيان إضافة إلى مقتل ضابطين بريطانيين.

بعد شهر من هذا الاشتباك، خاضت المنطقة أول معركة منظمة في الثورة الفلسطينية الكبرى مع قوات الانتداب البريطاني في يونيو/حزيران من العام نفسه، فاشتبك الثوار الفلسطينيون في معركة “نور شمس” بقيادة عبد الرحيم الحاج محمد مع الجنود، ما أسفر عن استشهاد 3 من الثوار ومقتل 50 جنديًا بريطانيًا وتدمير 3 سيارات وإسقاط طائرة مروحية.

يوم الأرض

وفي أحداث يوم الأرض الخالد الذي استشهد فيه 6 فلسطينيين في تظاهرات القرى والبلدات العربية في الداخل المحتل في 30 مارس/آذار 1976، عاد مخيم نور شمس للأخبار من جديد؛ إذ أن أحد الشهداء الستة كان رأفت الزهيري طالب هندسة معمارية في رام الله.

لاحقًا، وخلال الانتفاضة الثانية عام 2000، وبدء ما يسمى عملية السور الواقي التي أطلقها الاحتلال للقضاء على المقاومة الفلسطينية في الضفة المحتلة، حاصرت آليات الاحتلال طولكرم المدينة ومخيميها نور شمس وطولكرم، وقصفت مناطق مختلفة منها بصواريخ من طائرات الأباتشي، واغتالت المقاومين من الفصائل المختلفة فيه.

وبين خفوت وتصاعد، نمت المقاومة بمخيم نور شمس، واشتد عودها مطلع العام الجاري، واشتبكت مع جنود الاحتلال خلال اقتحامهم المخيم أكثر من مرة، ثم تتالت صولاتها في المدينة ومحيطها، وتعزَّزت بحضورها وتنسيقها مع نظيرتها بمدينة طولكرم، لتضاف رصيدًا حيويا لحالة المقاومة في الضفة المحتلة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات