الإثنين 29/أبريل/2024

في مخيم عين الحلوة.. حياة ممزقة بفعل نار الاقتتال

في مخيم عين الحلوة.. حياة ممزقة بفعل نار الاقتتال

صيدا – المركز الفلسطيني للإعلام

ثمن باهظ يدفعه سكان مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوب لبنان، جراء تحول أحياء المخيم إلى ساحات قتال داخلي لا تخدم سوى أجندات خارجية.

وقتل جراء الاشتباكات التي تواصلت منذ السبت 13 فلسطينيًّا، وجرح أكثر من 60 آخرين. وشردت آلاف العائلات، ودمرت مئات البيوت.

ولعل من أشد الأثمان التي يدفعها أهالي مخيم عين الحلوة هي حسرتهم على أبنائهم الذي يغادرون الدنيا بفعل الرصاص والاشتباكات، فعندما يهدأ صوت الرصاص، تضج في القلوب الألم والحزن كمدًا على الضحايا.

العريس أحمد حسين جوهر قضى أثناء الاشتباكات في مخيم عين الحلوة في 31 يوليو الماضي، وهو عريس لم يمضِ على زواجه سوى أسبوع!

وعم المخيم الحزن على العريس جوهر وعلى ضحايا المخيم، مؤكدين أن الحسرة في القلوب، والفتنة لا تخدم سوى الأعداء وأعوانه.

سكان مخيم عين الحلوة البالغ عددهم وفق تقديرات رسمية 100 ألف يعاني السواد الأعظم منهم الفقر المدقع، وتفشي البطالة، يترقبون مفعول وقف إطلاق النار، لا سيما وأنه فشل مرات عدة.

وينتظر الأهالي اليوم الجمعة، تطبيق المرحلة الثانية من اتفاق القوى الفلسطينية و”هيئة العمل الفلسطيني المشترك”؛ من خلال تأمين بيئة آمنة لضمان عودتهم إلى المخيم، واستكمال سحب المسلحين بشكل نهائي، ودخول الهيئات الإغاثية والإنسانية، ومعاودة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” عملها لإغاثة العائلات المتضررة.

ووفق إحصائيات وتقارير؛ فإن أكثر من 1000 وحدة سكنية تضررت بشكل كامل أو جزئي، إضافة لتدمير 200 سيارة، فيما يقدر عدد النازحين أو من تركوا منازلهم بـ20 ألفًا، في حين تقدر الخسائر بـ20 مليون دولار أمريكي.

مخاوف النازحين

ويعبّر نازحو المخيم عن مخاوف من العودة إلى منازلهم، بسبب الدمار الكبير الذي تسببت به الاشتباكات، إضافة إلى قلقهم من تجددها بأي لحظة، بفعل الخروقات المستمرة. ولسان حالهم: كيف سنرمم ونعيد ما دمرته القذائف والرشاشات والقنابل؟

تقديرات إعلامية لبنانية قدرت أعداد النازحين بأكثر من 20 ألفًا منهم 12 ألف طفل، لجؤوا إلى المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، وعددٍ من النوادي والمناطق المتاخمة للمخيم.

دمار هائل

وأفادت مصادر محلية من المخيم لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” بأن شبكة المياه والكهرباء والصرف الصحي دُمرت بفعل الاقتتال، إضافة لاحتراق وتدمير 700 منزل، وتدمير المئات من المحلات التجارية.

اللاجئ أبو محمود (75 عامًا) والذي يقطن في المخيم منذ سنوات النكبة، يقول لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” إنه عاد إلى منطقة سكنه في سوق الخضار ليجده رمادًا، من شدة النيران التي التهمته جراء الاشتباكات العنيفة.

يبكي الحاج المكلوم، ويتساءل عن السبب الذي اقترفه ليجد منزله بهذا الشكل، ويقول: أين سنذهب؟ وأين سنعيش؟. الحاج أبو محمود يطلق نداءً من سيعوضنا؟

وتشاطره المأساة الحاجة مريم، التي نزحت من المخيم مع زوجها المريض وابنتها المصابة بإعاقة جسدية إلى منزل أقاربها في منطقة التعمير التي طالتها آلة الاشتباك أيضا.

وتقول بأسى “أخبرني الجيران أن منزلي احترق، لا أتوقف عن البكاء لأنني لا أصدق ذلك، وهو أساسا متهالك، ولن يعوض أحد خسارتنا رغم معاناتنا بتوفير قوتنا وأدويتنا”.

مصاعب

وفي منطقة “سيروب” الواقعة شرق عين الحلوة، وحيث تسكنها مئات الأسر الفلسطينية، يقول الفلسطيني إبراهيم الحاج، وهو عضو تجمع شباب “سيروب”، إن المئات من أسر المخيم نزحت نحوهم، ومن بينها عائلة زوجته التي هربت من القذائف.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف إبراهيم الحاج بأنهم رصدوا ميدانيا خلال إغاثة النازحين، أوضاعا مأساوية، داعيا الأونروا لمضاعفة جهودها تجاههم.

وإغاثيا، أشار مدير جمعية الشفاء للخدمات الطبية الفلسطيني مجدي كريم، إلى مصاعب خلال إخلاء الجرحى، كما يتابعون حالات صعبة للنازحين في 3 مدارس فتحتها لهم الأونروا، إضافة إلى المساجد.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال كريم “نحن نعمل حاليا بالإسعافات والإيواء، خصوصا أن الوضع الصحي لشريحة واسعة من أبناء المخيم، غير مستقرة أساسا، وهناك عدد كبير من المصابين بالأمراض المزمنة ومن ذوي الاحتياجات الخاصة”. ويطالب بضرورة تثبيت وقف إطلاق النار اليوم حتى يتمكن الأهالي من العودة، “لأن ما حدث عبثي للغاية”.

شعور باليأس

في حين أكد اللاجئ محمد الشهابي أن سكان مخيم عين الحلوة شعروا باليأس، كانو هم وأطفالهم ونساءهم تحت القصف.

يضيف لمراسلنا: عانينا من القصف والتشريد، خرجنا من المخيم بلا أدوية ولا طعام ولا ماء، هاربين من جحيم الموت الذي خطه المسلحون في أزقة المخيم المنكوب.

اللاجئ الذي يسكن في منطقة التعمير، قال إنها أصبحت منطقة مدمرة بالكامل، نحن معتادون على الاشتباكات في المخيم، لكن ليس بهذا الحجم ولا هذه الكثافة النارية.

اللاحئ الشهابي يؤكد أن أن ما حدث في مخيم عين الحلوة هو تشريد آخر ونكبة جديدة.

ناشطون داخل المخيم، قالوا إن أُسراً كثيرة ليس لديها أحد في الخارج أو تخشى أن تترك المخيّم فتُستباح منازلها.

هؤلاء بقوا بالرغم من تعطّل كل الخدمات – على قلتها – في المخيم. فمنذ اليوم الأول للاشتباكات علّقت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الأونروا- خدماتها هناك، وهي بشكل أساسي خدمات الرعاية الصحية التي يستفيد منها يوميا مئات الأشخاص وخدمات الصحة البيئية من تنظيف شوارع وجمع النفايات إلى ضخ وتكرير المياه.

“أصلا لم يعد من داع لتكرير المياه. فمعظم الخزانات على الأسطح تشظّت نتيجة القصف”، يقول أحد سكان المخيم متهكماً.

حتى فرق الإسعاف غادرت المخيم بعد أن تم استهداف سيارتي إسعاف. معظم هذه الفرق تمركزت خارج المخيّم في نقاط قريبة من حواجز الجيش الذي يسيطر على مداخل المخيّم ولا يدخله – وهذا هو الوضع القائم في كل المخيمات الفلسطينية منذ عقود.

فعندما يُصاب أحد في الداخل، تقوم فرق مشاة بنقله إلى الخارج أو يحضره الناس إلى مدخل المخيم وتتولاه من هناك فرق الإغاثة.

شلل في الحركة

وشلّت المأساة الحركة داخل المخيم، حيث طبع الدمار مناطق الاشتباك، وتسببت بخسائر مادية فادحة، كما أغلقت معظم محلات السوق الشعبي.

ولعل ما يعمق المأساة، أن معظم أبناء المخيم يعملون بالمحلات التجارية الصغيرة داخل المخيم، فخسروا مدخولهم خلال المعركة، وهم قلقون من الرجوع والكشف عن خسائرهم.

وسبق أن طال القصف محيط حواجز الجيش اللبناني عند المداخل الإلزامية للمخيم، وتمدد شلل الحركة لمدينة صيدا التي أقفلت عددا كبيرا من مؤسساتها وإداراتها.

وطوال الاشتباك، تحدث شهود عيان عن انتشار لمئات المسلحين في “عين الحلوة”، وتمركز عدد كبير منهم بحي الطوارئ شرق المخيم ومحيطه، حيث تسيطر عليه المجموعات الإسلامية، وحاولت حركة فتح التقدم فيه، ما تسبب بمعارك ضارية.

وثمة ترقب حذر لترجمة تثبيت وقف إطلاق النار وسحب المسلحين، الذي أجمعت عليه مختلف الفصائل والقوى، كما ضاعف الجيش اللبناني إجراءاته بمحيط المخيم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات