الثلاثاء 21/مايو/2024

نفق الحرية..المستحيل أصبح ممكناً

نفق الحرية..المستحيل أصبح ممكناً

ما جرى في سجن “جلبوع” تخطى حدود التوقع وفضاء الممكن فرحلة انتزاع الحرية جرت بعد تطويع التنافرات كافة التي واجهت طريقهم في كسر حواجز الحديد والإسمنت.

وفي سابقة تاريخية تجاوزت التحصينات الأمنية الخاصّة كافة التي أقامها الاحتلال في أكثر سجونه حراسة، أثبت ستة أسرى فلسطينيين صحة قاعدة “لكل نظام أمني ثغرة”.

بالتقسيط تحرر مصلحة السجون الإسرائيلية تفاصيل قليلة عن خطة الأسرى الستة التي كشفت عورة الاحتلال الأمنية وبات يخصف عليها من جملة التبريرات والذرائع.

أقوى من الخيال

تذكرنا قصة الأسرى الستة برواية الخيال العلمي الشهيرة “رحلة إلى مركز الأرض” في القرن التاسع عشر، الفرق الوحيد أن الرواية وصلت لمركز الكرة الأرضية بينما وصل الأسرى إلى انتزاع حريتهم بعد صبر طويل.

وأعاد أسرى انتزاع الحرية في سجن “جلبوع” تصميم واقع الصراع مع مصلحة السجون الإسرائيلية التي تمارس عدوانًا وتفرقة عنصرية مع الأسرى الفلسطينيين.

ويؤكد محمود أبو عيشة، الأسير المحرر الذي أمضى جزءًا من حكمه الطويل في سجن “جلبوع” أن السبب الحقيقي لنجاح الأسرى هو قوة شخصية الأسير محمود عارضة وزملائه.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “عايشت عارضة وهو هادئ يتكلم ويتصرف دومًا بهدوء، ويتقن العبرية، ورجل اجتماعي جدًّا، يمثل الأسرى أمام إدارة السجن، ويتمتع بنفس طويل، وهو يناضل لانتزاع حقوق الأسرى”.

نال أبو عيشة حريته قبل عدة أشهر، وعاد لأسرته في قطاع غزة وهو يعرف جيداً تفاصيل التحصينات الأمنية في “جلبوع” التي تجمع البناء الحديدي والإسمنتي ووسائل التكنولوجيا.

ويتابع: “الأقسام مبنية مقابل بعضها، وكل حجرة سقفها وجدرانها من الباطون المسلح، وخلفها ممر واسع يتحرك به السجانون ومجهّز بكاميرات مراقبة، وخلفها كلاب حراسة، ثم يتلوه سور مرتفع يتلوه طريق أسفلت خارجي، وخلفها سيارة شرطة دائمة الحركة”.

وتبلغ المسافة من حجرة الأسرى حتى سيارة الشرطة التابعة للسجن 30-40 مترا، وتبدل مصلحة السجون كل 6 أشهر إقامة الأسرى في الحجرات بعد محاولة حفر نفق للحرية جرت قبل 4 سنوات.

وتمنع مصلحة السجون دخول أي من الأدوات المعدنية لحجرات الأسرى، حتى موقد طهي الطعام المعروف في السجون بـ”بلاطة” الطهي تدخل مؤقتا ويعاد إخراجها.

ولا أحد يعرف حتى الآن كيف تمكن أسرى الحرية من حفر النفق الذي ترجح كثير من المصادر أنه استغرق شهوراً طويلة قد تتجاوز العام.

يخضع أسرى “جلبوع” لإجراء العدد الصباحي عند السادسة صباحا، وعند التاسعة والربع يجري إجراء “دق الشبابيك” مرتين، وهي إجراءات ترافق تفتيش متكرر وتفقد للحجرات حتى يوم الجمعة والسبت خشية وقوع المحظور.

ويصف المحرر أبو عيشة معاملة مصلحة السجون للأسرى بأنها حالة غير إنسانية متواصلة، وقد تعرّض الأسرى فيه لحملات قمع في السنوات الأخيرة، وأضحى سجناً لمن تريد المصلحة عقابه من بقية السجون.

نجاح نادر

قلّة من يعرفون أن موقع سجن “جلبوع” يقع في منطقة وادي قريبة من موقع معركة “عين جالوت” وأن الحرارة في أروقة السجن حارّة جدًّا صيفاً، لا تستقر من سخونتها أقدام الأسرى.

ويقول اللواء يوسف شرقاوي الخبير في الشئون العسكرية، إن انتزاع الحرية من “جلبوع” يشكل إعادة إنتاج لفكر وعمل مارسته حركة تحرر كانت في ستينيات القرن الماضي في الأوروجواي.

ويضيف لمراسلنا: “حركة التوباماروس شكلت نموذجًا مميزًا في حفر الأنفاق واقتحام المؤسسات، وهي تستهدف السلطة المهيمنة، وحققت نجاحات لما كان مستحيلاً”.

وفق مثل: “الحاجة أم الاختراع” عمل الأسرى الستة في “جلبوع” بصبر وتحفظ وسريّة كاملة حبّا في الحياة وانتزاع حريتهم التي صادرها الاحتلال بعد إصدار أحكام مؤبدة بحقهم.

عملية حفر النفق جرت حسب ترجيحات المراقبين لما جرى طوال أشهر تناوبوا فيها على العمل بسريّة، ونجحوا فيها باختراق المراقبة المشددة وفق خطّة محكمة.

ويذكر الخبير شرقاوي بحادثة حفر الأسرى اللبنانيين لنفق في سجون أنصار الذي أقامته “إسرائيل” بعد احتلال جنوب لبنان عام 1982م  نجحوا من خلاله في الهروب من السجن.

ويتابع: “علاوةً على خطة الحفر المحكمة كان هناك خطة محكمة لما بعد الخروج من فتحة النفق والوصول لمكان آمن قبل الاختفاء وخط سير آمن”.

وتتصاعد في الآونة الأخيرة حالة إصرار كبيرة في أعمال المقاومة الشعبية على حدود غزة ومستوطنات الضفة المحتلة وسجون “إسرائيل” تمضي نحو حل وحيد سيجد الاحتلال نفسه مجبراً فيه على تقديم الحقوق الفلسطينية رغماً عنه.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات