الثلاثاء 21/مايو/2024

بعد سيف القدس.. المقاومة تترقب الحصاد والاحتلال يسعى للتبخيس

بعد سيف القدس.. المقاومة تترقب الحصاد والاحتلال يسعى للتبخيس

لا حل مع المقاومة الفلسطينية في غزة بعد معركة سيف القدس سوى فتح قناة حوار هادئة ومناقشة حقوق الشعب الفلسطيني التي فشل المجتمع الدولي منذ نكبة فلسطين عام 1948م انتزاعها من “إسرائيل”.

الكبار في مراكز التفكير الاستراتيجي والخبراء في علم السياسة والصراعات يعلمون جيداً أن التبخيس من إنجاز المقاومة محاولة يائسة لمعاندة الواقع الذي أضحت شواهده العملية مقنعة للجمهور الفلسطيني والعربي وأحرار العالم كافة.

بين التبخيس والاحتواء تحاول أطراف إقليمية ودولية إنقاذ “إسرائيل” من أزمتها، فالاحتلال يملك قوة تدميرية لا تقارن بإمكانات المقاومة؛ لكن صورته المشرقة وأخلاقه تضررت بشكل لافت أقلق أصدقاءه.

ومنذ انتهاء معركة سيف القدس تنشط اتصالات ولقاءات سياسية تجمع بين أطراف عربية ودولية لضبط إيقاع المشهد السياسي والميداني الذي فشلت فيه “إسرائيل” بفرض أجندتها وإثبات قوة ردعها على الفلسطينيين.

التحايل على الحقوق الفلسطينية منذ بدء عملية التسوية مطلع تسعينات القرن الماضي توج باتفاق “أوسلو” الذي لم يبق منه شيء، حتى عاد قطار الصراع لمساره الصحيح يصارع فيه شعبا محتلا.

تبخيس واحتيال

المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية تغلب فيها دوماً منطق القوة لصياغة المشهد السياسي، لكن في حالة أطول وآخر احتلال في العصر الحديث “إسرائيل” لا يبدو أن الأمور تسير بالنسبة لها على ما يرام.

ويرى رامي أبو زبيدة، الباحث في الشئون العسكرية، أن محاولات التقليل من إنجاز المقاومة مستمر على المستوى السياسي، لكن على مستوى وعي المحللين ومراكز الدراسات يعلنون تقدما تراكميًّا للمقاومة رسّخ قواعد اشتباك جديدة.

بقوة ناعمة، قد يمضي الأمر بعد أن هدأت أصوات النيران في معركة سيف القدس، فالوعود بإنعاش الحياة الاقتصادية بغزة، وتحسين ملفاتها الإنسانية، ربما تعد حلقة قديمة ومكررة في وعي الشعب الفلسطيني ومقاومته.

ويتابع الباحث أبو زبيدة لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “خصوم المقاومة يخشون من تقدم مشروعها، فهم يمارسون ضغوطا عليها، لكنهم ربما الآن يلجئون لإغرائها اقتصاديًّا وربط حقوقها بملفات إسرائيلية؛ حتى إذا حدث انتعاش وتكررت جولة يكبدونها خسارة تردعها”.

ويربط الاحتلال أي اتفاق قادم بملف جنوده الأسرى لدى المقاومة، بينما تتعالى أصوات شعبية وجماهيرية بضرورة إنهاء معاناة غزة الإنسانية، وهذا يشكل عامل إحراج لدول عديدة في المجتمع الدولي.

ويؤكد د. تيسير محيسن، المحلل السياسي، أن محاولة إجهاض إنجاز المقاومة في معركة سيف القدس تتقاطع فيه أطراف عدة لتفريغ محتواه وفق مبدأ المصالح لحجب غزة عن استثمار ما وقع خلال 11 يوما من العدوان.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “أطراف عربية وغربية وطرف فلسطيني لهم موقف سلبي لتفريغ الإنجاز وتبخيسه؛ رغم أن أصدقاء وخصوم المقاومة أشادوا واعترفوا بأبعاد ما وقع، وحتى توصيف الاحتلال أعطى تقديرا مهما لما جرى بغزة والداخل”.

تطل من نوافذ العمل السياسي في مهمة الاحتواء والتبخيس، ملفات عدة مثل إعادة إعمار غزة، وملف جنود “إسرائيل”، والحصار، وهي موضع نقاش وعمل سياسي ودبلوماسي للالتفاف على المقاومة التي يجب أن تبقى ممسكة بخيوط القضية الوطنية وحقوق الشعب.

الكفاح المسلح رافق عمل حركات التحرر في صراعها مع الاستعمار والاحتلال حتى نجحت البندقية في إجبار كل احتلال وأعوانه على الاعتراف بالحقوق، جرى ذلك مع جبهة التحرير الجزائرية 1962م ومنظمة التحرير الفلسطينية قبل أوسلو 1994م”.

يقول د. محمود العجرمي، المحلل السياسي، إن ثبات المقاومة الشعبية في جنوب أفريقيا ضد التمييز العنصري توّج بمؤتمر وطني عام 1994م اعترف فيه الحاكم الأبيض أن التنظيم المقاوم ليس إرهابيًّا ومثله جرى مع ثوار فيتنام والجزائر.

ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “الإسناد الشعبي يحفظ قوة العمل المقاوم ويجبر الاحتلال على الاعتراف بالحقوق، ونحن لا نختلف كثيرا عنهم، فمنظمات عمل مقاوم كانت تسمى إرهابية واعترفوا بحقها الشرعي”.

تحتفظ الحالة الفلسطينية بخصوصية أخرى، فقد جرى التحايل على منظمة التحرير الفلسطينية عام 1994م بعملية تسوية فاشلة، بينما أثبتت المقاومة مؤخراً أنها الطريق الوحيد لانتزاع الحقوق، وهذه قناة ثانية لمحاولة إجهاض إنجازها بتعزيز الانقسام واللعب على تناقضات البرامج السياسية.

استثمار مقاوم

السؤال كيف تتمكن المقاومة بعد كل ما جرى من استثمار إنجازها في ظل مجتمع دولي اعترف بحقوقها على مضض، ويحرص معظمه على بقاء “إسرائيل” قوية وآمنة.

الأدوات في صراع المقاومة مع “إسرائيل” معظمها مجربة وفاشلة، وعلى رأسها حسب رؤية الباحث أبو زبيدة، الحصار الذي امتد لعقد ونصف واخترقته المقاومة بمراكمة إنجاز وإعداد.

منطق القوة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أدار ظهره لحقوق الفلسطيني الشرعية المؤيدة بقرارات دولية وأممية، حتى ذكَّر بها رصاص البندقية معلناً أن الحقوق تنتزع ولا توهب.

ويشير المحلل محيسن، أن أمام المقاومة تحديات كبيرة، لكنها في ذات الوقت تملك قدرات وأدوات تأثير أولها موقعها الثابت الذي راكم القوة في الصراع.

ويضيف: “أطراف دولية وإقليمية اقتنعت بمصداقية وتأثير المقاومة التي جاءت بعد تضحيات وصبر، وهنا يجب على المقاومة استثمار القناعة الجديدة لتذويب النقاط الحرجة، وكسب مواقف سياسية تتأثر بمواقف شعبية أحرجت دولا في الإقليم”.

حبل الوصال بين المقاومة والجماهير المتعاطفة في الدول مع حقوق الفلسطيني يجب أن يمتد لمراكمة ضغط الجماهير على حكوماتها وتحصيل مواقف لا تساند الاحتلال.

ويرى المحلل محيسن ضرورة استثمار الجانب الإيجابي في مواقف الأردن ومصر وقطر وفق خطة استراتيجية تستفيد من مراكمة مزيد من النقاط لصالح المقاومة.

ولم يعد سرّاً أن المقاومة تشكل لاعباً مهمًّا في المشهد السياسي داخل فلسطين ونسبياً في الإقليم؛ وهو ما دفع المستشارة الألمانية “ميركل” للحديث عن ضرورة الحوار مباشرة مع حماس.

ويلفت المحلل العجرمي لأهمية إدراك وحديث سياسيين عن موقع المقاومة المؤثر في المشهد كاعتراف ضمني بقوتها، مشيراً إلى أن محاولة الالتفاف والتحايل على حقوق الفلسطيني أصبح جزءًا من الماضي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات