الأحد 19/مايو/2024

كوشنير وفلسطينستان

د. وليد عبد الحي

بعد قراءة الـ 38 صفحة التي تم نشرها على موقع البيت الأبيض، وتشتمل على مشروع التصور الكوشنري لتحذو فلسطين حذو “اليابان وكوريا الجنوبية”، كما ورد في نص المشروع ، يمكن أن أتوقف عند الملاحظات التالية:

1- القضية الفلسطينية في جوهرها قضية سياسية، لكن مشروع كوشنير يخلو من أي توصيف بشكل مباشر أو غير مباشر لطبيعة الكيان الفلسطيني الذي سيتلقى مشروعه الاقتصادي، فالمشروع يتحدث عن بناء “مجتمع فلسطيني”، فلم ترد كلمة دولة نهائيا في المشروع، كما أن اسم فلسطين غير مستخدم نهائيا بل تتم الإشارة إلى “الضفة الغربية وغزة”، ولكن هذه الإشارة ليس فيها أي تحديد لحدودها أو طبيعة الكيان الذي سيتلقى ويتفاعل “كفرضية” مع المشروع، وهو ما يعني أن فلسطينيي الضفة وغزة سيكونون ضمن إقليم “فلسطينستان” على غرار اقليم كردستان العراق.

2- يتحدث المشروع عن “إدارة وحوكمة وقطاع عام” دون ورود أي إشارة لسلطة سياسية، مما يوحي أن هذه الإدارة والحوكمة ليست ذات شخصية دولية بل هي حكومة إقليمية على غرار ما هو في كردستان العراق أو مقاطعات الدول الاتحادية…الخ.

3- القراءة المتمعنة تشير إلى أن مشروع “فلسطينستان” يستهدف تحقيق خطوتين إستراتيجيتين هما:

أ‌- تحويل الضفة الغربية وغزة لجسر تعبر منه اقتصاديات “إسرائيل” للسوق العربي، ويتضح ذلك في النص التالي “ربط أسواق الضفة الغربية وغزة بالشركاء التجاريين الرئيسيين بما في ذلك مصر وإسرائيل والأردن ولبنان”، واللافت في هذا أن سوريا مستثناة رغم أنها أقرب من مصر لفلسطين جغرافيا وتاريخيا وسكانيا بل وموقفا سياسيا…

ب‌- يشير المشروع إلى ربط الكفاءات الفلسطينية “في الشتات” بالمشروع بشكل يبدو فيه وكأنهم سيبقون حيث هم.

4- تبدو الغواية في المشروع في البعد الاقتصادي والاجتماعي (الحديث عن التشغيل والتعليم والصحة والقضاء والاستثمار والانترنت والمياه والكهرباء…الخ)، لكن التدقيق في هذا الجانب يشير لما يلي:
أ‌- أن الخمسين مليار دولار التي يتحدث عنها المشروع تتوزع على النحو التالي:
1- من الناحية الزمنية فالمبلغ موزع على عشر سنوات، أي بمعدل خمس مليارات سنويا.
2- أن هذه الخمسة مليارات دولار بعضها منح وبعضها قروض (أي أنها مستردة وعليها فوائد)، وطبقا للأرقام الواردة في المشروع يتبين أن 51.8% من المبلغ هو قروض، و49.2% منح، فلو حسبنا مجموع المنح الواردة في المشروع في نصه المتاح سيتبين أن قيمة المنح في المراحل الأولى هي 3480 مليون دولار، فلو قسمنا المبلغ على عدد الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج (الشتات كما يصنفهم المشروع) ستكون النتيجة هي أن نصيب الفرد الفلسطيني سنويا هو 232 دولارا (أي 164 دينارا أردنيا تقريبا)، فإذا أضفنا لذلك أن الأردن وإسرائيل ولبنان ومصر ستشارك في “الغنيمة”، يتضح أن نصيب الفرد الفلسطيني لن يتجاوز 25 دينارا أردنيا.

5- ينص المشروع على أن هذه المبالغ (حرفيا) “ستوضع رؤوس الأموال في صندوق …. يديره مصرف إنمائي متعدد الأطراف،.. وستعمل القيادة الإدارية للصندوق بالتعاون مع البلدان المستفيدة لوضع خطط توجيهية”، ذلك يعني انه سيكون هناك ” مجلس وصاية مالي على الإدارة الفلسطينية، مع ضرورة التنبه إلى أن إسرائيل طرف في هذه الإدارة التي سيوكل لها الإشراف على التخطيط والتنفيذ ومن ضمنها إسرائيل.

فوق كل ذلك لا بد من التنبه للملاحظات التالية:
1- تشير الخبرة التاريخية مع المنح والمساعدات منذ مؤتمرات باريس ومؤتمرات الدعم العربي أن احتمالات التنفيذ تتراجع سنويا، إذا جرى أي تنفيذ أصلا، كما أن الاتفاقيات حتى لو عقدت فإن التنفيذ من الطرف الغربي والإسرائيلي شبه معدوم، ولنا في أوسلو الدليل الكافي .
2- إن المطلوب الأول في المشروع هو الحصول على التوقيع الفلسطيني، وبعدها سيدير العالم ظهره لمن وقع.
3- لست مطمئنا لسلطة التنسيق الأمني، وأعتقد أن بعض الشخصيات الفلسطينية التي تشارك في ورشه البحرين تتصرف باتفاق سري مع سلطة التنسيق الأمني كما جرى في أوسلو من وراء ظهر حيدر عبد الشافي.
لو كنت نائبا عاما في فلسطين لطالبت “بالإعدام رميا بالرصاص” لكل فلسطيني يشارك بأي شكل من الأشكال في هذا المشروع، ولنصنع كفنا لمن يشارك لا كفنا للقضية الفلسطينية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات