الإثنين 20/مايو/2024

الضفة على صفيح ساخن

رضوان الأخرس

تراجعت حدة العمليات الفدائية المنظمة بالضفة الغربية المحتلة خلال العقد الأخير، بُعيد عملية السور الواقي، ونتيجة للظروف الأمنية المتعلقة بما يسمى التنسيق الأمني، في المقابل توسعت المشاريع الاستيطانية وازدادت وتيرتها، وتصاعدت انتهاكات الاحتلال.

لم تكن الضفة ساكنة في مواجهة العدوان الإسرائيلي، بل انتهجت أساليب وطرقاً نضالية استثنائية وغير معتادة، من قبيل عمليات الطعن المزدوجة، وعمليات الدهس مع الطعن، وغيرها من العمليات التي تتطلب روحاً قتالية عالية وشجاعة منقطعة النظير، إلا أن هذه العمليات اكتست طابع العمل الفردي أكثر من اكتسابها طابع العمل المنظم، الذي يتبع رسمياً لفصائل المقاومة الفلسطينية.

وكانت الترجيحات تتحدث عن وقوف حركة حماس خلف بعضها، إلا أن التنظيم وغيره -في تقديري- تحاشى الإعلان عن تبني تلك العمليات، نظراً لبعض الحسابات والتقديرات، وكي يعطي مساحة أوسع للعمل الشعبي والفردي، والاكتفاء بإطلاق الشرارة وصنع «النماذج القدوة».

كان من شبه المستحيل على الاحتلال التنبؤ من وقتها وإلى الآن بالفدائي التالي أو المحتمل، فهؤلاء الفدائيون الجدد في الغالب مواطنون عاديون، يقررون تنفيذ عملياتهم من تلقاء أنفسهم، أو بمساعدة شخص أو شخصين على الأغلب لا أكثر، وهذه الدوائر الضيقة جداً يستحيل اكتشافها أو تتبعها أو رصدها، وإلا فهم بحاجة إلى مراقبة الفلسطينيين بالضفة فرداً فرداً، وهو فعلاً ما يحاولون فعله بتواطؤ المتواطئين.

على صعيد آخر، فإن السلطة ترى نفسها أمام تهديدات وجودية تتعلق بدورها وحجم سيطرتها ونفوذها على الأرض، بينما الدوريات الإسرائيلية تصل إلى قلب المحافظات التي «تديرها» السلطة، وإلى مقر المقاطعة -مقر إقامة محمود عباس- وتصول وتجول مع غياب تام لأجهزة السلطة.

حالة بائسة ومتردية باتت مرفوضة حتى عند كثير من المنتسبين لهذه الأجهزة، الذين يشعرون بذهاب «هيبة» سلطتهم، وآخرون يخشون من ذهاب السلطة بكاملها لصالح مشاريع تصفية تستهدف القضية الفلسطينية، وبدلاً من مواجهة الاحتلال، وهو المدبر لهذه المشاريع، يسخّرون إمكانياتهم في الاتجاه الخاطئ، عبر ملاحقة المقاومين تحت ذريعة محاربة السلاح غير الشرعي والمجموعات المسلحة، لا أدري في المقابل إن كان سلاح الاحتلال شرعياً!

حالة الاحتقان تزداد وتتصاعد في الضفة، في ظل حالة من انسداد الأفق تعاني منها السلطة، وقد تظهر بعض آثارها قريباً، والقواعد الشعبية القريبة من السلطة التي ما زالت تحمل فكراً ثورياً بدأت التململ من الواقع الراهن، حالة متداخلة من عدم الاستقرار والضبابية، في ظل إقرار الاحتلال لقرارات ضم أجزاء واسعة من الضفة لسيطرته التامة.

«كتائب القسام» تبنت رسمياً منفذي عمليتي عوفرا وبركان اللتين نفذهما الشهيدان صالح البرغوثي وأشرف نعالوة، وعلى ما يبدو فإن قراراً اتُخذ لمواجهة الواقع الحالي في الضفة، ومواجهة غطرسة الاحتلال.

أحد الناطقين باسم حزب السلطة في الضفة، نصح بعدم الاستماع إلى ما أسماهم «الغوغائيين» الذين يدعون للمقاومة المسلحة، وهذا الخطاب يعطي تفسيراً لا تبريراً لسلوك أجهزة السلطة تجاه المظاهرات التي خرجت الجمعة الماضية في الخليل وبعض مناطق الضفة دعماً للمقاومة، على أثر العمليات الفدائية الأخيرة التي تبنتها «كتائب القسام».

يخشون عموماً من فشل مسارهم السياسي وصعود المسار الآخر المنافس، دون أن يدركوا أن مسارهم فشل فعلاً، فالوقت أمامهم ضيق والثمن يصبح أكثر فداحة مع الزمن، نتنياهو قالها قبل أيام: «ما استُعيد سيبقى لأجيال وللأبد»، وأوصى بمزيد من الاستيطان وسرقة الأراضي بالضفة المحتلة، فأية سلطة هذه التي بدلاً من مواجهة المرض تواجه العلاج؟ ليستفحل المرض أكثر فلا يبقى لهم شبر يقيمون عليه سلطتهم.

تداخل مشاعر الخوف وعدم الشعور بالاستقرار وانسداد الأفق، يوفر المناخ لبيئة مشتعلة بالكفاح في الضفة، شهدنا بعض ملامحها مؤخراً.

المصدر: صحيفة العرب القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات