هدوء يقابله هدوء.. والحصار ثمنه سياسي
تكثّفت في الآونة الأخيرة زيارات المخابرات المصرية لقطاع غزة، بذريعة البحث في تخفيف الحصار، ومنع تدهور الوضع الأمني في ظل استمرار مسيرات العودة منذ آذار/مارس من هذا العام.
اللافت في الزيارة الأخيرة لوفد المخابرات المصرية التي استمرت ثلاثة أيام، بدءاً من يوم الخميس في الأول من هذا الشهر، قيام الوفد بمراقبة مسيرات العودة في يوم الجمعة الماضي، 2 تشرين الثاني/نوفمبر، للاطمئنان ميدانياً على ضبط الوضع على حدود قطاع غزة، ما يشير لحصول تفاهمات أوّلية بين القاهرة والفصائل الفلسطينية والهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة، بوقف عنفوان المسيرات السلمية بإبعاد المتظاهرين عن السلك الفاصل بين غزة والأراضي المحتلة عام 48، وبوقف إشعال إطارات السيارات، وإطلاق الطائرات الورقية أو البلالين الحارقة.. لإفساح المجال أمام القاهرة لإتمام مساعيها الحميدة.
في سياق الجهود المصرية المبذولة لتخفيف الحصار عن قطاع غزة، يُلاحظ عدة أمور أهمها:
• أن الوساطة السياسية/الأمنية تكاد تكون حصرية للقاهرة، بالتوازي مع جهود المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط السيد نيكولاي ميلادينوف.
• أن الحراك يأتي بضوء أخضر إسرائيلي ـ أمريكي.
• تراجع حضور السلطة الفلسطينية في المشهد، مع استمرار سيف عقوباتها ضد المدنيين في غزة.
• تراجع الاهتمام بملف المصالحة بسبب تعنت الرئيس محمود عباس، ولأسباب عدّة لا يتسع المقام لذكرها.
• اتّخاذ خطوات تدريجية من الطرفين (الإسرائيلي والفلسطيني) بدأت بتراجع أو وقف وسائل الضغط للمتظاهرين (وقف إشعال الإطارات، وقف الطائرات الورقية والبوالين الحارقة، وقف مجموعات الإرباك الليلي، ابتعاد المتظاهرين السلميين عن الحدود الفاصلة بين غزة وفلسطين المحتلة عام 48)، لوقف سقوط الضحايا تالياً على يد قناصة جيش الاحتلال.
تلك المعطيات، تشير إلى أن الحراك الراهن نحو غزة، يُركّز على فصل مسار المصالحة الوطنية عن مسار تخفيف الحصار، فالمسار الأول متعثر بسبب تعنّت الرئيس عباس، والمسار الثاني قد يشهد انفراجة نسبيّة برغبة إسرائيلية تسعى لرسم معادلة جديدة مع الفصائل الفلسطينية وحركة “حماس”، عنوانها الهدوء مقابل الهدوء، فالاحتلال الإسرائيلي مقابل وقف مسيرات العودة ونزع فتيل التصعيد العسكري المحتمل مع المقاومة الفلسطينية، قد يوافق على زيادة كميات الوقود والكهرباء، إضافة إلى تخفيف القيود على التبادل التجاري أو تزويد غزة بالمواد الغذائية والأدوية، وتسهيل حركة الأفراد عبر الحدود المصرية بشكل أساس، وذلك وفقاً لحسابات إسرائيلية أمنية سياسية تفرضها معطيات الواقع المضطرب في غزة، وانزياح اهتمامات تل أبيب لناحية تطوير علاقاتها السياسية مع الدول العربية، بمعزل عن التقدم في مسار التسوية السياسية، ودون أن يُشكل حصار غزة عائقاً أخلاقياً أمام بعض الأنظمة العربية المُطبّعة.
عليه فإنه يمكن القول أن تخفيف الحصار، في حال حدوثه، يُعدّ إنجازاً تكتيكياً لحركة “حماس” ولفصائل المقاومة وللشعب الفلسطيني الذي صَمَد وقدّم تضحيات كبيرة ودماء عزيزة، رفضاً للحصار الصهيوني ولعقوبات السلطة الفلسطينية، الأمر الذي حافظ على الشخصية النضالية للفلسطيني، وتطلعاته الوطنية التي كادت أن تتلاشى بفعل سياسات فريق أوسلو.
لكن في موازاة ذلك، لا بد من التّنَبُّه إلى أن علاقة القاهرة بغزة، يحكمها مسألتان مهمّتان:
أولاً: أن حركة “حماس” المسيطرة على قطاع غزة واقعياً، تُمثل بالنسبة للقاهرة خصماً سياسياً استناداً إلى تباين الرؤى بشأن فلسفة العلاقة مع الكيان الإسرائيلي، ناهيك عن الخلاف المتأصّل بين المدرسة العسكرية المصرية والإسلام السياسي الذي تعد حركة “حماس” أحد معالمه.
ثانياً: أن الحراك المصري الأخير، يُعد تغيّراً في الشكل دون المضمون، فهو سلوك مدفوع برغبة أو حاجة إسرائيلية ـ أمريكية، ما يجعل الأمر محل حَذَر أو شك أحياناً.
وبالنظر إلى النقطتين السابقتين، يبدو لنا أن مفاعيل الحراك الجاري مجرد حالة ظرفية، أَمْلَتها حاجة الأطراف لبعضها البعض، كل حسب حساباته، ما يعني احتمالية انتهاء فترة “الهدوء” المرتقبة، وليس “التهدئة”، عند حدوث أي تغير في المعطيات الميدانية أو السياسية المتسارعة والعاصفة بالمنطقة أصلاً.
هذا من جانب ومن جانب آخر، فمن المرجّح أن يتطور السلوك المصري نحو غزة مشفوعاً ببعض التسهيلات والمساعدات لتعزيز دور وتأثير القاهرة المتحكّمة بأهم ساحة للمقاومة الفلسطينية ولحركة “حماس”. وهذه مسألة مثيرة ومُقْلقة، بفعل الخلاف العميق، كما أسلفنا، بين المدرسة العسكرية المصرية والمدرسة الإسلامية، وتعارض رؤية كلتا المدرستين لطبيعة العلاقة مع الكيان الصهيوني.
وهنا تكمن حساسية أو خطورة الدور المصري المدعوم أمريكياً وإسرائيلياً، والذي قد يجعل من القاهرة راعياً حصرياً بهدف تطويع غزة ومقاومتها، باستثمار تراجع حضور القضية الفلسطينية، وتشرذم الحالة العربية، وبفعل قساوة الحصار الذي لن يُرفع إلا بدفع الثمن السياسي المطلوب حسب الرؤية الصهيونية أو شروط الرباعية الدولية الغائبة الحاضرة.
المصدر: عربي 21
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
القوى الفلسطينية ترحب بقرار العدل الدولية وتطالب بتنفيذه
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام رحبت القوى الوطنية والإسلامية بقرار محكمة العدل الدولية الذي طالب إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية في رفح وإعادة فتح...
لقاءات في باريس لمحاولة استئناف جهود وقف النار بغزة
باريس - المركز الفلسطيني للإعلام التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه بباريس وفد اللجنة الوزارية المكلف من الجامعة العربية ومنظمة...
المجاعة تطل برأسها في غزة من جديد.. سلاح الاحتلال القذر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلامعود على بدء.. شبح الجوع يخيم على قطاع غزة لاسيما في غزة وشمالها، فبعد انتعاش محدود وقصير للأسواق قبل أسابيع بعد إدخال...
الاحتلال يعتقل مواطنين واعتداءات للمستوطنين في الضفة
الضفة الغربية - المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي -فجر السبت- حملة دهم في أرجاء متفرقة من الضفة الغربية واقتحمت منازل واعتقلت...
حزب الله يستهدف 13 موقعا للاحتلال ونصر الله يتوعد
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن حزب الله اللبناني شن 13 هجوما على مواقع إسرائيلية قبالة الحدود اللبنانية الفلسطينية أمس الجمعة، في وقت أغارت...
لليوم الـ 231.. القسام يستهدف 13 آلية ويقنص 3 جنود
تواصل كتائب القسام لليوم الـ 231 على التوالي، التصدي للقوات الصهيونية المتوغلة في عدة محاور، والتي أسفرت حتى اللحظة عن مقتل (634) ضابطاً وجندياً...
ترحيب دولي واسع بأمر محكمة العدل الدولية إسرائيل وقف عملياتها في رفح
عواصم – المركز الفلسطيني للإعلام لقي قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي، اليوم الجمعة، بإصدار أمر لإسرائيل بوقف هجومها العسكري على رفح في جنوب قطاع...