الثلاثاء 28/مايو/2024

رشوة كوشنير للفلسطينيين لقبول صفقة القرن

د. صالح النعامي

أضفت الرسائل التي عمل جارد كوشير، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره على تمريرها في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة “القدس” الفلسطينية ونشرتها اليوم مصداقية على مخاوف الفلسطينيين من خطة التسوية التي تعهدت واشنطن بالإعلان عنها قريبا، والتي يطلق عليها “صفقة القرن”.

فبدلا من تفنيد الموقف الرافض للصفقة، والذي عبرت عنه الكثير من قيادات ومسؤولي منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، الذين اعتبروا أنها تمثل وصفة لتصفية القضية الفلسطينية، اختار كوشنير أن يتحدى رئيس السلطة محمود عباس، وتوعده بأن إدارة ترامب لن تنتظره، وستقوم بالإعلان عن بنود الصفقة، بدون موافقته وتعاونه.

لم يترك كوشنير مجالا للشك بأن الخطة العتيدة تمثل في أحسن الأحوال نمطا من أنماط الرشوة الاقتصادية، التي يتنازل الفلسطينيون بموجبها عن حقوقهم الوطنية والتاريخية مقابل تحسين أوضاعهم الاقتصادية، حيث لم يتردد في الزعم بأن الفلسطينيين جاهزون لقبول هذه الرشوة.

فقد قال: “أعتقد أن الشعب الفلسطيني أقل اكتراثا بنقاط الحوار بين السياسيين وأكثر اهتماما بما يمكن للصفقة أن توفره له وللأجيال القادمة فرصا جديدة والمزيد من الوظائف ذات الأجور الأفضل وآفاق للوصول إلى حياة أفضل”.

وواصل كوشنير مقاربته مستخفا بالوعي الوطني الجمعي للفلسطينيين، قائلا: “الشعب الفلسطيني إذا حصل على استثمارات ضخمة في البنية التحتية، تدريب مهني وتحفيز اقتصادي…. يمكن أن يصبح من قادة العصر القادم”.

وواضح أن نقاط “الخلاف الأساسية” التي يطالب كوشنير الشعب الفلسطيني بتجاهلها وعدم الاكتراث بها تتعلق بالقضايا الرئيسة التي تشكل جوهر الصراع مع الاحتلال: القدس، اللاجئين، الأرض، السيادة، مستقبل المستوطنات وغيرها، والاستعاضة عنه بالاهتمام بواقعهم الاقتصادي والمادي.

فمن خلال حرصه على الاستخفاف بمعالجة قضايا الصراع الرئيسة، فإن كوشنير يضفي صدقية على التسريبات التي زخرت بها وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية بشأن الصفقة، والتي أشارت إلى أنها تطالب الفلسطينيين بقبول بقاء جميع المستوطنات في الضفة الغربية، وتنازلهم عن حق العودة، والقدس، والسيادة وغيرها.

وفي المقابل، أحجم كوشنير عن توجيه أي انتقاد لسلوك حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب، التي تجاهر بإعلانها عدم استعدادها للوفاء بأية متطلبات تضمن تحقيق تسوية سياسية للصراع، ناهيك عن أنه تجنب تبديد المخاوف من المواقف التي عبر عنها السفير الأمريكي في القدس المحتلة دفيد فريدمان، الذي نفى أن يكون التواجد الإسرائيلي في الضفة الغربية ضربا من ضروب الاحتلال؛ إلى جانب انتقاده للمطالبة بتفكيك المستوطنات في الضفة.

لكن أكثر ما يسترعي الاهتمام في مقابلة كوشنير، هو تطرقه لمستقبل الأوضاع في غزة وتفسيره الحرص الأمريكي على معالجة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في القطاع.

فقد أكد كوشنير أن قطاع غزة سيمثل البوابة التي تمر خلال “الصفقة” العتيدة، حيث قال: “نتطلع إلى غزة عن قرب وقد أمضينا الكثير من الوقت مع شركائنا ونأمل أن نطرح أفكارًا للتخفيف من بعض الضغوط… قلنا منذ البداية أنه لا يوجد طريق للسلام دون إيجاد حل لغزة”.

وبذلك يلمح كوشنير إلى صحة التسريبات المتعلقة بدور قطاع غزة ضمن الخطة الأمريكية، والتي أكدت أن القطاع سيمثل الفضاء الجغرافي الرئيس الذي سيتم عبره تنفيذ “الصفقة”، سيما أن صحيفة “هارتس” قد كشفت قبل يومين أن كوشنير سعى خلال جولته الأخيرة في المنطقة إلى اقناع قادة دول الخليج بتجنيد مليار دولار لتدشين بنى تحتية في شمال سيناء بهدف تحسين الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة.

ومما لا شك فيه أن حديث كوشنير عن دور شركاء أمريكا الإقليميين في كل ما يعلق بالمخططات المتعلقة بقطاع غزة يمثل تحديدا إشارة إلى الدور المصري في تمرير “الصفقة”.

فمن الواضح أنه في حال تبين أن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي قد وافق فعلا على تدشين منظومة البنى التحتية الخاصة بتحسين الأوضاع في غزة في منطقة شمال سيناء، فإن هذا يفاقم الشكوك بأن هذه الخطوة تعد تمهيدا لتنفيذ ما أشار إليه وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا أكثر من مرة، حيث أشار إلى أن هناك مخططا لاقتطاع مساحة 6000 كلم مربع من شمال سيناء وإلحاقها بقطاع غزة ليتم إعلان الدولة الفلسطينية على هذه المنطقة.

وتبنى كوشنير نفس مقاربة الرشوة الاقتصادية في محاولة إغراء كل من مصر والأردن بالتعاون مع الخطة، حيث قال: “من الناحية الاقتصادية، أنت ترغب في إزالة الحدود والسماح للاقتصادات بأن تصبح أكثر تكاملاً لزيادة الفرص والازدهار لجميع الناس، بما في ذلك الأردنيون والمصريون”.

وهناك عبارة وردت على لسان كوشنير خلال المقابلة تبدو ملتبسة وتثير الشكوك، حيث إنه تحدث عن ضرورة وجود “قيادة” في غزة تكون قادرة على الالتزام بوقف إطلاق نار مع “إسرائيل”، وتكون مستعدة للتجاوب مع الخطة.
وإن كان كوشنير وصف حماس في المقابلة بالتشكيل الإرهابي في الوقت الذي تحدى قيادة السلطة واستخف بها بسبب قرار قيادتها عدم إجراء أية اتصالات معه ومع فريقه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يستشف من ذلك أن الولايات المتحدة تعكف بالتعاون مع شركائها “الإقليميين” على تجهيز بديل ثالث لإدارة شؤون قطاع غزة من خلال محاولة استغلال رغبة حماس في التخلص من أعباء الحكم في قطاع غزة والبحث عن جهة محلية تكون مستعدة لإدارته، على أن تتولى الأطراق الإقليمية العربية إسناد هذه الجهة؟.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات