عاجل

الثلاثاء 21/مايو/2024

ما يلي عباس…لا مركزية فلسطينية

حيدر المصدر

ماذا بعد رحيل محمود عباس؟ سؤال يتكهن إجابته الجميع، محاولين ربطه بأسماء وشخصيات محددة، دون الأخذ بعين الإعتبار الواقع الجغرافي الناشئ، وطبيعة العلاقات والمصالح الإقليمية المستجدة، التي باتت أقرب للرؤية الإسرائيلية ومقارباتها، عنه من الفلسطينية. ولفهم مآلات الخطب، في حال وقع، علينا إبصار الأمور بأعين إسرائيلية، سيما وأنها أوجدت واقعاً من الصعب تجاوزه، أو تخيل سيناريوهات تستثنيه.

لنبدأ مع عباس ذاته، فهو أخر القادة التاريخيين، والخيط الوحيد، شئنا أم أبينا، الذي يربط بين تاريخ الهوية النضالية وحاضر الممارسة السياسية، وبغيابه سينقطع هذا الوصل، لتدخل الحالة الفلسطينية صراع وراثة، دون أن يمتلك أحد من مجالديها إرثاً تاريخياً يؤهله احتواء الحالة الفلسطينية على تنوعها. إذاً، نحن بصدد أزمة شرعية مستقبلية، فتداعيات غيابه ليست بالسهولة التي نظن، خاصة وأن إسرائيل تسعى جاهدة إلى إرساء كينونة فلسطينية، لا ترقى لدرجة تمثيل سياسي معترف به، كالتي شكلتها منظمة التحرير والسلطة الوطنية، ولا تتجاوز شكل الإدارة المدنية، مع ما يعتريها من فوضى عارمة في حال غيابها. فالمقصود إيجاد شكل يمنح الفلسطيني هامش تيسير أموره الحياتية، دون امتلاك شرعية تؤهله بلوغ مستوى قانوني وسياسي كافي للمطالبة بأي حقوق. أي أن سيناريو الوصاية العربية، بذكرياته الأليمة، قد يطرح من جديد. ولكن، هل من الواقعي طرح سيناريو وصاية، في الوقت الذي تتحكم فيه إسرائيل بسياسة الوصي؟ أو تسعى فيه لأن تكون وصياً على بعض أرضنا؟

بالطبع، نعم. فالمدقق في التصرفات الميدانية الإسرائيلية، وتحويلها مدن الضفة الغربية إلى كيانات منعزلة، لن يعجز تحسس نوايا بإتجاه ممارسة مزيد من التجزئة والتفتيت، مع ما يعنيه من سيناريو “أمير” لكل بقعة، سيما وأنه يستجيب لرغبات نزع مركزية الحكم الفلسطيني. فالمطلوب توزيع تركة على ورثة بعينهم، دون أن يمتلك أحدهم قدرة الاستئثار بالحكم. فالمرام أن تحسن إدارة بقعتك، بعد إثباتك لجميل تبعيتك. فالضفة محكومة بالبقاء تحت الوصاية الإسرائيلية، بعد أن تضم لذاتها ما تشاء من الأراضي، وتترك البقية لشخصيات متفق على توجهاتها الإدارية، وبشكل يستجيب لمتطلبات إسرائيل الأمنية، مع تغييب لأي مسعى مرتبط بالإنعتاق.

غزة بدورها، ليست بعيدة عن هذا السيناريو، فالإنقسام واقع، ومطلب الوصاية أكثر حضوراً عن باقي التراب الفلسطيني، ذو المكانة الإستراتيجية لإسرائيل. ولأنها الأقدر حالياً على تشكيل حالة مركزية، فالتعامل معها سيختلف، لينخرط الشقيق المصري في مستقبلها، إستجابةً لصفقة أجمعت على عبثية النضال، وسريالية استمراره. وللمفارقة، فبرغم غياب قدرة إسرائيل التحكم بجميع تفاصيل غزة، إلا أن لعنتها الجغرافية فرضت عليها علاقة قد لا تحقق لها ريادتها المنشودة. أضف إلى ذلك، أن مطلب التوافق على شخصية فلسطينية جامعة قد يواجه صداً، لا إسرائيلياً فقط، بل للأسف فلسطينياً. فحالة الكراهية وإنعدام الثقة بين الأطراف الوازنة، ستعرقل أي مساعي من هذا القبيل، خاصة إذا علمنا أن معظم الشخصيات التي يتم تداولها، على علاقة بأجندات إقليمية، هي بالأساس متوحدة مع الرؤية الإسرائيلية. وعليه، فليس من الوارد، على الأقل بنظري، أن تسير الأمور نحو شخصية بعينها، خاصة وأن المطلوب ضرب المركزية الفلسطينية، وما ينجم عن غيابها من تمرير لإتفاق إقليمي، قد يتعثر بوجودها، كونها وريثة حالة نضالية متجذرة لعقود.

النظام السياسي والشرعية الفلسطينية في خطر، ونحن مطالبون اليوم قبل الغد، بتعقب سيناريو المتربصين بقضيتنا، وأن نبدأ خطوات عملية بإتجاه توحيد الحالة الفلسطينية، على أن تبدأ أولى خطواتها بإختيار زعيم نلتف حوله، في حالة إستثنائية تؤجل النظر في القضايا الداخلية العالقة، علها تذهب بأحلام المتصهينين أدراج الرياح.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات