الأحد 19/مايو/2024

حماس هل تسير على خطى فتح وأول الرقص حنجلة؟

عاطف الجولاني

على صعيد المضمون.. هل ثمة جديد في الوثيقة السياسية الأخيرة لحماس.. وهل تدشّن لمرحلة جديدة، بسياسات وتوجهات مغايرة؟

في العام 2006 توافقت حماس مع بقية القوى الفلسطينية على وثيقة الأسرى التي تحوّلت لاحقا إلى وثيقة الإجماع الوطني الفلسطيني، حيث اعتمدت منذ ذاك الوقت أرضية لمختلف الحوارات والتفاهمات والاتفاقات الفلسطينية، ومنها حوارات القاهرة.

فما الجديد فيما أعلنته حماس بخصوص قبول دولة فلسطينية مرحلية على حدود الـ 67 بلا اعتراف بشرعية الاحتلال، وهو ذات الموقف الذي تبنته قبل 11 عاما في وثيقة الإجماع الوطني، واستمرت في تبنيه طيلة السنوات اللاحقة؟!

على صعيد المضمون أيضا..

هل ثمة جديد بخصوص تعريف حماس لنفسها كحركة مقاومة وطنية فلسطينية بمرجعية إسلامية، أم أنه موقف يعبّر عن الواقع وتكرر عشرات المرات عبر السنوات الماضية؟

فالمتابع لأداء حماس خلال السنوات الفائتة يلحظ بوضوح مدى اهتمامها بالخصوصية الفلسطينية التي تفرضها معطيات القضية وظروف المواجهة مع الاحتلال. وفي تقييم أداء الحركة، من الواضح أنها اهتمت بالعمل على مسارين متوازيين لا يتعارضان ولا يتضادان:

مسار العمل في الساحة الوطنية الفلسطينية، حيث قدمّت نفسها بوضوح كحركة مقاومة وطنية فلسطينية تسعى لإنهاء الاحتلال، وتنطلق من مرجعية إسلامية لا تخشى رفعها أو تستحي من إعلانها.

والمسار الآخر مساحة العمل لتفعيل العمق العربي والإسلامي الذي اعتبرته بالغ الأهمية لتعزيز صمود الشعب الفلسطييني وتوفير مستلزمات خوض المواجهة مع الاحتلال الصهيوني، بل لم تخف سعيها ورغبتها بالوصول إلى حالة شراكة استراتيجية كاملة مع العمق العربي الإسلامي في إدارة الصراع مع الاحتلال.

إذًا، على صعيد المضمون.. من يقرأ وثيقة حماس السياسية بإمعان وحيادية ويرصد أداءها وسلوكها السياسي، يصل بيسر إلى نتيجة مهمة مفادها أن مضامين الوثيقة التي صدرت عنها مؤخرا، جاءت لتشخّص واقع أدائها السياسي الراهن، ولتوصّف خطابها السياسي والإعلامي الحالي، أكثر مما تدشن لمرحلة مقبلة تهيئ وتمهّد لها وتغيّر فيها السياسات والمواقف والخطاب.

بمعنى أن الحركة أرادت أن تترجم خبرتها السياسية وممارساتها وسلوكها ومواقفها وخطابها السياسي والإعلامي الذي تبلور خلال الأعوام الماضية، إلى فكر سياسي وأدبيات سياسية تقدّمها في وثيقة مكثّفة ترسم من خلالها صورتها في اللحظة السياسية الراهنة.

أما على صعيد التوقيت.. فقد اختارت حماس توقيتا يبدو مناسبا لمن يتابع تطورات الوضع الفلسطيني ويقرأ معطيات البيئة السياسية الإقليمية والدولية.

فهو توقيت هادئ ليس فيه حديث عن تهديدات بمواجهات عسكرية تخشاها الحركة وتسعى لتجنّبها، وليس فيه كذلك حديث عن مسارات تفاوضية ترغب الحركة الالتحاق بركبها، كذلك ليس هناك حديث عن ضغوط واشتراطات من أطراف إقليمية أو دولية على الحركة لقبولها في أي معادلات سياسية قادمة.

من حيث التوقيت أيضا.. اختارت الحركة لحظة قوة لإعلان وثيقتها السياسية التي توسّع مساحات المرونة والتحرك السياسي. فهي تعيش لحظة اقتدار وقيادة لمشروع المقاومة، لا لحظة ضعف وانكسار وتقديم أثمان وخضوع لاشتراطات.

فمن الناحية العسكرية تشهد الحركة أقوى حالاتها بعد أن خاضت مواجهات بطولية مع الاحتلال وحققت نجاحات مهمة في عملية البناء المقاوم، وباتت في اللحظة الراهنة أقوى وأكثر جاهزية من أي وقت مضى لخوض مواجهة دفاعية حال فكّر الاحتلال بتكرار مغامراته واندفاعاته.

هي لحظة هدوء إذًا من الواضح أن الحركة اختارتها بذكاء.. فليس ثمة مفاوضات تعرض نفسها لتكون جزءا منها وتلتحق بها، وليس ثمة تهديد تخشاه وتسعى لتجنبه.. هي ليست في لحظة تذهب فيها إلى حرب أو مفاوضات، وليس مطروحا عليها مقايضات سياسية.. وهذه نقطة بالغة الأهمية قد تغيب عن كثيرين.

لكن السؤال المهم: لو صدرت وثيقة الحركة في أي وقت كان: الآن أو سابقا أو لاحقا، وضمن أية ظروف ومعطيات كانت.. هل كان موقف المشككين وردود فعلهم سيتغير، أم كانوا سيثيرون نفس اللغط وذات الضجيج والتشكيك؟!

وماذا عن مقولة أن حماس تسير على خطى من سبقها، وتلتحق متأخرة بضعة عقود بمسارات سبقتها إليها فتح وحركات أخرى؟

حين قررت حماس المشاركة في الانتخابات التشريعية عام 2006 ثم شكلت الحكومة الفلسطينية عقب اكتساحها الانتخابات، راهن البعض على أن الحركة ستتراجع عن ثوابتها وستضطر للخضوع لشروط الرباعية الدولية، وقالوا إنها ستقدّم استحقاقات تموضعها الجديد، ولن تتمكن من حمل بطيختين بيد واحدة، ولن تستطيع الجمع بين مسار مقاومة الاحتلال ومسار العمل السياسي في آن واحد.

لكن ما حصل على أرض الواقع أن الحركة واجهت حصارا إسرائيليا وإقليميا ودوليا خانقا لثنيها عن مواقفها ولدفعها للاعتراف بشرعية الاحتلال وللخضوع لشروط الرباعية الدولية..  والآن بعد أكثر من عشر سنوات على دخولها المعترك السياسي، لم يسجّل عليها أنها تخلت عن ثابتها الرئيس في عدم الاعتراف بشرعية الاحتلال، ولا هي تخلّت كذلك عن خيار المقاومة بجميع أشكاله، بل إن أعنف مواجهات خاضتها الحركة باقتدار مع الاحتلال كانت في السنوات العشر الأخيرة التي جمعت فيها بين السياسة والمقاومة.

عمليا .. أسقطت حماس نظرية “المسارات الحتمية” ومقولة “أول الرقص حنجلة”، وأكدت أن الحركات الواعية الناضجة قادرة على أن تشق بوعي وإدراك مساراتها المستقلة والخاصة، وهو بالتأكيد ما لا يروق لبعض من أخفقوا ويريدون أن يكون الجميع “في الهمّ شرق”.

فالبعض يحاول أن يطهّر نفسه بأثر رجعي، لكن هيهات أن ينجح في ذلك.. هو يراهن على غباء شعوب أنضجتها التجربة ونَحَت في وعيها نضالات عقود جعلتها في كثير من الأحيان تتقدم في وعيها على من يتصدرون قيادتها..

من يراهن على استغباء الجماهير وخداعها لا شك يخسر، ومن يحترمون وعيها ويصارحونها بالحقائق يحظون باحترامها وبكثير من دعمها.

وثيقة حماس السياسية الجديدة أكثر من مهمة، وتعبّر عن جرأة نادرة تفتقدها حركات وقوى سياسية تخشى اتخاذ خطوات مهمة في توقيتات مناسبة، خوفا من اللغط وردود الفعل والقيل والقال، فتكون النتيجة جمودًا وتحجّرًا وتكلّسًا ومراوحة عبثية في المكان.

* صحيفة السبيل الأردنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات