الثلاثاء 21/مايو/2024

أزمة فلسطينية في المعرفة الوطنية ووحدة الشعور

"ساري عرابي / خاص لـ""المركز"""

ثمة تغول صهيوني على كل أبناء شعبنا حيثما كانوا؛ سواء في فلسطين المحتلة عام 48 والتي تصدّر مشهدها في الفترة الماضية قرية “أم الحيران”، أو في الضفة الغربية التي يكثف فيها الاحتلال إجراءاته بهدف تعطيل أي إمكانية لكيانية فلسطينية فيها، وعلى طريق ضمها كما يرى اليمين الصهيوني، وفي محاولة جادّة ولحوحة لمواكبة لحظة ترمب، وكان قد أعلن أخيرًا عن بناء 2500 وحدة سكنية بالضفة.

أما في غزة، فلم يزل الحصار وتداعياته، ونتائج الحروب على القطاع؛ عنوان اللحظة هناك، وتظل القدس، وقد منحت اسمها للحالة الكفاحية الجارية منذ تشرين أول/أكتوبر 2015 وحتى الآن؛ رمز الصراع، تواجه عمليات تهويد عميقة وحثيثة، وفي ذلك كله تتداعى مفردات: هدم منازل ومنشآت، تجريف أراض ومزروعات، تهجير، اقتحام المسجد الأقصى، عملية دعس، إطلاق نار، رشق حجارة، عبوة ناسفة..

الشعب الفلسطيني يعيش المواجهة والتحدي لحظة بلحظة، لا من جهة أنها مفروضةعليه فحسب؛ ولكن أيضًا من جهة تصديه للحملة الصهيونية المستمرة على أرضناوشعبنا

هذا التداخل في مفردات المشهد الراهن، يعني فيما يعنيه أن الشعب الفلسطيني يعيش المواجهة والتحدي لحظة بلحظة، لا من جهة أنها مفروضة عليه فحسب؛ ولكن أيضًا من جهة تصديه للحملة الصهيونية المستمرة على أرضنا وشعبنا، بالصمود كما هو الحال في القدس وفلسطين المحتلة عام 48، وبتطوير مشروع المقاومة في قطاع غزة، وباستمرار عمليات المقاومة الشعبية والمنظمة في الضفة الغربية، وهذا الصمود وما يتصل به من مقاومة هو وحده الذي يعيق المشروع الصهيوني، ويحول دائمًا دون تصفية القضية الفلسطينية، ولا شيء آخر أبدًا.

لكن هذا لا يعني أن الحال، من جهة التصدي للحملة الصهيونية الشرسة، على النحو الواجب؛ فمنذ انتهاء انتفاضة الأقصى، وحصول الانقسام، وثمة تفاوت هائل في الظروف الخاصة بالفلسطينيين بحسب اختلاف جغرافياتهم داخل الأرض المحتلة، فضلاً عن الظروف الخاصة تاريخيًّا بالوجود الفلسطيني في بلاد اللجوء.

وإذا كان ثمة اعتبارات خاصة طبعت الوجود الفلسطيني في فلسطين المحتلة عام 48، فإن الحالة الفلسطينية في الضفة والقطاع كانت متماثلة إلى حد كبير، من حيث الظروف الاحتلالية والأدوات النضالية، وقد ظلّ الحال على ذلك حتى بعد قيام السلطة الفلسطينية، ومرورًا بانتفاضة الأقصى التي خاضها الجميع معًا وبالعنفوان ذاته.

انعكس ذلك بطبيعة الحال على المجتمعات الفلسطينية التي تعيش الظروف المتباينة، ما بين خطة اقتصادية وسياسية وأمنية وثقافية في الضفة الغربية عملت على تجريف الوعي الوطني وتفريغ الضفة من أي مشروع كفاحي وخلق أجندة أولويات ونمط حياة يعزل الفلسطيني عن مسؤولياته التي يمليها ظرف الاحتلال، وبين مشروع مقاومة في غزة يجري حصاره بأدوات متعددة، من أهمها خلق الأزمات الاقتصادية والمعيشية بهدف فضّ حاضنته المجتمعية عنه.

أغرق ذلك الفلسطينيين بطبيعة الحال في الفردانية أو في الهموم المعيشية ذات الطابع المحلي اللحوح، أو في الإقليمية والجهوية الناجمة عن التفاوت الشديد في البيئات السياسية وما يتصل بها من ظروف اجتماعية، إلى الدرجة التي أصبحت فيها مواكبة الحدث الفلسطيني على نحو ينطلق من الشعور بوحدة الحال؛ هشة، بالرغم من امتلاك الفلسطينيين أفرادًا وسلطة وقوى سياسية وفصائلية للعديد من المنابر وأدوات التواصل، بخلاف ما كان عليه الحال في الانتفاضة الأولى مثلا، التي كانت فيها وحدة الشعور أعلى، رغم افتقار الفلسطينيين للمنابر وأدوات التواصل.

الواجب الذي ينبغي أن تتحمله الفصائل هو مواجهة أي حالة تتعارض مع مهمتهاالأساسية، أي مهمة المقاومة والنضال وتعزيز الوعي العام باستمرار

الواجب الذي ينبغي أن تتحمله الفصائل هو مواجهة أي حالة تتعارض مع مهمتها الأساسية، أي مهمة المقاومة والنضال وتعزيز الوعي العام باستمرار، وهذه الحالة الشاذة من تراجع الشعور بوحدة الحال، وتراجع المعرفة العامة التي تسترق الفلسطينيين حيثما كانوا، ناجمة بالضرورة عن الأوضاع القهرية التي فرضها الاحتلال، ولاسيما العزل الجغرافي، وحتى الظروف المختلفة نتيجة الانقسام والاختلاف الذاتي هي نتيجة لوجود الاحتلال.

بالنسبة لأدوار الفصائل في مواجهة هذه الحالة، فواقع الضفة سبق وصفه، وفتح باتت مرتبطة عضويًّا بالسلطة، وقد افتقدت مكانتها قائدة للحركة الوطنية الفلسطينية، وصارت عاجزة عن قيادة أي حالة نضالية، بينما تتحمل حماس مسؤولية الحكم المعقد في قطاع غزة، وتتحمل حركة المقاومة هذه المسؤولية عن مجتمع يجري حصاره وتجويعه، الأمر ذلك خلق همًّا خاصًّا بها في القطاع يعاني اللحظة ومباشرة المشكلة المحلية هناك، بينما تختلف هموم كوادرها في الضفة أو في الخارج، وهكذا.

الخطورة أن المشكلة لم تقتصر على الانهماك العملي بالمشاكل المباشرة التي تختلف من موقع إلى آخر، ولكن ثمة مشكلة واضحة في التصور الذي يحيط بكل الموضوعات الفلسطينية حيثما كانت، وكذلك في تكامل الأدوار والمواقع على المستوى التنظيمي والسياسي، وكذلك في الاستفادة المثلى من المؤسسات والمنابر المتعددة التي تضع الفلسطينيين عمومًا في موقع المتابعة المستمرة لأوضاعهم حيثما كانوا، ومن ثم تعيد صياغة وحدة الشعور والتصور على المستوى الفلسطيني العام.

تتحمل حماس مسؤولية الحكم المعقد في قطاع غزة، وتتحمل حركة المقاومة هذهالمسؤولية عن مجتمع يجري حصاره وتجويعه، الأمر ذلك خلق همًّا خاصًّا بها فيالقطاع يعاني اللحظة ومباشرة المشكلة المحلية هناك

الواضح أن ثمة فشلًا على مستوى المؤسسات الإعلامية والثقافية، على كثرتها وكثرة الفعاليات، إذ يملك الفلسطينيون اليوم، سلطة وفصائل ومؤسسات مستقلة وأفرادًا، عشرات المؤسسات الإعلامية المتنوعة، ويقيمون عشرات الفعاليات في الداخل والخارج، دون أن تتمكن من خلق تلك الحالة من وحدة التصور والشعور، ومن تعميم الوعي الذي يحيط بأوضاع وظروف الفلسطينيين حيثما كانوا.

صار من الوارد جدًّا أن تجد فلسطينيًّا مشتغلاً بالشأن العام، لا يعرف على وجه التفصيل ما الذي يجري في أم الحيران، أو عن حادثة استشهاد أحد الفلسطينيين في الضفة الغربية، أو حقيقة أزمة الكهرباء في قطاع غزة، فضلاً عن الإلمام بظروف الفلسطينيين في أي من مخيمات اللجوء خارج فلسطين.

بالتأكيد، تعود المشكلة للتحولات السياسية والاجتماعية التي أخذت تتعمق منذ قيام السلطة، ثم منذ الانقسام، ولكن السؤال الذي ينبغي أن يطرح اليوم: هل تقوم المؤسسات والفعاليات التي ينفق عليها ملايين الدولارات بواجبها تجاه هذه المسألة؟ وهل ثمة خطة لإعادة صياغة هذا الدور؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات