الأحد 19/مايو/2024

ثورة جياع أم ردة ضياع

بهائي راغب شراب

 

ثورة جياع أم رِدَّةِ ضِباع!!

بهائي راغب شراب

 منذ تشكيل الحكومة الشرعية الفلسطينية، والوضع الداخلي يتراوح بين الصعود والهبوط، صعوداً في أسهم المقاومة من ناحية، وصعدواً متدحرجاً نحو الصدام الفلسطيني من ناحية أخرى، الذي إذا حدث وهو ما يخطط له، فلا رجعة له، حيث سيدمر الأخضر واليابس، ويفجر غضب الحليم ليواجه فعل السفيه الذي فجر .

ونحو الهبوط في مستوى فكر ورؤى القوى الداخلية المناوئة للحكومة، التي ربطت مصالحها ومصيرها بقدر ما من إرضاءات وتنازلات للأمريكيين والصهيونيين والغربيين من حقوقنا ومن تفريط بثوابتنا الأصيلة التي هي عنوان الدفع المتقدم الذي لأجله نتنفس الحياة ونواصلها صامدين مقاومين لجميع مشاريع التسويات الهادفة للتخلص النهائي من فلسطين ومن شعبها ومن قضيتها ومن كل ما له صلة بالمطالب أي مطالب بفلسطين .

إنهم يناوئون حركة المقاومة الإسلامية حماس ويكادون يعلنونها حرباً مفتوحة ضدها في إطار التبعية الحمقاء للمخطط الأمريكي للقضاء على المقاومة الإسلامية فوق أرض العرب والإسلام .

مؤشر الجوع ليس سبباً ولا مبرراً ولا يمثل أبداً صدقية وواقع الحال الداخلي الفلسطيني، لأن الجوع كان حالة قائمة متواصلة من قبل حماس وقبل حكومة حماس، ولأن الحصار كان سابقاً لهما، لقد اجتاح الجوع بلدنا وناسنا فئة من بعد فئة دون استثناء لأي حالة إنسانية أو مرضية.. الشعب كله تأثر بالجوع والحصار السابق بألم وعذاب وبصبر وصمود.. وبندم، لأنه كان يرى بأم عيونه المسئولين والأتباع والقيادات الأمنية والتنظيمية والسياسية يعيشون حياتهم ببذخ وترف وكأنه لا شيء يحدث لشعبهم ووطنهم، وظل الغضب يحتقن ويكبر في صدور الناس وهم يرون أن هؤلاء (المقدسين) ما يزالون وحتى اليوم وفي ظل حكومة حماس يعيشون حياتهم دون أن يتغير شيء فيها من بذخ وإسراف وتبذير بل صاروا يتمتعون، وبفخر أنهم من رجال أمريكا وحبيبة أمريكا، مادامت تظللهم بظلها المدنس، إنهم يتمتعون بالهوان والذلة والخنوع والركوع تحت أقدام أمريكا و”إسرائيل”، ويسعون جاهدين أن يسحبوا شعبنا الفلسطيني معهم في قفص الفريسة التي تعد لذبحها خدمة للأهداف الأمريكية الصهيونية .

لم يعانوا كما عانى الشعب، لم يصرخوا كما صرخ الشعب، أصموا آذانهم وأغلقوا عيونهم، تبلدت أحاسيسهم أمام ما يجري فوق الساحة من ظلم وعدوان على وطنهم ومواطنيهم.. همهم أن يشبعوا هم لا أن يشبع الشعب، همهم أن يجمعوا الأموال بأي طريقة كانت وأن يهربوه مع أطنان الذهب إلى خارج الوطن ليفقروه ويفقدوه عافيته .

الجوع ليس السبب؟، وشعبنا طوال تاريخه لم يثر ولم يغضب بسبب الجوع، غضبه كان من أجل الحقوق المغتصبة، من أجل الكرامة المفقودة ومن أجل الشرف المثلوم..، نعم ثورات شعبنا كثيرة وكبرى وعظيمة، لكنها لم تكن بسبب الجوع أبداً.. بل كانت من أجل “الجوع ولا الركوع”..، من أجل مقاومة الاحتلال الطويل المتنوع لفلسطين.. الجوع كافر حقاً، لكن الجائعين ليسوا كفاراً.. إنهم مؤمنون، رجال يعرفون الله.. يصدقون حمل الأمانة، ويصدقون العمل ضد هيمنة الغزاة والعابرين والعملاء وطوابير السماسرة الذين لا يتوانون عن بيع كل غال وليس الوطن فقط، لقد جبلوا على ذلك، ترعرعوا في السقوط، لذلك هم اليوم يدافعون عنها ويحاربون من أجلها، أهليهم وبني جلدتهم، فقط لترضى “إسرائيل” التي ستكون أول من يلفظهم كما فعلت دائماً مع العملاء الذين لا شرف لهم ولا انتماء ..

الجوع حالة متصلة موروثة، ليست جديدة ولا دخيلة على شعبنا لأنها من إفرازات الاحتلال وأعوانه ولأنها سلاح عقابي جماعي استخدمه العدو وما يزال ضد الفلسطينيين متمنياً واهماً أن يرضخوا وأن يستسلموا له في النهاية.. العقود مرت وهذا قرن كامل مر واختفى.. فهل مات شعبنا من الجوع، وهل قضى الجوع على قضيتنا الفلسطينية وعلى إصرارنا وعزائم صمودنا وحرية قرارنا المقاوم المجاهد المحارب ..

الجوع كان سلاحنا نحن الضعفاء نواجه به مخططات العدو الذي اعتقد أنه يقهرنا به، فإذا بنا نقهره به.. ثوراتنا الفلسطينية كلها تؤدي إلى هذه النتيجة العظيمة ومازالت الإضراب المدني الفلسطيني عام 1936 إلا صورة قريبة حية كدنا ننتصر بها عليه بالجوع وليس بالشبع لولا تدخل الزعماء المهزومين الموالين للصهيونية .

 الكرامة لا الجوع، العزة والشرف لا الجوع، المقاومة لا الجوع.. أولويات الوطن والمواطنين.. ما نفع الحياة الذليلة.. لقد مارسناها لأكثر من عقد قبل، فماذا حملت لنا الذلة والخنوع والانكسار.. ألم تزد حياتنا إلا ذلة وانكسار وهواناً.. لقد هنا وهانت علينا نفوسنا وأرواحنا.. فتجبر علينا عدونا، وانتصر علينا شيطاننا، فعاث الفساد بين جوانحنا، وانتشرت الموبقات كلها بيننا فعدنا مثل شراذم وعصابات أمريكا وإيطاليا.. الحياة لمن يقتل أخيه!، والمياه لمن يسطو على لقمة أخيه!، والحياة لمن يدوس على رقبة أخيه..

 غاب القانون والنظام، وضاعت العدالة بين أدراج الطامعين اللاهثين وراء السلطة والمال.. فحولنا بلدنا إلى غابة من الخوف والموت، القوي يضرب الضعيف، والغني يأكل الفقير، والصحيح يزيح المريض.. قانون الغاب يحكمنا.. بل أسوأ.. في الغاب لا يلجأ للقتل إلا الجائع.. أما عندنا فقد أصبح القتل والفساد مجرد هواية أو لعبة يمارسها حثالة الأشرار المدعومين بسلطة الأجهزة الأمنية المتنحية عن دورها في توفير وبسط الحماية للوطن وللمواطن، وبسلطة القرار الحاكم الذي رضخ لأهواء أولئك الفاسدين ..

 من الحكايات التي تداولها شعبنا في فلسطين حكاية عن الضبع وكيف أنه كان يكمن في الطريق ليلا، حتى إذا مر شخص بالقرب منه تصدى له وضربه على وجهه، فإذا بالشخص يجري خلف الضبع صارخاً “يابا.. يابا.. ” ويظل كذلك حتى يصل الضبع إلى وكره وهناك ينقض على الشخص ويلتهمه، وأخيراً أثبتت الأبحاث أن الضبع يطلق نوعاً من المخدر الذي يفقد الإنسان السيطرة على نفسه، ولعل هذا له علاقة بأحداث قصة الضبع المفترس الذي يتصيد فرائسه من الفلسطينيين في الليل المظلم الحالك.

 هل تريدون إعادتنا إلى هذا الزمن الردئ ؟ زمن الأبوات.. زمن السقوط الفلسطيني بلا منازع.. لا لن يقبل فلسطيني بذلك.. سنموت دون كرامتنا ودون عزتنا ودون ديننا ودون حقوقنا.

 لقد خرج المارد الفلسطيني من قمقمه، وهو الآن بصدد إعادة تشكيل شارعنا الفلسطيني بما يحفظ له ذاتيته وكينونته وفلسطينيته ويحفظ له ثوابته السياسية والاقتصادية ..

(نعم للجوع.. لا للركوع) شعار.. أطلقه رئيس الحكومة إسماعيل هنية في مواجهة الحصار.. ويقولها الشعب كله اليوم.. (نعم للجوع ..لا للركوع) فليذهب زمن الانطواء وزمن السجود لغير الله.. وإلى الأبد ..

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الرشق: قلوبنا مع الشعب الإيراني الشقيق

الرشق: قلوبنا مع الشعب الإيراني الشقيق

الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام أعرب عضو المكتب السياسي في حركة المقاومة الإسلامية حماس، عزت الرشق، عن قلقه من الأنباء التي تحدثت عن تعرض طائرة...