الأحد 19/مايو/2024

تعطيل المدارس تدمير لفلسطين

د. عبد الستار قاسم
13 /تشرين أول/2006
 

كثيرون هم الذين لا يدركون الخطر المرعب المترتب على تعطيل مدارس فلسطين، ولا يرون مدى التدهور الذي سيلحق بالشعب الفلسطيني نتيجة إضراب المعلمين. نحن جميعا نتذكر إصرارنا على تعطيل المدارس خلال انتفاضة عام 1987، ونذكر كيف تم اتخاذ قرار فلسطيني بتشكيل لجان الغش الوطنية على نمط اللجان الموجودة في السجون. أدت أعمالنا إلى تجهيل قطاع واسع من الشباب، ونحن الآن ندفع ثمن ذلك من خلال انتشار الزعران الأميين الذين يظنون بأنهم قادة يسهرون على راحة الوطن. الجهل آفة قاتلة للشخص والأمة على حد سواء، وما من أمة تريد أن تتقدم أو تتحرر إلا ركزت على النهوض العلمي والأخلاقي؛ وما من أمة حيّة تجد أن نظامها الأخلاقي قد بدأ يتدهور إلا وحسبت أن نظامها التعليمي آخذ بالانهيار وعليها مراجعته وتحديثه والنهوض به.

لا أطعن بحق المعلمين في الراتب، ولا أطعن بحقهم برواتب أعلى مما يتقاضون، وقد دافعت عنهم مرارا وتكرار ووقفت معهم في إضراباتهم السابقة؛ وما زلت أرى أن الراتب الذي يتقاضون هو دون المستوى المطلوب. لكنني أدافع عن البحث عن أساليب تحقق الضغط المطلوب على الجهة التي تمنع الراتب، وفي ذات الوقت لا تترك أبناءنا في الشارع.

أبحث عن المنطق وراء هذا الإضراب الطويل فلا أجده لأن المتحكم بالأموال ليس جهة داخلية وإنما جهات خارجية. الحكومة الفلسطينية لا تملك مالا تمنعه عن الناس، وهي محاصرة من قبل إسرائيل وأمريكا وجهات محلية مثلما أن الشعب الفلسطيني محاصر. وإذا كان هناك من يتهم حماس بأنها توزع أموالا على أركانها، فإنني أرى بأن فتح أيضا توزع أموالا على أقطابها. القيادات لا تعاني العوز والحاجة المادية، ومن مسؤوليتنا نحن أهل فلسطين أن نصر على فتح الملفات لكي نعرف الحقيقة، ونعرف من يغدر الشعب ومن يصدقه. وأنا أذهب إلى أبعد من ذلك لأقول بأن قيادات فلسطينية لا تتلقى أموالا من الخارج فقط، وإنما تتلقى أيضا أسلحة من إسرائيل بدعم مالي أمريكي. وقد أعلن الرئيس الأمريكي عن هذا مرارا.

من المهم جدا أن تتوجه احتجاجاتنا ضد الذين يمنعون الأموال عنا. أوروبا وأمريكا تمنع الأموال، وإسرائيل تحتجز الأموال (لغاية الآن تحتجز حوالي 550 مليون دولارا). لماذا لا نتظاهر أمام ممثليات الدول الأوروبية، أو المؤسسات الأمريكية، أو الجمعيات والمراكز التي تموّلها الولايات المتحدة. إذا قمنا بالاحتجاج فإننا سنثير الإعلام العالمي وسنوجه أنظار العالم نحو أمريكا التي ترفض نتائج الديمقراطية وتريد معاقبة الشعب الفلسطيني على تعبيره الانتخابي.

ومن المهم أيضا أن نحتج لدى الحكومة الفلسطينية لأنها لم تفتح ملفات الفساد. أكل الفساد أموال الناس، وتغذى على حليب الأطفال وعلى لقمة خبز الفقراء والمعوزين. (لو) فتحت الحكومة ملفات الفساد لاستطاعت أن تسترد ملايين الدنانير، وتعيدها إلى الميزانية العامة، ولقلصت أيضا من أعداد الوظائف الحكومية، وأنهت صرف رواتب الذين لا يعملون ولا يقدمون أي خدمة نافعة للشعب الفلسطيني. لقد أخطأت الحكومة وعلينا أن نضغط عليها لفتح ملفات الفساد علنا وفي تقارير إعلامية معلنة، ذلك لأن القضاء الفلسطيني لا يصلح لمحاربة الفساد بسبب فساده. وعلينا أيضا أن نضغط على الحكومة للتخلص من النفقات الزائدة التي تهدر الأموال العامة. هناك سيارات رسمية بالآلاف يقودها أشخاص على حساب الشعب الفلسطيني، وهناك عمارات وشقق مستأجرة على حساب الشعب، وهناك غرف فندقية ما زال يشغلها أصحاب مناصب عامة.

السؤال هو: ماذا بإمكاننا أن نعمل ضد الدول التي تفرض الحصار علينا، وتجبر الدول العربية على تبني الحصار؟ وماذا علينا أن نعمل من أجل إجبار الحكومة على ملاحقة الفساد وتقليص النفقات العامة؟ وعلينا أن نسأل: هل نحن نريد فعلا أن تبقى لقمة خبزنا معلقة بإرادة أمريكا وإسرائيل؟ أم هل علينا التفكير فيما يجب أن نطوره اقتصاديا لكي تتحرر إرادتنا السياسية؟ هل نضغط على الحكومة من أجل أن تتسول، أم من أجل تطوير أوضاع اقتصادية ومالية جديدة؟

ربما لا يعلم العديد من المدرسين المضربين أن عددا من الذين يحرضونهم على الاستمرار في الإضراب شركاء في الحصار المالي المضروب على الشعب الفلسطيني. هؤلاء القيادات الذين يظهرون على شاشات التلفاز وهم يحاولون ذرف الدموع على الشعب الفلسطيني يتعاونون مع أمريكا وإسرائيل من أجل الاستمرار في منع الأموال، وفي نفس الوقت يحرضون على الإضراب. هؤلاء أيضا هم من كبار المتهمين بالفساد والذين تجب محاسبتهم على ما سرقوه من الشعب. مصلحة الشعب ليست هي قضية هؤلاء، وإنما هم يستعملون الموظفين من أجل إسقاط حكومة حماس ليحلوا محلها. هم يستعملون الناس من أجل مصالحهم الخاصة المرتبطة بإسرائيل وأمريكا. وللتذكير أيضا، هؤلاء هم الذين وقفوا ضد إضراب المعلمين في السابق، وبثوا في صفوفهم عناصر من الأجهزة الأمنية لتخريب الإضراب، وهم الذين اعتقلوا معلمين من لجنة الإضراب. عملوا على إفشال الإضراب في حينه لأنه كان يطالبهم بتحسين ظروف المعلم، وهم الآن يقفون مع المعلم لأنه ضد حماس.

نحن الشعب الفلسطيني لسنا ” شرابة” في ذيل هذا الفصيل أو ذاك، إنما نحن شعب يقدم التضحيات وعليه أن يدافع عن حقوقه ودماء أبنائه. نحن لا نريد أن نضيع في صراع فصائلي ولا أن نكون أدوات بيد إسرائيل وأمريكا وعملائهما. لقد أثرت الفصائلية سلبا علينا، وعلينا أن نقف مع وحدة الشعب ومصلحته التي تعلو فوق مصالح فتح ومصالح حماس.

إذا كنا لا نريد توجيه أسهمنا ضد الذين يحاصرون الشعب الفلسطيني ماليا، فعلى الأقل علينا ألا نعرقل عملية التعليم. للمعلم أن يضرب، لكن ليس من حقه أن يمنع الطالب من الذهاب إلى المدرسة، أو أن يقفل المدرسة، أو أن يرسل مسلحين لإطلاق النار أمام المدارس لإرهاب الطلاب والطالبات.

على الشعب الفلسطيني أن يتحرك نحو فتح المدارس. لقد خضنا تجربة رائدة أثناء الاجتياح الصهيوني للمدن الفلسطينية وأقمنا المدارس الشعبية، ونحن الآن قادرون على التطوع نحو تشغيل المدارس. صحيح أن الجهود الشعبية لا تؤتي ذات الثمار التي تعطيها الجهود الرسمية، لكنها تستطيع أن تبقي أبناءنا بعيدا عن الشوارع. واجبنا أن نجتمع، وأن نخوض تجربة فتح المدارس وترتيب أوضاعنا الشعبية لغاية انتهاء مشكلة الرواتب والإضراب.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الرشق: قلوبنا مع الشعب الإيراني الشقيق

الرشق: قلوبنا مع الشعب الإيراني الشقيق

الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام أعرب عضو المكتب السياسي في حركة المقاومة الإسلامية حماس، عزت الرشق، عن قلقه من الأنباء التي تحدثت عن تعرض طائرة...