الإثنين 29/أبريل/2024

حارة المغاربة.. دمرها الاحتلال ويواصل تهويدها لطمس تاريخها

حارة المغاربة.. دمرها الاحتلال ويواصل تهويدها لطمس تاريخها

يقول ثيودور هيرتسل، مؤسس الحركة الصهيونية: “إذا حصلنا يومًا على القدس، وكنت ما أزال حيًّا، فسوف أزيل كل شيء ليس مقدسًا لدى اليهود فيها، وسوف أحرك جميع الأثار الموجودة فيها، ولو مر عليها قرون”.

وبعد احتلال الشطر الشرقي لمدينة القدس عام 1967، كانت حارة المغاربة أول ضحية وأول أثر يُزال، لتكون الشاهدة والشهيدة على مجزرة تاريخية وأثرية، محتفظة باسمها كأحد الشواهد على التهجير والتشريد والدمار الذي مارسه الاحتلال بحق البشر والشجر والحجر، بهدف فرض الوجود اليهودي مكان السكان الأصليين.

وفي هذا التقرير نسلط الضوء على تاريخ حارة المغاربة، وكيف ولماذا هدمها الاحتلال وسوّاها بالأرض، أولَ عملية إزالة للوجود الفلسطيني في شرقي القدس.

عن حارة المغاربة

هي حارة ملاصقة لحائط البراق، أي على الجهة الغربية من المسجد الأقصى، سكنها المجاهدون المغاربة الذين جاؤوا مع جيش صلاح الدين الأيوبي لتحرير القدس من الاحتلال الصليبي في القرن الثاني عشر الميلادي.

في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“، قال الباحث في تاريخ فلسطين الحديث، عوني فارس: شكل تأسيس حارة المغاربة في الفترة الأيوبية نقلة نوعية في علاقة المغاربة بالقدس، حيث بدأت هذه العلاقة بالتبلور منذ فجر الإسلام عبر “تقديس الحج” بزيارة المسجد الأقصى والرحلات إلى القدس في طلب العلم، إضافة إلى ما بات يعرف في العصور الإسلامية بالمجاوَرة.

وأضاف: ارتبط الوجود المغاربي المادي المتواصل في القدس مع وقفية الملك الأفضل بن صلاح الدين الأيوبي سنة 1193، وقد وضعت هذه الوقفية حدودًا للحارة، حيث امتدت من الناحية الجنوبية إلى سور المدينة والطريق السالكة إلى عين سلوان، وامتد الحد الشرقي إلى الجدار الغربي للمسجد الأقصى، والحد الشمالي إلى قنطرة أم البنات، والحد الغربي إلى دار الفاضل وإلى دار الأمير عماد الدين بن موسكي ثم إلى دار الأمير حسام الدين قايماز.

واقتصرت حارة المغاربة على المسلمين، من المغاربة والجزائريين والتوانسة، وتعود أصول بعض العائلات المقدسية الشهيرة إلى المغرب، مثل عائلة البديري.

واحتوت الحارة على 205 مبانٍ، وكانت مساحتها 40 دونمًا، وكان شكلها مستطيلًا يمتد من الشمال إلى الجنوب، وهي من أكثر الحارات انخفاضًا، وأغلب دورها من طابق واحد، وقد تشكلت دورها من ساحة سماوية مكشوفة محاطة بغرف وفراغات ما بين 2-5 غرف، وعلت أغلبية المباني القباب الضحلة المبلطة بالبلاط الحجري، وكانت قبة المدرسة الأفضلية فيها أعلى القباب في الحارة، وقد امتدت المباني باتجاه حائط البراق، وتركت الجدار مكشوفًا دون أن تستند إليه، وفقًا لفارس.

وكان في الحارة مبانٍ تاريخية مشهورة مثل المدرسة الأفضلية، ودار مجير الدين عبد الرحمن العليمي، وطاحونة وقف المغاربة، وزاوية المغاربة/ زاوية عمر المجرد، وجامع البراق، والكاردو السفلي (الشارع الروماني المعمد الشرقي)، وحائط البراق، ودارة الإمارة الأموية.

هدم حارة المغاربة

يقول ضيفنا عوني فارس: أقدم الاحتلال على هدم الحارة فور احتلال شرقي القدس، بهدف تحويلها إلى ساحة كبيرة ملاصقة لحائط البراق، وإعطائها مكانة دينية وقومية، وربطها بما يسمى بالحي اليهودي، وقد نفذ الهدم مساء التاسع من حزيران عام 1967.

 وهدم الاحتلال 138 مبنى يحوي 285 غرفة، و74 بئرًا، وكان يسكنها حينها 650 شخصًا، واستشهد أثناء الهدم عدد من أهل الحارة، في الوقت الذي أصبح باقي أهل حارة المغاربة لاجئين.

التنصّل من المسؤولية
بمناسبة الذكرى الخمسين لهزيمة 67  عام 2017 نشرت صحيفة هآرتس العبرية تقريرًا عن هدم حارة المغاربة، ذكرت فيه أن من نفذ عملية الهدم 15 مقاولًا إسرائيليًّا من منظمة المقاولين والبنائين الإسرائيلية في القدس، بأمر من رئيس بلدية الاحتلال آنذاك تيدي كوليك الذي استدعاهم إلى منزله، وطلب منهم تنفيذ العملية بأسرع وقت ممكن، بدلًا من بلدية الاحتلال أو جيش الاحتلال، من أجل إبعاد أي دليل قدر الإمكان على تورط سلطات رسمية في عملية الهدم، خوفًا من ردود الفعل العربية والإسلامية، وإمكانية تعرض سلطات الاحتلال للمساءلة أمام المنظمات الدولية.

وتعقيبًا على هذا الموضوع، قال الباحث المختص في شؤن القدس فخري أبو دياب: تحاول دولة الاحتلال حينما تقترف جريمة مخالفة للقانون الدولي التستر خلف الجمعيات الاستيطانية، أو الجماعات الخاصة، أو المتعهدين للتهرب من مسؤوليتها أمام العالم، لاسيما في الفترات الأولى للاحتلال، حيث كانت تحسب بعض الحساب للمجتمع الدولي.

وأكد أبو دياب، في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن هدم حارة المغاربة وتشريد سكانها بالإضافة لمخالفته للقوانين والمعاهدات الدولية، وبخاصة القانون الدولي الإنساني، يعد جريمة تطهير عرقي، تتحمل دولة الاحتلال المسؤولية الكاملة عنها.

وأضاف: ما حدث كان بتخطيط من دولة الاحتلال، ورئيس بلدية القدس الغربية آنذاك تيدي كوليك الذي استدعى المقاولين ورسم لهم حدود المنطقة التي أمرهم بهدمها، وبإشراف هندسي من جيش الاحتلال، الذي وفر الحراسة للمقاولين، وقدم لهم بعض المعدات اللازمة لتنفيذ عملية الهدم.

وتساءل: “كيف يمكن أن نتخيّل أن 15 مقاولًا دمروا حيًّا تاريخيًّا دون إذن على أعلى مستوى من الدولة؟!”.

ويؤكد المؤرخ الفرنسي فنسان لومير في كتابه “عند أقدام السور.. حياة وموت حي المغاربة في القدس (1187-1967)” أن دولة الاحتلال خططت لتدمير حي المغاربة بعد احتلالها الشطر الشرقي من القدس، وحاولت تمويه ما فعلت.

وقال لومير في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية (فرانس بريس): إنه استند على مواد من الأرشيفات المحلية، بالإضافة إلى المحفوظات العثمانية والفرنسية، تعمق في دراستها 6 سنوات، مؤكدًا أن تدمير حارة المغاربة لم يأتِ بناءً على مبادرة 15 مقاولًا إسرائيليًّا، كما تقول الرواية الرسمية لـ”إسرائيل”، وإنما بناءً على قرار من حكومة الاحتلال، مشددًا على امتلاكه الأدلة القاطعة على التخطيط المسبق لهذه العملية.

مخططات التهويد مستمرة

يوضح ضيفنا الباحث في تاريخ فلسطين المعاصر، عوني فارس، هدم الاحتلال عام 1981 15 عقارًا إضافيًّا في حارة المغاربة، وفي عام 2007 هدم التلة التي تشكل الطريق التاريخية القديمة التي تصل بين الحارة وساحة المسجد الأقصى والغرفتين الواقعتين أسفلها.

ويجري الاحتلال حفريات أسفل حارة المغاربة، بعد أن حوّلها إلى ساحة كبيرة، وهناك مخططات لتوسيع الساحة وإضافة أبنية جديدة؛ إذ يسعى الاحتلال من خلال مخططاته المتكاملة لتهويد القدس إلى خلق سردية خرافية تلمودية.

وفي هذا السياق يقول ضيفنا فخري أبو دياب: منذ احتلال الشطر الشرقي لمدينة القدس عام 1967، بدأ الاحتلال التطهير العرقي، ومحاولة تغير هوية المدينة العربية والإسلامية، وفرض وقائع جديدة فيها، بهدف تحويلها إلى مكان ذي طابع يهودي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات