الجمعة 10/مايو/2024

بايدن ومشروع الدمج.. أسبابه ودلالته ومآله

بايدن ومشروع الدمج.. أسبابه ودلالته ومآله

مقدمة

في غضون هذه الأحداث المتصاعدة في فلسطين والمنطقة والغرب، فإننا بحاجة إلى وقفة مع الداء الصهيوني رفقة الداء العربي الاستبدادي والاستكبار الأمريكي حتى نرصد إلى أين مسار المعركة والاستراتيجية الصهيونية وعملية الدمج الجديد بعد فشل الأول، وكيف تتصاعد معالم التطبيع مع تغيرات في الإقليم والشعوب والمقاومة، وكيف نفهم تصريحات تخوف من انهيار الكيان الصهيوني وعيشه شبح الخراب وبداية احتراقه وربط ذلك كله بصفقة بايدن الصامتة اللاشعبوية الميتة في بداياتها ..؟

لماذا هذه القراءة ؟

الهدف من هذه القراءة بعد تجاوزنا مرحلة مهمة من الصراع وهي فترة صفقة القرن هو:

1- فهم المعركة كيف تنتقل من مرحلة إلى مرحلة باستراتيجية إسرائيلية أمريكية عربية تعضد المرحلة الأولى من المواجهة الفاشلة التي كانت مع ترامب ونتنياهو وصفقة القرن؟

2- الهدف الثاني من القراءة هو عدم الغوص في قراءة الزيارة الأمريكية بنظرة محبطة للأمة وفلسطين، وهي نفس القراءة التي ترصد نقاط القوة في الزيارة على الكيان دون النظر إلى نقاط الضعف من هذه الزيارة.

فإذا كانت لبعض الباحثين قراءات حول الزيارة من جهة ذكر خطر الاتفاقات الجديدة على المنطقة وقوة الخطة، فإنه لا ينبغي تغييب مثالب هذه الخطوة الأمريكية التي تكشف ملامح ضعف وردات فعل إسرائيلية أمريكية، لإنقاذ المشروع الصهيوني في المنطقة بعد فشله في صفقة القرن وبعده في معسكر الشرق واهترائه..

وأظن المقاومة تدرك جيدا مدى أهداف هذه الزيارة، وربما يسخر منها القوم لأنها جاءت “منقذة متأخرة”..

مصطلحات مفاتيح

ولكي نفقه ثنايا هذه الورقات فلا بأس من تذكير بهذه المصطلحات كمفاتيح للفهم والنقاش:

– مصطلح العلو: استخدمت هذا المصطلح كم من مرة لأنه عنوان ضعف يفضي بالعدو إلى إخراج أوراقه، ومن أشد هذه الأوراق صفقة القرن ثم مشروع الدمج الجديد..

مصطلح العلو مؤصل في النص القرآني كمرحلة وخطة إفساد يسعى لها العدو حالة شعوره بالانهيار..

– مصطلح التقمص: هذا المصطلح وظفته سلفا في كتابي “الاستراتيجية الصهيونية والتطبيع الجديد”، وذكرت أن التقمص هو تلبس بمعنى سياسة صهيونية لاختراق المؤسسة أو الدولة أو الإنسان أو أي جهاز لتحويله إلى كيان تابع. إذن هي الروح الصهيونية تتقمص الأوراق الأمريكية والعربية لتصعيد التكالب..

وقد ذكرت في كتاب الاستراتيجية أن صفقة القرن جاءت من أجل هذا الاختراق والتقمص لإحداث خراب في المنطقة، لكن هذه الصفقة ستفشل لقوة الشعوب العربية والإسلامية في رفض هذا التقمص الذي يخالف الهوية والفطرة الإسلامية، مما سيدفع مستقبلا المشروع الصهيوني لإيجاد مشروع آخر في التقمص، وهو ما جاء به بايدن اليوم هو الدمج، اختراق وتطبيع في أقصاه كما ذكرنا به تصريح وزير الخارجية المغربي بوريطا..

وأظن مصطلح الدمج يفضي إلى هذا المعنى كذلك..

– مصطلح الروح الصهيونية: هي عمق الصهيونية هي فكرها التي تتحرك في الأجسام الغربية والشرقية والعربية لاختراقها فتوظيفها كقوة إفسادية لضرب الشعوب والقوى وفلسطين..

– مصطلح الدمج: ترامب سمى التطبيع والتنسيق العربي الإسرائيلي بالتطبيع الكامل، وبايدن سماه بالدمج الكامل، والدمج أقوى من التطبيع، لأن التطبيع وسيلة التقاء وتنسيق، والدمج التقاء ووصول إلى نتائج الاندماج والتكامل بين الطرفين، فالتطبيع وسيلة والدمج غاية..

كيف نفهم التحرك الجديد الصهيوني من السياق؟

لا يمكن فهم مسار الاستراتيجية الجديدة في المنطقة من قبل القوة الأمريكية والإسرائيلية ودواعيها دون فهم لسياق الأحداث، فالتاريخ وماضي الوقائع يمهد لنا الفهم لنفقه كيف تتحرك هذه القوة الثنائية الأمريكية والإسرائيلية، وأي تحليل خارج سياق التاريخ يفضي إلى فهم غير كامل..

تأتي الزيارة بتحول كبير في نفسية الصهيوني التي بدأت تشعر بالخلل والاهتراء، خصوصا بعد تصريحات قادة الكيان ببدايات انهيار الكيان فضلا إلى تصريحات مفكريه وباحثيه.

هذا التحول النفسي العقدي الذي بدأ يشعر بالشك الكبير والتهديد للمشروع الصهيوني نرصده خصوصا بعد انتصار المقاومة في سيف القدس ومعارك القدس والمرابطين ، التي هددت الاحتلال في فلسطين بل والمشروع الصهيوني في المنطقة والشعوب العربية والإسلامية.

قلت هو تحول نفسي قبل أن يكون سياسيا أو عسكريا، لأن فقدان البوصلة وحدوث الخلل هو من خلال ضرب عمق المشروع الصهيوني في هويته وفكره، فأنت بسيف القدس ومنع مسيرات الأعلام أو تهديدها وتقزيم حجمها، هو يؤثر في مفهوم السيادة الصهيونية لفلسطين، أي أنك تقوض فكرة وجود شيء اسمه إسرائيل، وبالتالي فأنت تؤثر سلبا في الروح الصهيونية التي تلبست بالقوى الغربية والعربية لإنقاذ الخنجر الصهيوني الكياني الذي بدأ يتزعزع من مكانه بسبب قوة المقاومة..

وهذا التأثير في النفسية الصهيونية بسبب توالي الانتصارات الفلسطينية هو الذي أفضى إلى تصاعد التطرف الصهيوني، وخروج “منظمات لاهافا”، والقوى اليمينية لتسريع عملية السيادة والاحتلال والاقتحام، سواء في حدث الشيخ جراح وما بعده في جنين ومقتل شيرين، لكنهم فشلوا بسبب وجود قوة استراتيجية في المنطقة، وهي المقاومة الفلسطينية الشعبية والعسكرية فضلا عن نصرة الشعوب…

وتزداد النفسية الصهيونية تأزما وشعورا بالانهيار مع بداية اهتراء المشروع الصهيوني في معسكر الشرق بعد الحرب الأوكرانية الروسية، وبوادر تخلص المعسكر الشرقي الروسي من فضلات هذه الروح الصهيونية التي تقصمت منذ عقود المعسكر الشرقي والغربي، والتخوف الكبير تحرك في الغرب يفضي إلى استخلاص الروح الصهيونية من المعسكر الغربي الأوروبي والأمريكي خصوصا بعد ردود أفعال القوى الغربية بعد مقتل شيرين…

“مرحلة الإنعاش”
أمام هذه الظروف الصعبة للكيان الصهيوني ومشروعه العالمي، فإن الكيان الصهيوني كما عهدناه بشكل طبيعي ومسلم يجنح إلى سياسة قديمة سمِّها إن شئت (البحث عن السيادة الإسرائيلية خارج إسرائيل)، وإن شئت اختصر السياسة في استراتيجية اسمها (الإنعاش الاستراتيجي) من خلال خطوات استراتيجية قوية وازنة، تسطر لمسار جديد من التعزيز والدعم للكيان الصهيوني، ونتذكر هنا الخطوة الاستراتيجية الصهيونية التي تسمى (صفقة القرن مع ترمب وفتح السفارة في القدس ) كانت خطوة استراتيجية لها ما بعدها من برنامج إسرائيلي أمريكي في الكيان الصهيوني والمنطقة، جاءت صفقة القرن بعد شعور بتغيرات في المنطقة رغم الانقلابات المنظمة المخربة في المنطقة..

الإنعاش استراتيجية جديدة

وهذه الخطوة الاستراتيجية بطبيعة الحال جاءت بعد مجموعة من البحوث والدراسات الصهيونية والإسرائيلية، تجنح إلى وصول الكيان الصهيوني في 2018 إلى حد الضعف والتهديد أمام استراتيجية في المقاومة الفلسطينية، وتغيرات في العالم العربي والإسلامي والشعوب العربية ضد الكيان الصهيوني في المنطقة.

فليس عبثا التفكير في خطة وصفقة تنعش الكيان الصهيوني من جديد وتنقذ ماء وجهه، من خلال دمج حقيقي للأنظمة الاستبدادية العربية في مشروع الكيان الصهيوني لحماية المنطقة، والكيان من كل تهديد عوض التدخل الأمريكي…

بعد تنزيل صفقة القرن بمعية وريادة أمريكا وتطبيع كثيف مع دول عربية، كله من أجل عملية الإسعاف للكيان الصهيوني الذي صنعوه في 1948 ولا زال يقوم بدور كبير في العالم والمنطقة العربية، وبعد 4 سنوات من (2018 إلى 2022) من تنزيل صفقة القرن وفشل تحقيق الأهداف من الصفقة لتصفية المقاومة والشعوب والقوى المناهضة للصهيونية، وبعد مرحلة سيف القدس وفشل التطبيع الكامل، تأتي مرحلة أخرى من (الإنعاش الاستراتيجي) للمشروع الإسرائيلي، وبطبيعة الحال عملية إدخال المريض الإسرائيلي إلى غرفة الإنعاش، تحتاج دائما إلى الطبيب الأمريكي ليقود العملية الإسعافية، ثم تليها الإنعاشات الثانوية العربية المطبعة الصادرة من خطة الإنعاش الكبرى الاستراتيجية “خطة بايدن” سمها ..

فما هي ملامح هذه “الخطة الإنعاشية” في هذا التوقيت، ويتساءل الكثير عن مدى غايات هذه الزيارة الأمريكية ؟ وهل تشبه سابقتها مع ترامب ونتنياهو؟

وهنا نقف عند أربعة أسباب من استدعاء أمريكا مجددا بعد صفقة ترامب الشعبوية :

– السبب الأول، توسعي إقليمي

السبب الأول من هذه الزيارة هو فتح آفاق تمدد وتوسع المشروع الصهيوني بشكل جيو سياسي من خلال صناعة ( ناتو الشرق الأوسط ) بقيادة إسرائيل، وهذا حلم الكيان الصهيوني، أي انتقال من التطبيع الثانوي في تخصص أمني أو عسكري أو سياسي أو دبلوماسي أو اقتصادي، إلى تطبيع متكامل كامل اندماجي، وحين نقول صناعة “ناتو عربي إسرائيلي” بمعنى هو تطبيع أمني استخباراتي عسكري سياسي دبلوماسي اقتصادي علمي بحثي، لا يختصر في مجال محدد، بل كل المجالات التي تخدم المشروع العربي الإسرائيلي والأمن بمفهومه العام..

وهذا له دلالة قوة وضعف:

– قوة من حيث الانتقال من حجم كيان صهيوني يدافع عن نفسه إلى حجم أكبر يسمى “كيان ناتو عربي إسرائيلي”….

-ومن ناحية الضعف فالسعي إلى “ناتو عربي إسرائيلي” هو دلالة تخوف الكيان الصهيوني مما وصلت إليه المقاومة في فلسطين والقوة في إيران وحزب الله، فضلا إلى مستوى مناهضة الشعوب العربية والإسلامية للكيان.

إذن تحقيق الهدف الإقليمي في المنطقة هو توسع وتمدد، نابع من تخوفات بسبب انهزامات سابقة، وخسائر صهيونية في فلسطين مع المقاومة، وفي المنطقة مع الشعوب العربية والإسلامية، إذن لا بد من تصعيد جديد في التطبيع الكامل والتوسع والاختراق بمستوى يصل إلى الدمج أي جهاز عربي إسرائيلي موحد في التصور والبرنامج، يوجه المعركة إلى العدو الأساس في نظرهم، المقاومة وحماس وإيران والشعوب ..

هذا التخوف كان بارزا بعد سيف القدس، وخروج الشعوب العربية والإسلامية إلى الشارع، وفشل التطبيع في المنطقة، ورفضه من الشعوب العربية والإسلامية، وهذا التخوف من التحولات الجديدة هو بطبيعة الحال ما رصدته مراكز إسرائيلية، ورصدت مدى وصول الكيان إلى عنق الزجاجة وتطرف أكبر، خصوصا بعد هزيمة معارك أعلام المسيرات الإسرائيلية، وانتصار معارك المقدسيين في المسجد الأقصى والشيخ جراح وسلوان وباب العمود وغزة..

فلا غرو إذن التفكير الإسرائيلي في إيجاد كيان أوسع يسمى (الناتو العربي الإسرائيلي) لمنح الكيان الصهيوني الأمن والقوة والدعم الكامل وتمكينه من التهويد والاستيطان دون مشوشات وبتنازل ودعم وتشجيع، لا شبه الدعم الأول فترة صفقة القرن التي لم تنجح مع ترامب ونتنياهو في صناعة “كيان كبير يسمى الناتو العربي الإسرائيلي”..

– السبب الثاني، النفسي:

زيارة بايدن هو لتعزيز الثقة في الصهاينة والمستوطنين الذين باتوا يشعرون بالقلق وهاجس شبح الزوال بسبب:

– صدمة المعارك: يعاني ما يسمى المجتمع الصهيوني شبح الثقة بعد معركة سيف القدس وشهادات قادة الكيان بالانهيار، وبعد فترات انهزام في تحقيق هدف رفع الأعلام الصهيونية في القدس براحة وأمن وتهديد لتحقيق السيادة..

– صدمة التطبيع: وقد زاد قلق المجتمع الصهيوني إحباطا خصوصا بعد عملية التطبيع الكبيرة، التي جاءت كخطة ادعائية منظمة كاذبة تكذب على الصهاينة، من أوهمتهم القوى الصهيونية الدعائية بمشروع إسرائيل الكبرى، وتحقيق مكاسب كبرى أمنية بعد ردات فعل الحكام العرب والأنظمة أمام التطبيع والارتماء أمام ا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات