الإثنين 29/أبريل/2024

قتلة بزي فلسطيني ولغة عربية.. تعرف إلى وحدة دوفدفان الإسرائيلية

قتلة بزي فلسطيني ولغة عربية.. تعرف إلى وحدة دوفدفان الإسرائيلية

تعد وحدات  “المستعربين”، أو “مستعرفيم” كما تسمى بالعبرية، واحدة من الوحدات الإسرائيلية الخاصة التي يحيط بتحركاتها ونشاطاتها الكثير من السرية، ويطلق عليها ألقاب كثيرة، منها فرق الموت.

والمستعربون هم عناصر من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الذين يُنتقون من بشرة وملامح مشابهة للملامح العربية، ويخضعون للتدريب والتكوين في معاهد خاصة عبارة عن قرى صناعية مشابهة للقرى الفلسطينية في كل تفاصيلها، لتعلّم تفاصيل الحياة الفلسطينية، وتعلم لغتهم وعاداتهم.

وعادة ما تكون مدّة التدريب من 12 إلى 15 شهرًا، حتى لا يثيروا الشكوك حول شخصياتهم عند الاندساس بين الجماعات الفلسطينية المختلفة، وذلك بهدف تحقيق هدف “أمني” محدد، اختطاف أو اغتيال.

ويختفون خلال المظاهرات أو العمليات الخاصة، بزي يشبه الزي المنتشر في الشارع الفلسطيني، ويكونون ملثمين، ويتغلغلون بين المتظاهرين، ويقومون بأعمال تقنع المتظاهرين بأنهم منهم، مثل إلقاء الحجارة، وكأنها صوب جنود الاحتلال، إلى أن يقتربوا من الأشخاص المستهدفين، فيختطفوهم تحت التهديد بالسلاح.

ويعود الظهور الأول لفكرة الاستعراب إلى ما قبل تأسيس دولة الاحتلال، ولم تكن العصابات الصهيونية هي صاحبة المبادرة، بل جاءت الفكرة من الإنجليز الذين اقترحوا على القيادة الصهيونية استغلال الإمكانيات التي يتمتع بها اليهود الشرقيون الذين استوطنوا فلسطين، وذلك عبر انتقاء مجموعة منهم والعمل على تجنيدهم في إطار استخباراتي، ثم زرعهم في صفوف العرب داخل فلسطين وخارجها.

وفي هذا التقرير الخاص بـ”المركز الفلسطيني للإعلام“، سنسلط الضوء على واحدة من أهم وأخطر وحدات المستعربين، وهي “دوفدفان” التابعة لجيش الاحتلال.

التأسيس والمهام

تأسست الوحدة في حزيران/يونيو 1986 على يد إيهود باراك الذي كان يشغل في حينها منصب قائد “المنطقة العسكرية الوسطى” في جيش الاحتلال، (أصبح لاحقًا رئيسًا للأركان ورئيس حكومة)، أطلق عليها اسم “دوفدفان” والذي يعني “الكرز”، كتعبير موازٍ “للجوهرة في رأس التاج”.

وأساس عملها تنفيذ عمليات الدهم والاعتقال والاغتيال، بالإضافة لجمع المعلومات الاستخباراتية،  وإحباط أي هجمات أو عمليات فلسطينية مسلحة، خاصة في الضفة الغربية.

  وحينما شُكلت ضمت جنودًا من وحدات الكوماندوز البرية والبحرية، ومع اندلاع الانتفاضة الأولى “انتفاضة الحجارة” في نهاية عام 1987، ازداد نشاط الوحدة، وشاع اسمها، واليوم تتشكل الوحدة من جنود في جيش الاحتلال وعناصر من شرطة “حرس الحدود”.

وحدد باراك ملامح أفراد الوحدة عند تشكيلها بقوله: “أريد وحدة، يبدو أفرادها كالعرب، وأن يتحدثوا اللغة العربية كالعرب، ويقودوا دراجات، ومعهم خوذ في قلب القصبة في نابلس، كما لو كانوا في شارع ديزنغوف في تل أبيب، أناسًا يكونون قادرين على التحرك بتخفٍّ جزئي يمكّنهم من الوصول للهدف دون حاجة لقوات كبيرة تكون مكشوفة ميدانيًّا”.

التنكر

تنشط الوحدة وسط التجمعات السكانية الفلسطينية، لذا تُختار عناصرها بعناية فائقة، إذ يحرص على أن يكونوا من متحدثي العربية، وذوي بشرة وملامح مشابهة للملامح العربية، كي لا يثيروا حولهم الشكوك عندما يقومون بعمليات التنكر أثناء توجههم لتنفيذ المهام الموكلة لهم.

وعادة ما يتنكر بعضهم في زي تجار خضار فلسطينيين، ويركبون سيارات من طراز “مرسيدس كابينه” أو سيارات أخرى الشائعة في فلسطين، كما يستعينون بخبراء في عمليات الماكياج والتخفي للعمل على مدار الساعة مع عناصر هذه المجموعة.

تعزز وجود الوحدة بعد اتفاق أوسلو

بعد اتفاق أوسلو، ارتفعت أسهم هذه الوحدة، لاسيما بعد انسحاب جيش الاحتلال من مراكز المدن والبلدات الفلسطينية، وفقدانه القدرة على التحرك بحرية مطلقة في المناطق التابعة للسلطة الفلسطينية، وفي ظل حاجة الاحتلال لقوة مدربة وصغيرة، قادرة على التدخل بسرية، وتحت جنح الظلام لتنفيذ عمليات اعتقال واغتيالات في صفوف المقاومة، ذاع صيتها في علميات الدهم والاعتقال واغتيال كبار قادة الفصائل بأرجاء الضفة.

ومع اندلاع “انتفاضة الأقصى” عام 2000 أصبحت وحدة “دوفدفان” رأس الحربة في قوات الاحتلال، لمطاردة رموز المقاومة العسكرية من مختلف الفصائل في الضفة الغربية المحتلة.

على رأس المقتحمين لمقرّ عرفات

“وكان عناصر الوحدة على رأس المقتحمين لمقر الرئيس ياسر عرفات في رام الله، تحت قيادة العميد نداف بدان، وتعزز دور الوحدة في الاقتحامات والعمليات العينية القصيرة، بعد انتهاء عدوان (السور الواقي)، وذلك بقرار من قيادة الجيش والحكومة، بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من المدن الفلسطينية، وعادت حكومة الاحتلال لتنفيذ عمليات اغتيال واعتقالات عينية على يد قوات وحدة دوفدفان؛ لتجنب الانتقادات العالمية”.

مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2008، تحت مسمّى “الرصاص المصبوب”، وجّه الاحتلال للمرة الأولى قوات دوفدفان للمشاركة في العمليات، وكانت الوحدة تحت قيادة العميد في الجيش عوفر فينتور، الذي اشتهر لاحقاً عند شنّ عدوان 2014، وفي معارك رفح وغزة التي استطاعت فيها المقاومة الفلسطينية أسر الجنديَّين الإسرائيليَّين هدار غولدن وأورون شاؤول.

أبرز العمليات

ـ 6 آب أغسطس 2000: حاولت وحدة “دوفدفان” اغتيال محمود أبو هنود قائد كتائب الشهيد عز الدين القسام شمال الضفة، لكن العملية فشلت فشلاً كبيراً، وأدت لمقتل 3 من الجنود الإسرائيليين ونجاة القائد الفلسطيني.

ـ 7 آب أغسطس 2002: اقتحمت وحدة من المستعربين الحي الغربي من مدينة طولكرم بالضفة، ما أسفر عن استشهاد فلسطينيين على الأقل وإصابة عدد آخر بجروح.

ـ 9 نوفمبر 2004: أطلقت فرقة من المستعربين متخفية بملابس عربية الرصاص على 4 شبان فلسطينيين كانوا يستقلون سيارة في مدينة جنين شمال القطاع، ومن الشهداء اثنان من كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح.

ـ عام 2013: كشف سكان بلدة طمون عناصر القوة “الإسرائيلية” الخاصة عندما تخفوا كتجار خضراوات، ورجموهم بالحجارة، ما أدى لإصابة اثنين منهم، وجرح حوالي 8 فلسطينيين، وبعد كشف هويتهم تدخلت قوة من جيش الاحتلال، واقتحمت البلدة لإنقاذهم.

ـ 6 نوفمبر 2015: اعتقل مستعربون شابا فلسطينيا واقتادوه إلى مكان مجهول عقب مواجهات عند المدخل الشمالي لبيت لحم.

ـ 12 نوفمبر 2015: قتلت وحدة “دوفدفان” الشاب الفلسطيني عبد الله شلالدة (28 عامًا) في مستشفى بمدينة الخليل جنوب الضفة.

ـ  10 ديسمبر 2015: قوات من المستعربين تعتقل الفلسطيني باسم النعسان داخل فندق الوحدة وسط مدينة رام الله بالضفة.

ـ 16 أبريل 2017: أوقفت الشرطة الفلسطينية عنصرين من وحدة “دوفدفان” في حي رفيديا بمدينة نابلس بالقرب من جامعة النجاح، ونقلتهما لمحطة الشرطة الفلسطينية، ومن ثم أعادتهما لجيش الاحتلال بعد تدخل الإدارة المدنية الإسرائيلية.

ـ عام 2018: قتل جندي من عناصر “دوفدفان” في مخيم الأمعري برام الله، بعد أن ألقى مقاوم فلسطيني عليه لوحا من الغرانيت.

وأظهرت دراسة فلسطينية أن وحدة “دوفدفان” نفذت 54 عملية اغتيال في 4 سنوات من الانتفاضة الأولى (8 ديسمبر 1987 – 13 سبتمبر 1993)، و74 عملية اغتيال أخرى بالانتفاضة الثانية (28 سبتمبر 2000– 8 فبراير 2005). 

الحاجة لوحدة قادرة على العمل المركز

في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” قال المختص في الشأن الإسرائيلي، عماد أبو عواد: تأسست وحدة “دوفدفان” عام 1986 على يد إيهود باراك، على خلفية الشعور بالحاجة لوجود وحدة يكون لديها القدرة على العمل المركز في مناطق ضيقة ومليئة بالسكان الفلسطينيين، من أجل اعتقال أو اغتيال من ترى “إسرائيل” أنهم يشكلون خطرًا عليها.

ويضيف: تم تأسيس الوحدة بسرية، وظل وجودها سريًّا حتى عام 1988، حينما اكتشف بعض الصحفيين أمرها، وبدأوا بالكتابة عنها، واصفينها بوحدة الاغتيالات التابعة لجيش الاحتلال، وهو ما أدى إلى وقف بطاقات اعتمادهم الصحفية، حيث كانت سلطات الاحتلال تمنع نشر أي معلومات عن الوحدة، من أجل إبقائها ضمن دائرة الوحدات المخيفة والمربكة والمقلقة للفلسطينيين، ولتنفي عن نفسها أي جرائم ترتكبها هذه الوحدة.

ويؤكد عواد أن جيش الاحتلال ينفي وجود وحدة مستعربين خاصة مهمتها اغتيال المقاومين الفلسطينيين، أولًا: لأن مثل هذه الوحدة ستسبب له أزمة أخلاقية أمام العالم، وثانيًا: لأن ذلك قد يؤدي للفت انتباه الفلسطينيين وتركيزهم على مثل هذه الوحدات، وبالتالي الوصول لعناصرها، ثالثًا: “إسرائيل” تتعمد دائمًا اتباع سياسة الغموض، من أجل إرباك “العدو”.

ويرى الخبير المختص في الشأن الإسرائيلي، أن تشكيل مثل هذه الوحدات الخاصة من المستعربين للوصول إلى الأهداف المطلوبة، هو بمنزلة إقرار دولة الاحتلال بالفشل، وبعدم قدرة جيشها على الوصول إلى الأهداف التي تحددها له دولة الاحتلال.

ويصف عواد هذه الوحدات الخاصة بوحدات الفشل الإسرائيلية، فإذا أخذنا هذه الوحدات في سياق تحليلي، نجد أن هذه الوحدات تتجاوز الهدف الذي أنشئ من أجله جيش الاحتلال، وهو مواجهة التحديات الأمنية بوضوح، وبالتالي الذهاب إلى تشكيل وحدة جديدة كل مدّة هو دليل على أن الشعب الفلسطيني يقاوم، ويبتكر وسائل جديدة لمواجهة الاحتلال، الذي بات يحاول مجاراة مقاومة الفلسطينيين والتصدي لها، في حين تثبت الأيام أن الفلسطيني يتأقلم يقاوم ويطور ويتجاوز كل العقبات التي يضعها الاحتلال، الذي يحاول إشباع نزواته الأمنية من خلال إنشاء وحدات جديدة باستمرار، وآخرها محاولة إنشاء الحرس الوطني في الداخل المحتل.

وختم: وحدة “دوفدفان” تعاني كما غيرها من وحدات جيش الاحتلال من نقص في العنصر البشري، حيث لا يوجد حافز لدى الشباب في الانضمام للوحدات القتالية مباشرة، وبالتالي بدأت تفقد العنصر القوي والذكي، الذي بات يفضل الانضمام للوحدات التكنولوجية والسايبر، وهو ما يؤدي لفرز عناصر أقل جودة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات