الإثنين 29/أبريل/2024

قوة أمن الاحتلال البشرية.. ثغرة دائمة

قوة أمن الاحتلال البشرية.. ثغرة دائمة

هذه الهوة في أمن الاحتلال لا يمكن جسرها مع مرور الزمن رغم محاولات تشجيع الهجرة لآلاف اليهود من الخارج الذين يصدمون بواقع كيان صِبغَتُهُ أمنيَّةٌ بامتياز.

دائماً تعاني “إسرائيل” من نقص تاريخي في تعداد أفراد أجهزتها الأمنية والعسكرية والشرطية، وتحاول تعزيز قوتها الأمنية في جبهات داخلية وخارجية لكيان يتعرض لتهديدات خارجية وداخلية دائمة.
 
ونشر إعلام الاحتلال مؤخراً أن المئات من عناصر الشرطة أنهوا عملهم خلال الأشهر الأخيرة؛ ما أدى لتفاقم مشكلة القوى البشرية، مبررين الاستقالات الجماعية بسبب أزمة كورونا وضغط العمل والأجور المنخفضة وضغط العمل الكبير خلال عدوان غزة مايو 2021م.

وحذرت مسؤولة القوى البشرية في الشرطة من بروز عجز في تكرار أحداث مايو 2021 أو اندلاع حرب جديدة بغزة، وذلك في ظل تراجع القوى البشرية في أجهزة “إسرائيل” الأمنية.

وتشير تقارير صحفية أن جيش “إسرائيل” يبلغ تعداده 187 ألف جندي نظامي، و565 ألف جندي احتياطي، وفي الترسانة البحرية 19 ألفا و500 جندي مدربون على القتال في البحر.

أما شرطة “إسرائيل” فهي القوة الشرطية المدنية والتي تأسست سنة 1948، ووصل عدد مجنّديها إلى 70 ألف شرطي، وفق تقارير إحصائية على الإنترنت يخدمون في دوائر عديدة للشرطة المدنية.

عزوف عن الخدمة

ما يشهده الكيان في المجتمع ومؤسسات الدولة الأمنية لا يمكن المرور عنه مرور الكرام، فقد ولى زمن تفوق “إسرائيل” المطلق ونظريتها الأمنية القديمة في نقل وحسم المعركة بأرض خصومها.

وذكر إعلام الاحتلال قبل أيام، أنه سجلت 11 حالة انتحار خلال الأشهر الـ6 الأولى من العام 2022م في صفوف الجيش الإسرائيلي، في حين سُجلت 9 حالات في العام 2020.

ويُعيد، محمد مصلح، الخبير في الشؤون الإسرائيلية أزمة الخدمة في المؤسسات الأمنية عامةً إلى ظروف إسرائيلية داخلية تتعلق بالبيئة الداخلية لأجهزة الأمن، لأن رواتب الأفراد فيها ضعيفة.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “يرى الشرطي أن التعليمات والقوانين تهدده مستقبله ومصيره ولا تحميه، وهو يتصدى لمشاكل داخلية مع الفلسطينيين، ويتعرض للمساءلة، فيحاول الهروب من العمل”.

الحديث عن أزمة القوى البشرية في مؤسسات الاحتلال الأمنية والعسكرية ليس جديداً، ورافق الكيان منذ نشأته، فهو جسم غريب قائم على الصراع والحروب الداخلية ومع دول الجوار.

عادةً، لم يتناسب تعداد القوى البشرية مع الحاجة الأمنية والعسكرية، وعانت “إسرائيل” من عجز دائم في مجتمع عسكري وأمني بحاجة لقوة كبيرة لم يوفرها. 

ويرى اللواء يوسف شرقاوي، الخبير في الشؤون العسكرية، أن أزمة الجيش ومؤسسات الأمن تعززت منذ عام 2000م وزادت معها حالات التسرب والانتحار والتخلف عن الخدمة. 

ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “شهدت مدّة ما بعد عام 2000م انتفاضة وعدوانا وعمليات عسكرية كبيرة بغزة والضفة، ثم عدوان تموز 2006م، وحروب غزة 2008-2021م المتكررة”.

وكان رئيس وزراء الاحتلال “نفتالي بينيت” أعلن الشهر الماضي عزمه تشكيل “الحرس الوطني” ليضاف لأجهزة الأمن الإسرائيلية مضيفاً: ” المهمة العليا التي تبتغي حكومة إسرائيل تحقيقها هي استعادة الأمن الشخصي لمواطنيها”. 

وأوعزت الحكومة لهيئة الأمن القومي، التنسيق مع وزارة الأمن الداخلي، بطرح خطة مرتبة لتشكيل حرس وطني- مدني بعد اشتداد موجة عمليات المقاومة في الداخل المحتل، وعجز الشرطة والجيش عن ضبط إيقاع الميدان. 

وشكلت معركة سيف القدس علامة فارقة في الصراع مع الاحتلال، وحين اندلعت مواجهات شملت غزة والضفة والقدس المحتلة وأرض 48 خاصة المدن المختلطة منها، فقد الاحتلال السيطرة الميدانية لمواجهة هبّة شاملة وعارمة.

ثغرة دائمة

وشهدت المدّة التالية لمعركة سيف القدس حالات متزايدة من تسرب الجنود وعزوفهم عن الخدمة العسكرية وتفضيلهم العمل في وحدات استخبارية ومجال السايبر لتجنب التماس المباشر مع المقاومة في الميدان. 

ويعاني الاحتلال من مشكلة في القوة البرية للجيش الإسرائيلي، في حين حافظ تاريخياً على تفعيل سلاح الطيران في حروبه وجولاته العسكرية مع المقاومة والدول العربية وهو يعده الذراع الطولى للجيش الإسرائيلي.

ويؤكد الخبير مصلح أن رفض الأحزاب والجماعات المتدينة خدمة الفتيات في سلك الجيش والشرطة، ووضع تحفظات عديدة على الخدمة العسكرية، يعزز من مشكلة الاحتلال في القوة البشرية. 

وتشجع “إسرائيل” الهجرة لأراضيها كدولة تقوم على مستوى رفاهية كبير، لكن القادمين لها خاصة من فئة الشباب يصدمون -حسب رؤية الخبير مصلح- بأن مجتمعها عسكري وأمني بامتياز.

ويتابع: “تروج إسرائيل أنها دوماً تتعرض لتهديد خارجي وعدو في داخل أرضها، ويستغل المستوى السياسي ذلك لتوحيد الصف الداخلي المتفرق أصلاً، وقد عزز نتنياهو قبيل مغادرته خطاب الكراهية والتحريض فانعكس سلباً على مشهد الاحتلال”.

يبحث سكان “إسرائيل” بكل فئاتهم عن الرفاهية والعيش الرغيد، لذا لا يصمدون أمام تقلبات الحياة الأمنية، ويغادرون بجوازات سفر أجنبية للخارج، فتتعزز مع مغادرتهم ثغرة القوة البشرية.

ويشير الخبير شرقاوي إلى أن أزمة القوة البشرية والعزوف عن الخدمة الأمنية والعسكرية قد تؤدي مستقبلاً لعصيان جزئي مع زيادة تسرب الجيش وترك الخدمة في الشرطة.

ويفقد الاحتلال جزءًا مهماً من قوته البشرية وقدرة الردع مع تضرر سمعة شرطته وجيشه أمام الرأي العام الدولي في حالات مارس فيها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

ويضيف الخبير شرقاوي: “عدوان الشرطة على جنازة الصحفية أبو عاقلة كان حالة ومعركة سيف القدس شكلت حالة أخرى، وهناك نماذج عديدة لتضرر سمعته وأدائه”.

ورغم بلوغ “إسرائيل” رأس الهرم في قوتها العسكرية والأمنية، وانفتاحها السياسي بمعاهدات التطبيع واتفاقيات أخرى، إلا أن القوة البشرية والصراع الديمغرافي سيؤدي في النهاية لانهيارها من الداخل.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات