الأحد 19/مايو/2024

ماذا يلزم المقاومة؟

محمد بلور

بلغت المقاومة بغزة مرحلة الرشد لدرجة تمرّست فيها على ضبط جزء مهم من إيقاع الميدان والعزف باحترافية في جوقة المشهد الميداني المرتبط بالسياسة دون شك.

لن أتحدث عن الأدوات القتالية التي تراكم فيها المقاومة العمل والتطوير وتحسين القدرات وهي تسابق الزمن، فقد أثبتت مضيها بالاتجاه الصحيح في هذه المضمار.

وبدءًا من المشهد العام إقليمياً حول القضية الفلسطينية وصولاً للقلب؛ فإن القضية الفلسطينية تشهد جموداً قد يستمر في العام الجديد 2022م ما لم تحدث تغييرات دراماتيكية دولية بسبب ضعف فواعل المشهد السياسي الفلسطيني مع استمرار الانقسام والتطبيع العربي، وتشتت البرامج السياسية، لأن استشراف واقع القضية حاضراً ومستقبلاً يشي أن مسارها لم يعد بدرجة كبيرة في يد أصحابها، ومتغيرات الإقليم لن تنتظر تحسن المشهد السياسي الفلسطيني لتحدد أجندتها وأولوياتها في نظم علاقاتها مع الاحتلال، بل هي تعمل دوماً وفق مصالحها الاستراتيجية والقومية، وتؤثر مؤخراً سلباً على قضية فلسطين.

لا يجب التعويل كثيراً على إيران أو تركيا وغيرها من الدول؛ فلكل منهم مصالحه وبرامجه، قطعاً ليس للفلسطيني إلا الاعتماد على ساعده، ومراكمة عمله الشعبي المقاوم في صراع الإرادة مع المحتل دون انتظار حراك أحد بشكل خارق أو التأميل على الوقت وتقادم المشهد، فالثابت الوحيد في السياسة هو المتغير.

الحالة الطبيعية لأي شعب يتعرض مع أرضه للاحتلال والاستعمار هي أن يقاوم، وخصوصية احتلال فلسطين له أشكال متعددة فهو “كولونيالي” ونظام تفرقة عنصرية يصاحبه قتل وتهويد واستيطان متصاعد بعد جمع شتات اليهود بدعم أمريكي وغربي، وتسويق بأبعاد دينية يهودية ومسيحية، وإقامة كيان لهم فوق أرض لها تاريخ وشعب ودولة من قبل اسمها فلسطين كان ولا زال.

الأسباب والدوافع قائمة لمقاومة نوع خاص من الاحتلال والاستعمار دون الاستكانة لواقع وتفوق قدرة “إسرائيل” التدميرية وهيمنتها السياسية أو التسليم بالأمر الواقع.

العمل التحرري كان ولا يزال يضم مقاومة شاملة من أدواتها الكفاح المسلح، لكن مقاربة تتقاطع فيها قضية فلسطين مع تجارب حركات التحرر في القرن الماضي سواء في الجزائر ولبنان وفيتنام وجنوب أفريقيا ممن تعرضوا للاستعمار والتفرقة العنصرية تثبت نجاعة العمل السلمي والمقاومة الشعبية كبرنامج شامل وصلت معه شعوب تلك الدول للحرية بمراكمة طويلة وإرادة شعبية تتخطى رؤية وبرامج كامل النخب السياسية، لأنها جوهر الصراع والاحتلال من يومه الأول، يعوّل على الإنسان الفلسطيني قبل كل شيء.

ساحة الضفة والقدس المحتلة وعرب 48 يلزمها تعزيز العمل الشعبي المقاوم، وفعاليات سلمية هي موجودة لكن يلزمها برنامج شامل ومنظم، بل وجزء من العمل الأمني لحماية الظهر حتى تراكم مع الزمن ضد الاحتلال والتظاهر السلمي والعصيان المدني والإضرابات الشاملة لم نصل لها حتى الآن، وتصدير معاناة الأرض والإنسان يصل جزء منها للمحيط على يد فلسطينيين وأحرار منهم حملة المقاطعة BDS لكنهم بحاجة لمزيد من الدعم والعمل لإساءة وجه الاحتلال أخلاقياً وقانونياً، ونشر صورة تفرقته العنصرية والأبارتهايد لكل العالم، وحقيقة الاستيطان المتصاعد هذا بالغ الخطورة لإسرائيل كدولة في مجتمع دولي بدأ يتململ في مناطق، ويصرّح باستيائه في مناطق أخرى منها.

الإعلام المقاوم يحظى بمتابعة ومصداقية، لكن أمامه ساحة رحبة فارغة لمخاطبة الشعوب بلغاتها في دول يشكل فيها الرأي العام عاملاً ضاغطاً على حكومات عليها تبرير سياستها ودبلوماسيتها مع “إسرائيل”.

استعمار المملكة المتحدة للهند هيمن على 450 مليون قبل الرحيل، ووصل لدرجة سحب دماء الهنود من شرايينهم خدمةً للحاكم، وقرى فيتنام كانت تتعرض للإبادة والحرق بأكملها، والجزائر كانت تقدم في مقاومتها الآلاف في اليوم الواحد، وانتصار المؤتمر الوطني الإفريقي على نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا كان يضحي بالآلاف، لكنهم جميعاً وبعد مراحل من تشتت العمل وإيجابيات وسلبيات جولاتهم اعتمدوا البرامج الشعبية المقاومة التي لم تخل من كفاح مسلح لكنها اعتمدت الإرادة مع حمل القضية للمجتمع الدولي الذي تفهم دوله وشعوبه مخالفات الاحتلال والاستعمار، مع إدراكي أن التعويل على نتائج قصيرة المدى لن يتحقق في ظل موازين قوى تتدخل دائماً لمصلحة تهريب “إسرائيل” من دخول قفص الاتهام، لكننا مضطرون للعمل في هذه الجبهة بديمومة وبرنامج منظم حتى لا يكون المشهد مجرد إطلاق نار متبادل تتقن فيه “إسرائيل” تمثيل دور الضحية.

إن أخطر ما يبدو فاعلاً في الوعي حالياً هو إزاحة الانتماء للعمل الوطني على أساس المصلحة المالية لا المنطلق الأيدلوجي، وهذا وعاء تفريغ بامتياز من جوهر العمل الوطني سببه ضعف الأداء السياسي وتدهور أحوال الفلسطيني الاقتصادية بسبب مشاكل مشهدنا الفلسطيني التي لا تخفى على أحد.

كل ما أرجوه مطلع العام الجديد أن نجري مراجعة استراتيجية وتصويب لإخفاقنا في عدة مجالات رغم عظيم التضحية في مجال التضحية والتحدي، فالوقت ليس مبكراً وتمسكنا جميعاً بالثوابت مهم؛ لكن لا يجب التحايل عليه بإفشالنا في العمل السياسي الذي لابد أن يستفيد من مظلمة مقاومة شعبية شاملة.

إرادة الشعب الفلسطيني قفزت للنور في مايو 2021م وعمت فلسطين التاريخية، واستمرار تشتت البرامج والرؤى وعدم وجود برامج مقاومة شاملة سيجري التحايل عليه بتسهيلات اقتصادية محدودة عام 2022م لغزة التي مرشحة للانفجار في أي وقت، وسيرافقه إضعاف للسلطة الفلسطينية في الضفة بشكل يمنح الاحتلال فرصة ممتدة لمواصلة التهويد والاستيطان.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات