الأحد 19/مايو/2024

رُكام.. معرض فني يحاكي دمار العدوان على غزة عام 2014

رُكام.. معرض فني يحاكي دمار العدوان على غزة عام 2014

اختار الفنان والأكاديمي الفلسطيني مَيْسرة بارود اسم “رُكام” لمعرضه الفني، الذي أقامه مؤخراً في المركز الثقافي الفرنسي بمدينة غزة، واستمر شهرًا، عرض خلاله لوحات تحاكي معاناة من دمر الاحتلال منازلهم في العدوان على قطاع غزة عام 2014، بطريقة غير تقليدية.

جعل الفنان بارود من يزور المعرض يعيش أجواء تلك المنازل المدمرة؛ من خلال عرض لوحاته التي تصف تلك المنازل وهي مائلة وآيلة للسقوط، ونصفها مقصوف والآخر يترنح.

وأكد بارود لـ”قدس برس” أن فكرة هذا المعرض جاءت بعد عدوان العام 2014، والذي دمر فيه الاحتلال مئات المنازل والمباني والمؤسسات، وذلك من خلال لوحات فنية تظهر هذا الدمار في شكلها، وكذلك في طريقة عرض هذه اللوحات.

وشدد على أنه كان من الضروري إيجاد طريقة إبداعية، لإظهار حجم الدمار الذي لحق بالمباني والمنازل والبنية التحتية خلال تلك الحرب المدمرة، بعيداً عن لغة الأرقام.

وقال بارود: “حاولت ترجمة الدمار الذي حل بقطاع غزة إبان الحرب عام 2014 إلى لوحات فنية في تشكيلها وعرضها، وإظهار أهالي القطاع وهم يحاولون لملمة ما تبقى من بيوتهم وأفئدتهم المكسورة عقب الحرب المدمرة”.

وأضاف: “بعدما خمدت نار تلك الحرب ذهبت وابنتي (ريتا) التي كانت تبلغ ستةَ أعوامٍ وقتها لتفقد ما تبقى من آثار المدينةِ الحزينة، ولرؤية ما خلّفتهُ تلكَ الحرب من فقدٍ كبير، كان لا يتسنى لأحدٍ معرفة حجمهِ خلال الحرب إلا المفقودينَ وفاقدي البيوت”.

وتابع “تلك البيوت التي كانت ذات يومٍ حنونةً جدًّا على ساكنيها، تُوهمهم أنها ستقيهم من ويلاتِ الحرب وعربدة الطائرات، إلى أن احتضنتهم بشدة من فرطِ خوفها عليهم، محاولة إيفاء وعدها بالحماية، لتكون سببًا في ارتقاء أرواحهم إلى العلياء، فقررتُ آنذاك أن أجعل من الرُكام عنواناً لمعرضي ومحتوى أعمالي”.

وتابع الفنان الفلسطيني: قد يُزالُ الرُكام في غزة، وفي كُل مدينةٍ منكوبةٍ شهدت غارة، ولكن لو أُعيدَ بناء المُدن بأكملها، هل تُخبئُ الأماكن الجديدة في زواياها ذلك الدفء نفسه؟ أتعود الذكريات للمباني الجديدة لمجرد أنها تُشارك القديمة ذات الموقع الجغرافي؟ إجابة السؤال تكاد تكونُ مُؤكدةً بـ”لا”.

“وسام الشجاعة”

ووصفت الفنانة التشكيلية سُمية دبابش هذا المعرض أنه “معرض ثمين مُلهم”؛ من شدة إعجابها به.

وقالت دبابش لـ”قدس برس” خلال زيارتها للمعرض: “لو دخل شاعر هذا المعرض، لزاده شاعرية، ولخرج منه بقصيدته الأحلى، ولو باحثٌ عن السلامِ لزاده سلاماً، ولو حزين لزاده حزناً”.

وأضافت: عند دخول المعرض ستجد قاعة عرض باتت كتلة فنية بحد ذاتها، وذلك من الطريقة الفريدة غير المألوفة التي رتب فيها الفنان لوحاته، وتنسيقها لتظهرَ كأنها نص من عرض مسرحي حزين، أو مقطوعة موسيقية ملحمية.

وتابعت: “تجدُ لوحة يبدو وكأنها فـَقدت جُزءًا منها، ولوحة أخرى آيلة للسقوط تمامًا كالكثير من المباني في غزة الآن، ولوحة ثالثة سقطت بالفعل لتصير معروضة على أرضِ القاعةِ لا جُدرانها”.

وأكدت الفنانة التشكيلية أن الفنان بارود استغل كل الفراغات بطريقة عجيبة، كانت كَفيلة لتُصنفَ المعرض على أنهُ انطلاقة جديدة للفن في غزة، سواء بطريقة التقديم والعرض البانورامية، أو بأسلوب الرسم ذي اللغة المُلتهبة والخطوط التي تصفُ ألمًا دفينًا يشعر به كل غزّي خلال كُل حَرب وعقبها.

وشددت على أن هذا المعرض يستحق تكريم ووِسام الشجاعة؛ لكونه تحمّل ذلك المشهد الدراميّ المأساوي الذي كان قريبًا منهُ جدًّا، أو حتى أنهُ كان يحتويهِ دُون أن يَبكي دَمًا، ويكشف عن أحبالهِ الصوتية ليُسمعَ العالم تنهيدتهُ الأولى.

طريقة جديدة لعرض المعاناة

من جهتها الكاتبة والصحفية مدلين خلة، أكدت أن المعرض مُعبّر كثيرًا عما وقع خلال تلك الحرب، وحجم الدمار الذي لحق بقطاع غزة.

وقالت خلة -التي زارت المعرض- لـ”قدس برس”: ابتكر الفنان ميسرة بارود طريقة جديدة لعرض معاناة الناس من خلال معرض “رُكام” الشبيه بقطاع غزة بعد عدوان العام 2014 بأنه كومة من الرّكام”.

وأضافت أن الركام الذي عبّر عنه الفنان بارود بوصف المباني، لا يساوي شيئاً بالنسبة للركام الذي كان في نفوس سكان قطاع غزة، الذين ظلوا تحت نيران الحرب 51 يوماً.

وطالبت خلة الفنانين بالمزيد من معارض كهذه إبداعية وغير تقليدية؛ لإيصال الصورة الحقيقية لواقع قطاع غزة إلى المجتمع الغربي من خلال الفن.

وبدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 8 تموز/ يوليو 2014، وأطلق عليه جيش الاحتلال عملية “الجرف الصامد”، وردت كتائب عز الدين القسام بمعركة “العصف المأكول” وحركة الجهاد الإسلامي بمعركة “البنيان المرصوص”.

وأظهرت التقارير استشهاد 1742 فلسطينياً، منهم 530 طفلا و302 امرأة، و23 من الطواقم الطبية العاملة في الإسعاف.

ودمر القصف الإسرائيلي للقطاع 62 مسجدًا كليًّا و109 مساجد جزئيًّا، وكنيسة جزئياً، و10 مقابر إسلامية ومقبرة مسيحية واحدة، كما فقد نحو مئة ألف فلسطيني منازلهم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات