السبت 02/نوفمبر/2024

حماس.. بين ثوابت القضية المقدسة والمعادلة الدولية

حماس.. بين ثوابت القضية المقدسة والمعادلة الدولية

في كنانة حماس برنامج سياسي يناطح فيه الكف مخرز العلاقات الدولية في الشرق الأوسط؛ فنهجها في وحدة أرض فلسطين التاريخية، وعدم الاعتراف بشرعية “إسرائيل”، واعتماد الكفاح المسلح يشكل عائقاً أمام قبولها دولياً حركةَ تحرر.

ميزان القرارات الدولية دوماً مائل لجهة الاحتلال؛ فرغم صدور عشرات القرارات من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة من عام 1947م لم ينجح المجتمع الدولي في إجبار “إسرائيل” على تنفيذ واحد منها.

تعلن حماس دوماً عن إستراتيجيتها في ثوابت القضية الفلسطينية، وتمارس المرونة التكتيكية في بقية التفاصيل؛ أملاً في كسر حصار سياسي واقتصادي أراد عزلتها منذ فازت في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006م.

لا ترفض حماس كثيرًا من قرارات الشرعية الدولية، لكنها تطالب بتصحيح المسار السياسي في قضية يناضل فيها شعب من أجل استرداد حقوقه أمام دولة تفرقة عنصرية “أبارتهايد”.

وتكرر رئاسة السلطة الفلسطينية مطالباتها لحركة حماس الاعتراف بكثير من قرارات دولية شرطًا غيرَ مباشر لقبولها في منظمة التحرير الفلسطينية وبقية المؤسسات الوطنية.

لا ترى حماس في “عملية التسوية” التي انطلق قطارها بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال برعاية أمريكية عام 1993م، وأنتجت اتفاق أوسلو نهجاً وحيداً وواحداً في نظم علاقاتها حركةً وطنية مع كيان محتل.

تتمتع حركة حماس بعلاقات مع عدة دول في الإقليم، وقد فرضت نفسها على جزء من معادلة المنطقة في العقدين الماضيين لا يمكن تجاوزه رغم وصفها من كثير من الدول الحليفة للاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية “حركة إرهابية”.

موقف ثابت

بصبر إستراتيجي تحافظ حماس على موقفها الرافض الاعتراف بالاحتلال وشروط الرباعية الدولية القديمة حول وصف المقاومة بـ”الإرهاب”، وقد دفعت نظير ذلك ثمناً باهظاً أوصُدّت أمامها فيه بوابات سياسية، ونالت ثقة وطنية وجماهيرية مع تكرار عدوان الاحتلال.

وتشكل العلاقة الوثيقة بين حماس ودولتي إيران وتركيا كاثنتين من أهم لاعبي السياسة في الإقليم أحد فواعل المشهد السياسي الذي تتدخل كثيراً دولة قطر لضبط إيقاعه.

ويؤكد جورج جقمان، المحلل السياسي، أن رئاسة السلطة تطالب دوماً حركة حماس الاعتراف بكثير من قرارات الشرعية الدولية، وأهمها الاعتراف بدولة “إسرائيل” كمقدمة لدخول أروقة منظمة التحرير الفلسطينية. 

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “هناك غموض في موقف رئاسة السلطة؛ هل المقصود قرارات 242 و338؟! حماس وافقت سابقاً على حل الدولتين وهدنة طويلة، الحقيقة أن السلطة لا تريدها في الضفة ولا منظمة التحرير، وتخشى أن تعيد حكومة أمريكا والكونجرس تصنيف المنظمة بمشاركة حماس كمنظمة إرهابية”.

قاطرة الحوارات منذ عام 2005م لم تصل للمحطة الأخيرة حول إصلاح المؤسسات الوطنية الفلسطينية، وعلى رأسها المجلس الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية، ودمجها مع حركة الجهاد الإسلامي سيشكل تغييراً جوهرياً في الصراع مع الاحتلال.

قبل أشهر عطلت رئاسة السلطة ملف الانتخابات “التشريعي والوطني والرئاسة” بدعوى رفض الاحتلال إجراء الاحتلال الانتخابات في القدس، لكنّ مراقبين للمشهد ألمحوا أن تعطيل عباس للانتخابات مردُّه خشية فوز حماس المرجَّحة.

ويقول مصطفي الصواف، المحلل السياسي: إن حماس لا ترفض من قرارات الشرعية الدولية إلا التي تتعارض مع حقوق الشعب الفلسطيني ورفضها الاعتراف بدولة الاحتلال يعود لحقها في استرداد فلسطين المعروفة دولياً قبل حلول نكبة 1948م.

ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “لحماس الحق في أن تكون جزءًا من منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن ليس وفق رؤية عباس ولا وفق الاستجابة لقرارات دولية، وحماس تسعى لتكون جزءًا من مؤسسات وطنية مع بقية الفصائل الفلسطينية”.

وترى حماس أن عباس يحاول وضع العصي في الدواليب، وهو يشترط اعترافها بما اعترفت به منظمة التحرير الفلسطينية التي وقعت في فخ اتفاق أوسلو الذي لم ينجح في إعادة أي من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

كسر العزلة

وعلى قاعدة “الثابت الوحيد في السياسة هو المتغير”، ترى حماس أن انسداد الأفق السياسي أمام موقفها الذي يواصل ممارسة المقاومة الشعبية بأشكالها كافة لن يكون مؤبداً، وأن الشعوب المحتلة انتزعت حقوقها بثبات وطول تضحية.

فوز حماس بانتخابات المجلس التشريعي عام 2006م ببرنامج سياسي مخالف لبرنامج حركة فتح التي تهيمن على منظمة التحرير أدى بعد طول سجال وخلاف إلى انقسام ممتد وعزلة حماس في غزة.

ويشير المحلل جقمان إلى أن حماس تريد كسر عزلتها بغزة ورفع الحصار، وأن كثيرًا من الأوراق السياسية التي وضعت رؤية لكسر الحصار لا تزال تصطدم برفض أمريكي-إسرائيلي يريد البقاء عليها معزولة.

وتعرضت غزة لجولات عدوان وتصعيد من عام 2006-2021م رفض الاحتلال عقب كل جولة منها الالتزام باتفاق وقف عدوانه، وفتح المعابر، وإقامة مشاريع ومنافذ حيوية مهمة للحياة الاقتصادية بغزة.

ويؤكد المحلل جقمان أن عدداً من الدول لديها تواصل دبلوماسي مباشر مع حماس وهناك مواقف متطورة من حماس لدول أوروبية تصطدم بالرفض الأمريكي-الإسرائيلي دوماً، لذا تجمدت ساعة التغيير حتى الآن.

البون الشاسع في برنامجي حماس وفتح السياسيين وواقعها في إطار الانقسام بين غزة والضفة أطال مسافة اللقاء بين سلطة تحاول جرّ حماس لمربع التسوية المتعثّر المعترف بكيان الاحتلال ورؤية حماس المقاومة لاحتلال لا يفهم إلا لغة القوة أولاً.

وتعد وثيقة حماس الصادرة عام 2017م تجديداً لميثاقها الصادر عام 1988م، وهي تخاطب العالم من حولها في ملفات أرض وشعب فلسطين، والقدس، والمسجد الأقصى، واللاجئين وحق العودة، والموقف من الاحتلال والتسوية، والمقاومة والتحرير.

ويبيّن المحلل الصواف أن حماس لديها خطاب سياسي موجه للمجتمع الدولي والإقليم، وتحاول العمل بثبات إستراتيجي في ملف القضايا الجوهرية لفلسطين، وتكتيك مرن في بقية التفاصيل، لكن طريقها شاقّة.

وتلتزم حماس كما أعلنت مراراً بسياسة عدم التدخل في شؤون الدول من حولها والتركيز على مقارعة الاحتلال في حدود فلسطين التاريخية رغم محاولات الزجّ دوماً باسمها في مشكلات عربية لتشويه طريقها المعاند للاحتلال.

الإزاحة في الممارسة السياسية للمجتمع الدولي وهي تقرأ حماس عدوًّا لـ”إسرائيل” يرفض الاعتراف بها ليس سهلاً، وتغيير القناعة الدولية بحقوق ترفعها حماس إلى جوار فصائل العمل الوطني بحاجة لجهد كبير يعانده الواقع السياسي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات