الثلاثاء 21/مايو/2024

اشتباك جنين.. هل تعود المقاومة لشوارع الضفة؟!

اشتباك جنين.. هل تعود المقاومة لشوارع الضفة؟!

ما وقع في جنين وأسفر عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين، اثنان منهم من أفراد السلطة الفلسطينية، برصاص القوات الخاصة الإسرائيلية -الليلة الماضية- في شارع الناصرة قابل للتكرار؛ فعدوان الاحتلال يشتد عقب عدوان غزة. 

وكانت قوة خاصة إسرائيلية اقتحمت مدينة جنين لاعتقال من تتذرع بأنهم مطلوبون لها، وهما جميل العموري وأنس أبو زيد، واللذان اختبأا قرب مبنى للاستخبارات العسكرية الفلسطينية، وبعد اشتباك بالأسلحة استشهد 3 فلسطينيين. 

وأعلنت وزارة الصحة عن استشهاد أدهم ياسر عليوي (23 عاما) وتيسير محمود عيسى (33 عاما) وجميل العموري، وإصابة أنس أبو زيد بجراح خطيرة قبل اعتقاله.

وتفتح عملية الاحتلال في جنين الباب أمام دوافع وأسباب عودة الاشتباك مع أفراد أجهزة السلطة الذين شارك المئات منهم في فعاليات المقاومة خلال انتفاضة الأقصى في الضفة المحتلة.

وكان أفراد أجهزة أمن السلطة شاركوا في كثير من عمليات المقاومة بالضفة المحتلة خلال انتفاضة الأقصى خاصّةً في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، وتعرضوا للقتل والاعتقال حتى خفت دورهم بعد عام 2006م.

دفاع عن النفس

اعتادت أجهزة أمن الاحتلال استباحة جميع مدن وبلدات الضفة والقدس المحتلة متجاوزة بذلك القانون، ومستفيدة من حالة التنسيق الأمني التي تركت لها اليد العليا في تحديد أولوياتها الأمنية والعسكرية.

ويرجع اللواء يوسف شرقاوي، الخبير العسكري، ما وقع من عملية قتل مباشرة لأفراد أجهزة أمن السلطة في جنين إلى حالة جنون ورغبة انتقام تمارسها قوات الاحتلال بعد عدوان غزة في مايو الماضي.

وأوضحت وزارة الصحة بالضفة وجهاز استخبارات السلطة الفلسطينية أن الشهداء هم الملازم أدهم ياسر توفيق عليوي (23 عاما)، والنقيب تيسير محمود عثمان عيسة (33 عاما) من جهاز الاستخبارات والأسير المحرر جميل محمود العموري من مخيم جنين، كما أصيب محمد سامر منيزل البزور (23 عاما) من جهاز الاستخبارات بجروح حرجة. 

يحمل الفلسطيني -الرازح تحت عدوان واحتلال مستمر من “إسرائيل” في داخله- عقيدة مقاومة ترفض المحتل سواء كان من أفراد أجهزة السلطة أو مواطن عادي؛ ما يعني أن الأسباب والدوافع قائمة لحالة الدفاع عن النفس والاشتباك المرجح في أي وقت.

ويضيف الخبير شرقاوي لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “أجهزة أمن السلطة ليست في حالة حرب مع إسرائيل، وينطبق عليها القانون المدني، وما وقع هو انتقام إسرائيلي. أنا ضد اشتباكهم مع إسرائيل، لكنهم دافعوا عن أنفسهم”.

وتدعي أجهزة أمن الاحتلال أن الشهداء نفذوا عمليات إطلاق نار في أسابيع سابقة ما يعيدنا إلى مشهد ملاحقتهم وتصفيتهم التي كانت ممتدة خلال سنوات انتفاضة الأقصى، وتدحرج الميدان الآن بالضفة والقدس يرشح بيئة الضفة لتكرار ما جرى مع شهداء جنين.

ويقول مصطفى الصواف، المحلل السياسي: إن أي إنسان في الضفة المحتلة يتعرض للاعتداء طريقه الوحيد هو الدفاع عن النفس سواء كان مقاومًا أم عاملًا في أجهزة السلطة.

ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “ما جرى هو قتل عمد، ووجب عليهم الدفاع عن أنفسهم؛ فالعملية في مقامها الأول دفاع عن النفس، ومقامها الثاني دفاع عن الشعب الفلسطيني”.

عقيدة باطلة

لم تفلح جهود الجنرال “كيث دايتون”، وهو ضابط أميركي عمل منسقاً أمنياً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعينته عام 2005 الإدارة الأميركية، ونشط في النشاطات الأمنية للسلطة، وتوجيهها لحرف العقيدة الأمنية والعسكرية لأجهزة السلطة حتى تنال من المقاومة وتخدم منظومة أمن الاحتلال.

اعتاد الاستعمار تاريخياً حرف بوصلة الصراع بين الشعوب المحتلة ومحتليها في تقبل بقائه، بل وتحريف قيمه الوطنية في النظر لدوره ومستقبله، وفلسطينياً فشل في تجسيد مشهد يخدمه منذ أكثر من 90 عامًا. 

ويشير الخبير شرقاوي إلى أن الثورات الفلسطينية من عام 1936م وحتى عام 2021م أنتجت فئة محدودة موالية للاحتلال البريطاني والإسرائيلي، لكنها كانت حالات شاذة ومرفوضة وواجه الاحتلال والاستعمار مقاومة شعبية ومسلحة لم تنقطع.

ويتابع: “فشل دور شخصيات قليلة حاولت التعاون مع الاحتلال البريطاني مثل راغب النشاشيبي في الثلاثينيات وتجاوزهم الشعب، ولم تستفد السلطة من تجربة أوسلو التي حافظت على أمن الاحتلال، والآن لا يزال الشعب بمقاومته وجميع أجهزة السلطة يرفضون شرعية الاحتلال”.

ويرى الخبير شرقاوي أن الجنرال “دايتون” نجح بدرجة محدودة في طريقه لتحييد توجه الفلسطيني أينما كان في أجهزة السلطة للدفاع عن نفسه وشعبه، لكن الهوة لا تزال قائمة بين محتل ومحتلين يتعرضون للعدوان الدائم.

وتستمر حالة من عدم التكافؤ في القدرات الأمنية والعسكرية بين أجهزة السلطة الفلسطينية والاحتلال، لكن أذرع المقاومة الفلسطينية وأشهرها كتائب القسام وسرايا القدس وسابقًا نسبيًّا كتائب شهداء الأقصى أزعجت أمن الاحتلال.

ويصف الخبير شرقاوي رأس المقاومة الفلسطينية بأنه الآن في غزة، ويشكل نموذجاً مصغراً من تجربة (هانوي) في فيتنام أثناء الاحتلال الفرنسي 1946-1954م، والتي كانت ظهيراً للمقاومة الفيتنامية مع المحتل.

وتكشف تكرار حالة الاشتباك بين الفلسطيني والاحتلال سواء كانت مواطناً مدنياً أم عاملاً في أجهزة السلطة فشل كل ما عمله الجنرال “دايتون” وواصله خلفاؤه لسنوات لإبطال روح المقاومة والدفاع عن النفس، ورغم مرور منحنى المقاومة بالصعود والهبوط إلا أنه مستمر.

ويؤكد المحلل الصواف أن المشهد الميداني بالضفة المحتلة يعيش حالة عدوان متراكمة، وأن ما وقع في جنين قابل للتكرار على يد أي فلسطيني، وأن تدحرج الميدان يشكل قانون السلوك هناك.

لا استسلام

انتهى شهر العسل في المشهد اليومي الذي وفّر للاحتلال استقراراً أمنياً لسنوات طويلة حتى زاد العدوان على القدس وانتفضت الضفة والقدس والداخل المحتل، وتلتها غزة في معركة سيف القدس.

الساحة الأقرب للانفجار دوماً هي غزة، لكن المطلوب في الضفة المحتلة -حسب رؤية الخبير شرقاوي- هو الاستفادة من دروس انتفاضة الأقصى وتأسيس كفاح منظم وشعبي بنمط متجدد ودائم.

ويضيف: “ليس المطلوب الاحتجاج فوق أرض قائمة على المصادرة ثم الاكتفاء بذلك؛ بل استمرار مقاومة شعبية. هذا لن ينجح في سياق تنسيق أمني يجهض ديمومة المقاومة الشعبية”.

أما المحلل الصواف فيرجح تصاعد حالة الاشتباك بين أفراد من أجهزة السلطة والاحتلال في الضفة إلى أن مبررات الدفاع عن النفس وعدم الاستسلام حاضرة في عقيدة الفلسطيني.

ورغم استباحة الاحتلال الخطوط الحمراء كافة في الضفة وتنفيذ عمليات قتل واعتقال متصاعدة إلا أن عملية جنين تشعل الضوء الأحمر أمام عودة عمليات مقاومة ربما تأخذ شكلاً نظامياً إذا استمر المشهد الميداني على حاله.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات