السبت 27/أبريل/2024

غزة تتخطى 2019 بمقاومة صامدة وعدوّ حائر

غزة تتخطى 2019 بمقاومة صامدة وعدوّ حائر

ما بين تصعيد يجليه صمود المقاومة وحيرة العدو الإسرائيلي، وهدوء حذر يفصل جولات الصراع والممانعة.. هكذا تخطت غزة عام 2019 بأيامه الثقيلة بالأوجاع، ومرارات الحصار الإسرائيلي، وظلم عقوبات السلطة الفلسطينية.

يتناول “المركز الفلسطيني للإعلام” في هذا التقرير وضمن ملفات حصاد عام 2019، جولات التصعيد في قطاع غزة وصمود المقاومة الفلسطينية فيها، وقدرتها على ردع الاحتلال وكسر شوكته.

الجولة الأولى
أولى جولات التصعيد اندلعت في 25 آذار 2019 بعد سقوط صاروخ بشكلٍ مفاجئ من قطاع غزة على “تل أبيب” وتسبب بإصابة 7 إسرائيليين، دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الصاروخ.

الجولة الثانية
واندلعت جولة ثانية بعد شهرين من الأولى، في الثالث من مايو 2019 كانت أكثر حدة، واستمرت 4 أيام، شنت خلالها “إسرائيل عشرات الغارات وارتقى خلالها 24 مواطنًا وأصيب 154 آخرون.

وكان مسبب تلك الجولة هو إقدام “إسرائيل” على تنفيذ عملية اغتيال هي الأولى منذ انتهاء عدوان 2014، بقتل القائد الميداني في كتائب القسام حامد الخضري، وزعمت أنه يمتلك شركة صرافة ويحول أموالا لحركة حماس.

وخلال التصعيد، دمرت “إسرائيل” 72 مبنى بشكل كامل، في حين دمرت بشكل جزئي 131 مبنى.

وردت المقاومة الفلسطينية العدوان ببسالة منقطعة النظير، حيث قصفت مستوطنات الاحتلال بـ 600 صاروخ أسفرت حسب اعتراف الاحتلال عن مقتل 5 إسرائيليين، وإصابة العشرات، واعترف الاحتلال بأن صندوق التعويضات الإسرائيلي تلقى 754 بلاغا عن أضرار.

الجولة الثالثة
وتفجرت الجولة الثالثة في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، واستمرت 3 أيام، بعدما اغتال جيش الاحتلال، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا وزوجته في قصف استهدف منزله في قطاع غزة.

وخلال أيام التصعيد، شنت “إسرائيل” عشرات الغارات، ما أدى إلى استشهاد 34 فلسطينيّا وإصابة 111، في حين أطلقت المقاومة أكثر من 360 قذيفة من قطاع غزة على مستوطنات الكيان، بينها نحو 60% سقطت في مواقع مفتوحة، بحسب زعم جيش الاحتلال. 

سخونة بين الحين والآخر
وبجانب جولات التصعيد الثلاث الرئيسية، شهد جانبا الحدود سخونة بين الحين والآخر على شكل إطلاق صواريخ في غلاف غزة يعقبها قصف إسرائيلي مركز لمواقع الفصائل بلا إصابات، في حين بقيت مسيرات العودة، وما يرتقي فيها من شهداء وجرحى، حاضرة خلال العام.

وقال مركز الميزان لحقوق الإنسان: إن قوات الاحتلال نفذت 54 عملية توغل محدودة في غزة خلال 2019، في حين أسفرت اعتداءاتها المتعددة في الفترة من 1 يناير/ كانون الثاني 2019 حتى 11 ديسمبر/كانون الأول 2019، عن استشهاد 108 فلسطينيين، وإصابة 5690 آخرين، الجزء الأكبر منهم أصيب خلال قمع مسيرات العودة.

مسببات
الكاتب أسامة يوسف يقول في مقال له: لم يكن للقيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية أن تتعاطي مع جولات تصعيد محدودة، وتسعى جاهدةً للحيلولة دون تطورها إلى حرب شاملة، لولا تبدل الأحوال في قطاع غزة، وبروز متغيرات إقليمية وبدرجة أقل دولية متعددة الاتجاهات بتعقيداتها وتشابكاتها، وربما أيضاً لحسابات داخلية سياسية وحزبية أثقلت الساحة الإسرائيلية في السنوات القليلة الماضية. 

يضيف: ربما يكون منطق التسويات التي اعتادت عليها “إسرائيل” بوساطة مصرية أو أممية حديثا، ولم يكن هو الأساس في تعاطي المؤسسة الأمنية بالتحديد خلال العقود السابقة مع غزة وفصائلها.

“فكان جيش الاحتلال الإسرائيلي سبّاقاً في حروبه على الدول العربية وفي حملاته العسكرية على طريقة الحروب المصغرة بين الحروب الكبرى، وكانت نوايا “العدو” بالنسبة لإسرائيل، أو تزود أحد الجيوش العربية بعتاد عسكري نوعي، أو فعل مقاوم نوعي من حركات المقاومة الفلسطينية عبر الحدود، كفيل بقرار سريع يترجم عملياً إلى حرب موسعة أو عملية محدودة”. 

يتابع: “هذا المنطق انسحب على قطاع غزة طيلة سنوات انتفاضة الأقصى تقريباً حتى عام 2012، غير أن جُملة من المتغيرات تراكمت خلال العقد الأخير أرخت بظلالها على صورة المشهد الإسرائيلي العام، وعلى واقع المقاومة في قطاع غزة، وعلى مركبات القوة والمخاطر المحيطة بـ”إسرائيل”، أفضت بالضرورة وبقرار سياسي وعسكري إلى سلوك حذر ومتردد أحياناً في التعامل مع تطورات الأحداث في غزة”.

عوامل
وتحدث الكاتب عن عوامل عدة، بدأها بـمتغيرات متعلقة بـ”إسرائيل”، وخلص إلى أن الاحتلال قدم التحدي القادم من الشمال كأولوية وتهديد وشيك، وأجل مسألة قطاع غزة رغم أنه جغرافياً أقرب إلى خاصرة الكيان من لبنان، وغلّب التسويات على الحرب المفتوحة.

السبب الثاني -وفق الكاتب يوسف- وربما هو الأهم؛ يتعلق بالمقاومة في قطاع غزة، والتي باتت تشكل عنصر ردع نسبي للاحتلال من الانجرار نحو حرب مفتوحة، وتغليب التهدئة ووقف إطلاق النار عليها.

وأكد أنه إذا ما قرر جيش الاحتلال شن حرب شاملة ضد غزة، فإنه لن يكون قادراً على تغيير الواقع في القطاع إلا بحملة برية واسعة تستمر عدة أشهر تستوجب بالضرورة الدخول إلى كل شارع وحي ومخيم والقتال في كل شبر، وهو من الناحية النظرية ممكن.

يكمل الكاتب: “غير أنه على أرض الواقع قد يكون غير عملي، لأن هذه الحملة، وحسب التقدير الإسرائيلي المتواضع، ستتسبب في خسائر بشرية، على الأقل 500 عسكري إسرائيلي قتيل وآلاف الجرحى، عوضاً عن الخسائر المادية المباشرة وغير المباشرة. وحسب نفس التقدير، “فإن المجتمع الإسرائيلي غير قادر على تحمّل خسائر بشرية بهذا الكم”.

وتحدث عن متغيرات المقاومة في غزة، واعتباراتها الداخلية وأسبابها الإقليمية التي ترجح معها التجاوب مع عروض التهدئة، ونظراً لأن حالة الحصار منذ سنوات هي أحد بواعث تفجّر الأحداث، فإن عروض التهدئة ووقف إطلاق النار لم تكن كافية، فالمطلوب كان تخفيف الحصار المضروب على مليوني فلسطيني منذ 13 عاماً، من خلال السماح بتصدير البضائع، وإدخال الأموال، والسماح بدخول الأصناف الممنوعة التي يطلق عليها الاحتلال “الأصناف مزدوجة الاستخدام”، وهو ما تمثل في ترتيب تسويات جزئية تضمن تخفيف الحصار في مستويات معينة.

وقال الكاتب يوسف: “لم تكن فصائل المقاومة متحمسة لحرب شاملة، رغم أن العروض الإسرائيلية لم تكن كافية، وكان من اليسير على الإسرائيليين التخلي عنها. وتعد المتغيرات الإقليمية ربما السبب الأهم في إيجابية التعاطي مع الجهود المصرية والأممية، فقد ازدادت وطأة الحصار على القطاع في سياق ارتدادات هجمة الثورة المضادة.

وأشار الباحث إلى التداعيات السلبية لإنجازات الثورة المضادة، وغياب الحلفاء لقطاع غزة كساحة للمقاومة.

“وبالتالي، فإن المقاومة في غزة فضلت التسويات في هذه البيئة الإقليمية المعادية التي تجلت في اتفاقيات التهدئة خلال العامين الماضيين، لأن المقاومة وفي أي صراع مفتوح مع إسرائيل لن تجد حلفاء حقيقيين في الإقليم، بل أعداء ربما يلحّون على إسرائيل لتصفية حسابها بالكامل مع المقاومة الفلسطينية في غزة”. يقول الكاتب.

ومضى يقول: “ومن ناحية أخرى، فإن للمقاومة الفلسطينية أيضاً حساباتها الأخرى بعد أن تضع الحرب أوزارها، والتي ستخلف آلاف الشهداء والجرحى، وتدميرا كبيرا للبنية التحتية، وللأراضي الزراعية، وبيوت المواطنين، وهو ما تجسد في حرب عام 2014، التي ما زال 10% من المنازل المدمرة بالكامل بفعلها لم تنل نصيبها من الإعمار، لغياب الدعم المالي الذي وُعدت به غزة، فكيف سيكون حال قطاع غزة مع الحرب بعد سنوات طويلة من الحصار والفقر وارتفاع نسب البطالة؟”.

وأكد أنه وعلى  ضوء هذه المتغيرات، فإن الاحتلال الإسرائيلي الذى اعتادت مؤسسته العسكرية حسم الحروب سريعاً، وفي زمن قياسي خارج النطاق الجغرافي للكيان، يواجه واقعاً إقليمياً استراتيجياً لا ينسجم مع واقع سنوات ما قبل العقد الثاني من القرن الحالي، فقد تشكل واقع “ناري” من آلاف الصواريخ يحيط بالكيان، دفع بمحللين ومراكز أبحاث وسياسيين إسرائيليين، ربما لأول مرة في تاريخ الدولة العبرية، إلى اعتبار أن تهديداً وجودياً حقيقياً يحيط بالكيان، وهذا ما يفسر التردد غير المعهود في الإسراع نحو خوض الحروب والانخراط في الصراعات الكبرى.

يختم الكاتب قائلا: “ينتهي عام 2019 وسياسة اللا سلم واللا حرب مع ترجيح التسويات الجزئية في غزة هي سيدة الموقف، بما يتلاءم مع الواقع الجديد الذي فرضته المتغيرات الخاصة بإسرائيل وفصائل المقاومة التي تمت الإشارة إليها”.

“ومن بين تفاصيل هذه التسويات الجزئية يمكن التكهن بسياسة دولة الاحتلال تجاه غزة، والتي هي امتداد للسنوات القليلة الماضية، وتتمثل في الحيلولة دون الوصول إلى حالة حرب مفتوحة، والاكتفاء بجولات تصعيد محدودة، والتي تنتهي في العادة بتهدئة، وإبقاء حالة الحصار على القطاع مع بعض التسهيلات” ولكن من دون رفعه بالكامل في انتظار تحقيق تسوية شاملة أو تهدئة طويلة”.

ولكن يجب التأكيد على أن الحالة الأمنية للقطاع قد تتبدل في أي لحظة وفقاً لأحداث ميدانية غير مخططة، أو لصراع إقليمي قد يندلع يصل شرره إلى القطاع، وفقا للكاتب.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات