السبت 27/أبريل/2024

كريات أربع .. سرطان يؤرق الفلسطينيين في الخليل صباح مساء

كريات أربع .. سرطان يؤرق الفلسطينيين في الخليل صباح مساء

عشية عيد الفصح اليهودي من عام 1968 كانت معاول اليهود الصهاينة تشق طريقًا لبناء أول مستوطنة في جبل الخليل بعد احتلال سلطات الاحتلال للمدينة عقب حرب عام 1967، كان البعد والأهداف أيديولوجية؛ حيث يعتقد غلاة المستوطنين أن نبي الله إبراهيم عليه السلام هو يهودي، وأن المسجد المقام باسمه في المدينة (المسجد الإبراهيمي) هو كنيس يهودي.

ضمن هذا الفهم العنصري المتطرف، بدأت قصة مستوطنة كريات أربع، التي كانت ولا تزال سرطانا يؤرق الفلسطينيين في مدينة الخليل صباح مساء؛ حيث مصادرة الأراضي، والاعتداء على الأحياء العربية، والاستيطان في قلب المدينة، وارتكاب المجازر وقتل العشرات من الفلسطينيين.

الجذور والنشأة

في العاشر من أيار عام 1968م قدم إلى مدينة الخليل نحو 73 مستوطنًا بقيادة الحاخام (موشيه ليفنغر) ونزلوا في فندق (بارك) على مدخل المدينة، والذي كان يعرف عند سكان المدينة فندق النهر الخالد الذي تعود ملكيته لآل القواسمي، ظنًّا منهم أن هؤلاء سائحون أجانب، وسرعان ما أعلنوا عن نيتهم البقاء في الفندق بدعم من قوات الاحتلال، وأدخلوا بعض المقاعد لإقامة طقوس تلمودية، وتطور الأمر لقيام جيب عسكري صهيوني لمرافقة المستوطنين عند خروجهم ودخولهم من وإلى الفندق، ما دفع أصحاب الفندق إلى إخراجهم وطردهم، وقامت سلطات الاحتلال الصهيوني بإسكانهم في بناية بالقرب من مقر الحاكمية العسكرية لجيش الاحتلال.

كانت حكومة حزب العمل التي يقودها ( ليفي أشكول) تعمل جاهدة على تجذير الاستيطان في الضفة الغربية كركيزة للاحتلال الصهيوني، وكان وزراء حكومته وفي مقدمتم وزير الحرب شمعون بيرس ووزير المالية إيغال ألون من أكبر الداعمين للاستيطان في الخليل، وقد ساهمت قوات الاحتلال بحماية المستوطنين ومساعدتهم في السيطرة على تلة جبلية في المنطقة الشمالية الشرقية للمدينة التي شكلت نواة لمستوطنة كريات أربع، والتي باتت من أكبر مستوطنات الضفة الغربية.

تهويد الخليل

في عام 1968، أقرت الحكومة الإسرائيلية بناء مدرسة دينية في الخليل، لتستقطب وتجلب دعاة التهويد والاستيطان، وقد شجعت زيارة المستوطنين المستمرة لمنطقة المسجد الإبراهيمي، على تحويل جزء منه إلى غرفة صلاة، تمهيدًا للسيطرة على المسجد وجواره. وفي أيلول من عام 1968، سمحت سلطات الاحتلال للمستوطنين بإقامة كنيس، مقابل المسجد الإبراهيمي؛ وتعد هذه الخطوة الأولى في خلق واقع جغرافي يهودي داخل مركز المدينة، وفي نفس العام، فتحت قوات الاحتلال مدخلاً وطريقًا جديدًا إلى المسجد الإبراهيمي، وأقامت نقاط مراقبة عسكرية حول المنطقة.

ويؤكد خبير شؤون الاستيطان عبد الهادي حنتش، أن حكومات حزب العمل كانت داعمة للاستيطان في الخليل وجلب المستوطنين بقوة، فيقول: “جلبت قوات الاحتلال الصهيوني غلاة المستوطنين للسكن في مستوطنة كريات أربع وتصدرت حركة “غوش أمونيم” عملية دعم الاستيطان وتشجيعه في الخليل، كما دعمت أحزاب عنصرية يمينية في الكنيست ذلك، مثل حزب “هتحيا” و”حركة موليدت”، وقد دعم هذا الاتجاه زعيم “حركة كاخ” العنصرية الحاخام (مئير كهانا)، فيما فاز في انتخابات الكنيست اثنان من مستوطني كريات أربع، وهما أليعيزر فلدمان وإلياكيم هعتسني لدعم الاستيطان وتنميته”.

وأضاف حنتش في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “أقام المستوطنون داخل مستوطنة كريات أربع مراكز حيوية كثيرة، منها معهد ديني، ومطبعة كبرى، ومراكز ثقافية دينية كبرى وأخرى رياضية، ومركز تجاري كبير للتسوق ومراكز حيوية، ومنطقة صناعية صغرى، حتى باتت أشبه بمدينة صغيرة”.

مذبحة الإبراهيمي

كان لوجود مستوطنة كريات أربع في الخليل الأثر الكبير في نشر المزيد من الجرائم والقتل ضد الفلسطينيين، والتي توِّجت بمجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994م؛ حيث ارتكب الإرهابي “باروخ غولدشتاين” أحد رموز المعهد الديني في كريات أربع، مجزرة مروعة ضد المصلين المسلمين، راح ضحيتها نحو 40 شهيدًا ومائتي جريح من المسلمين، وذلك بهدف الهيمنة على مدينة الخليل وتهويدها. ويرى الباحث الحقوقي هشام الشرباتي أن الهدف من المجزرة نشر الرعب في نفوس سكان البلدة القديمة من الخليل، وتهجير السكان منها وفرض وقائع صهيونية جديدة على الأرض.

 وأضاف الشرباتي في حديث خاص لمراسلنا: “عقب المجزرة قسم الحرم مكانيًّا وزمانيًّا وفرضت وقائع أمنية جديدة على الأرض، وتم الاستيلاء على الكثير من المنازل العربية وتحولت البلدة القديمة من الخليل إلى بؤر استيطانية كبرى وثكنات عسكرية”.

الاستيطان في قلب المدينة

تمكن غلاة المستوطنين من سكان كريات أربع وتحت حماية الجيش الصهيوني من الامتداد والتوسع في قلب الخليل، واحتلال العديد من المواقع لتصبح سرطانًا قاتلاً في قلب الخليل؛ حيث يؤكد رئيس بلدية الخليل “تيسير أبو اسنينة” أن هدف حكومة الكيان الصهيوني تهويد الخليل والسيطرة على مراكزها الحيوية.

ويضيف لمراسلنا: “بعد إقامة مستوطنة كريات أربع عنوة على أطراف الخليل، بدأت سياسة الاستيطان والتوسع نحو قلب المدينة؛ فكانت هيمنتهم وسيطرتهم بالقوة على مدرسة الدبويا في قلب شارع الشهداء، والتي أطلقوا عليها (بيت هداسا) وتم استيطانها، ومن ثم السيطرة على مدرسة أسامة بن المنقذ في منطقة باب البلدية القديمة وتسميتها (بيت رومانو) واستيطانها، وكذلك مستوصف الإخوان المسلمين واستيطانه، ومحطة الباصات المركزية وتل الرميدة، بفعل غلاة المستوطنين من كريات أربع، تحول قلب الخليل إلى مجموعة من البؤر الاستيطانية التي حولت حياة الفلسطينيين إلى عذاب”.

المناطق الصناعية

في إطار سياسة الاستيطان والتوسع، يعتزم الكيان الصهيوني إقامة منطقة صناعية جديدة في مستوطنة كريات أربع في الخليل جنوب الضفة الغربية، وقد وضع وزير الاقتصاد الصهيوني (إيلي كوهين) الثلاثاء الماضي حجر الأساس للمنطقة الصناعية الجديدة بمشاركة رئيس المستوطنة (ملاخي ليفنغر)، وتبلغ مساحة المنطقة الصناعية 100 دونم، وتقع مقابل المنطقة الصناعية القائمة في ذات المنطقة، وفي الأشهر المقبلة، ستبدأ أعمال البناء في المنطقة الجديدة بتكلفة 10 مليون شيقل، وستشغل مئات العمال.

وقد كشف تقرير إسرائيلي يتصل بالاستيطان، نشرته صحيفة هآرتس، أن الاحتلال لا يعمق سيطرته على أراضي الضفة الغربية المحتلة عن طريق مخططات البناء الاستيطاني المعلنة التي تلقى إدانات دولية فحسب، وإنما يستخدم أساليب أخرى بعيدة عن الأضواء وعن الإدانات الدولية تحت مسميات “إقامة مناطق صناعية”.

وأفاد التقرير أنه خلافًا لإقامة الوحدات السكنية في المناطق ج، “C”، من الضفة، فإن إقامة وحدات تجارية لمناطق صناعية لا تلفت الأنظار الدولية ولا تستدعي توجيه انتقادات لسياسة الاستيطان المتواصل.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات