الثلاثاء 21/مايو/2024

المركز يناقش مستقبل السلطة.. ما هي سيناريوهات الحياة والموت؟

المركز يناقش مستقبل السلطة.. ما هي سيناريوهات الحياة والموت؟

تتجه الأنظار غدًا الخميس إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة، التي سيلقي فيها رئيس السلطة محمود عباس، خطابا وصف بالمهمّ والمفصلي، حسب تصريحات مسؤولين في السلطة ومنظمة التحرير و”فتح”، فيما لا يتوقع المراقبون أن يختلف عن سابقيه.

عضو اللجنة المركزية لحركة فتح جمال محيسن، قال في تصريحات صحفية قبل أيام: إن خطاب عباس سيشير إلى الهجمة الأمريكية و”الإسرائيلية” التي يقودها الرئيس الأمريكي ترمب، وتدمير “إسرائيل” عملية السلام وكل التفاهمات والاتفاقات بين الجانبين.

وسيعقد عباس بعد العودة من الأمم المتحدة، جلسة للمجلس المركزي لمنظمة التحرير، لوضع آليات وإطار زمني لتنفيذ قرارات المجلس السابقة، حسب ما هو معلن.

وبات مستقبل السلطة في الضفة الغربية المحتلة، محل جدل بعد ربع قرن من توقيع اتفاق “أوسلو”، الذي كان من المفترض أن ينتهي بقيام دولة فلسطينية مستقلة، بعد مدة انتقالية خمس سنوات.

ففي خطابه السابق الذي ألقاه في الجمعية العمومية عام 2017، جدد عباس تمسكه بحل الدولتين، ولوّح في الوقت نفسه بحلّ السلطة لإجبار “إسرائيل” على تحمل مسؤوليتها القانونية دولةَ احتلالٍ.

وفي مطلع الشهر الجاري، أبدى عباس خلال استقباله وفدا من حركة “السلام الآن الإسرائيلية”، موافقته على مقترح أمريكي بإنشاء كونفدرالية مع الأردن بشرط أن تضم “إسرائيل” أيضا، وهو ما لقي استياء ورفضا فلسطينيا وأردنيا كبيرا.

إزاء هذا الواقع، تبدو سيناريوهات مستقبل السلطة رهينة التطورات السياسية، وما تخطط له الإدارة الأمريكية و”إسرائيل”، فيما تغوص قيادة السلطة بترددها، دون أن تمتلك زمام المبادرة.

الشوبكي: خيارات مفتوحة

ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخليل الدكتور بلال الشوبكي، أن هناك سيناريوهات عديدة لمستقبل السلطة، ويعود ذلك لكون القوى الفاعلة تعمل في أكثر من مسار، ما يجعل الخيارات مفتوحة على كل الجهات.

وقال لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: إن ما يجرى الآن استكمال لسلسلة حلقات بدأت في نهاية الثمانينيات، وتوّجت باتفاق أوسلو وما تلاه، ويتلخص ذلك بتحويل القضية الفلسطينية من قضية سياسية، إلى قضية إنسانية معيشية لا تحتاج إلى دولة لإدارتها.

ويتوقع الشوبكي أن يعمَل تدريجيا على تحويل مؤسسات السلطة من مؤسسات دولة إلى مؤسسات إدارية، وهناك عدة سيناريوهات في هذا المجال.

أحد السيناريوهات المحتملة هو أن يُضغَط على الفلسطينيين للقبول بكيان ممسوخ، ليس له أي صلاحيات سياسية، “لكن هذا السيناريو مستبعد حاليا”، رغم وجود رغبة إسرائيلية بإحالة السلطة إلى مجموعة إدارات محلية.

السيناريو الثاني، بحسب الشوبكي، أن تبقى هذه المؤسسات لكن دون أي صفة تمثيلية للفلسطينيين، وأن تنسّق السلطة مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي في الشؤون المدنية.

ومن ذلك ما كرّسته “إسرائيل” خلال السنوات الأخيرة من علاقة مباشرة مع الفلسطينيين في الشؤون المدنية، وأوجدت جهات تنسيقية، لكي يدرك المواطن أن التنسيق مع الاحتلال يسهّل حياته بشكل أفضل، وتنشأ شريحة من الفلسطينيين لا تجد حرجا في التعامل مع الاحتلال.

أما السيناريو الثالث، فهو مسار حل القضية إقليميًّا، وهو -برأي الشوبكي- أقوى السيناريوهات المطروحة؛ فلا تبقى السلطة مسؤولة وحدها عن الأمن بالضفة، مع عدم إمكانية قبول سلطة “إسرائيلية” على الضفة مع حل الدولتين.

ومن هنا جاء الحديث عن الكونفدرالية مع الأردن، والهدف منها إنجاح حل الدولتين؛ لأن التخوف “الإسرائيلي” من حل الدولتين يكمن في كون السلطة عاجزة أمنيا، ولذلك هي بحاجة إلى ضامن إقليمي يتمثل بالأردن من خلال الكونفدرالية.

ويلفت الشوبكي إلى أن ما يعزز هذا التوجه هو أن الأمر الجوهري الوحيد في مقترح الكونفدرالية هو الأمن، فتصبح الأردن هي المسؤولة عن الأمن، ما يطمئن “إسرائيل” على عدم المساس بأمنها.

وأشار إلى أنه في الوقت الذي تعمل فيه “إسرائيل” وأمريكا على عدة سيناريوهات، فإن قيادة منظمة التحرير ليس لديها أي سيناريوهات، وهي عاجزة عن رسم أي مسار جديد، وتكتفي بالمناورة في مساحة ضيقة جدا، بالتعويل على تبدل الظرف السياسي الإسرائيلي والأمريكي.

ولفت إلى أن بعض قيادات فتح، فرديًّا، تعيد إنتاج أطروحات قديمة مثل طرح نبيل شعث، الداعي لتبني خيار المنظمة لعام 1969، وهو الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة على فلسطين كاملةً، لكن لا يمكن عدَّ الطرح جديا دون تداوله في أروقة منظمة التحرير.

وفيما يتعلق بإمكانية أن يحمل الخطاب المرتقب توجها جديدا لعباس، رأى الشوبكي أن الخطابات شيء، وما يطبق على الأرض شيء آخر.

ولفت إلى أن عباس في خطاب سابق هدد بالعودة للمطالبة بالحقوق السياسية والمدنية كافة على الأرض الفلسطينية جميعها، إذا لم تقم دولة على حدود 67، لكن على الأرض، حتى قرارات المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني وتجميد العلاقة مع الاحتلال، لم تنفَّذ.

وقال: إن قيادة المنظمة لم تقدم مسارات ولا سيناريوهات جديدة، وفي كل مرة تصر على المفاوضات وحل الدولتين، وهذه نقطة ضعف.

ويؤكد الشوبكي أنه يجب تبني استراتيجية جديدة في التعامل مع الاحتلال؛ أولًا داخل فتح، ثم التوافق مع بقية الفصائل، ثم في منظمة التحرير، لكن في الواقع ليس هناك توازن داخل المنظمة، فإن أرادت فتح شيئا؛ فسيطرح داخل المنظمة.

استمرار الوضع الحالي

من جانبه يرجح المحلل السياسي خليل شاهين استمرار الوضع على ما هو عليه دون تغيير يذكر، وبقاء السلطة؛ لأن في ذلك مصلحة مشتركة لجميع الأطراف ذات العلاقة.

ويستند شاهين في ذلك إلى جملة من العوامل، وأهمها أن السلطة لن تُقدم على خيارات تنطوي على مواجهة، وأن من مصلحتها البقاء كما هي، مع محاولة تحسين بعض الاتفاقات السابقة، خاصة في الجانب الاقتصادي.

ويرى بأنه لا تزال هناك مصلحة “إسرائيلية” ببقاء السلطة، خاصة في مجال التنسيق الأمني، وفي الوقت نفسه هناك مصلحة عربية، وأوروبية، وأمريكية.

وقال لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: إن ما رشح عن خطاب عباس المرتقب، هو أنه سيؤكد على عدة مواقف باتت معروفة، وتتمثل برفض صفقة القرن، ورفض الإجراءات الأمريكية و”الإسرائيلية” المتعلقة بالقدس واللاجئين.

وربما يعيد الحديث عن عدم القبول باستمرار السلطة بلا سلطة وسحب صلاحياتها، وعن اتخاذ قرارات تتعلق بإعادة النظر بالعلاقة مع “إسرائيل”.

ورغم ترجيحه بقاء الأوضاع على حالها، إلا أن شاهين يعتقد أن لا يستمر الوضع على ما هو عليه إلى الأبد، وقد تتطور الأمور إلى مواجهة ميدانية مع الاحتلال في ظل الهجمة الاستيطانية في الضفة والقدس.

والسيناريو الثاني هو أن تتقدّم الإدارة الأمريكية بخطتها، وهذا ما قد يدفع عباس لتنفيذ بعض القرارات التي قد تقود لمواجهة سياسية وربما ميدانية، تؤدي بالتالي إلى انهيار مؤسسات السلطة، لكن هذا الاحتمال يبقى ضعيفا جدا، لأن جميع الأطراف معنية ببقاء السلطة.

أما السيناريو الثالث، أن يتوجه عباس لتنفيذ بعض القرارات التي لوّح بها تحت شعار “الانتقال من السلطة إلى الدولة”، وهذا يتوقف على تطورات المصالحة والتهدئة في غزة.

وبيّن أن تنفيذ تلك القرارات، ومن ضمنها حل المجلس التشريعي وإحالة سلطاته وصلاحياته إلى المجلس المركزي، يترتب عليه تغيير في بنية السلطة، ويعمق الخلافات الفلسطينية الداخلية، ويؤدي إلى الانتقال من الانقسام إلى الانفصال.

ويوضح “شاهين” أن بقاء الوضع على حاله يتطلب وجود عملية سياسية، ولهذا فهو يرجح أن يعمَل على إيجاد عملية سياسية ما، لتضييع الوقت، حتى لو لم تتوصل إلى حلول، خاصة في ظل فرض وقائع على الأرض تمنع قيام دولة فلسطينية.

وما يعزز ذلك هو أن عباس لم يعلن عن تخليه عن خيار المفاوضات، بل أعلن أنه مستعد لمفاوضات سرية أو علنية، أي أنه لم يغير خياره الرئيس الذي يسير به منذ ربع قرن، رغم وصوله لطريق مسدود.

وأعرب شاهين عن اعتقاده أن عباس يحاول النزول عن الشجرة التي صعد إليها في علاقته مع إدارة ترمب، من خلال حديثه عن استعداده لعملية سياسية ترعاها اللجنة الرباعية الدولية.

وهذه الصيغة ستكون النافذة التي تدخل من خلالها إدارة ترمب لاستعادة رعايتها الحصرية للعملية السياسية، يكون دور اللجنة الرباعية فيها شكليًّا.

وفيما يتعلق بمرجعيات المفاوضات، لفت شاهين إلى أن عباس لم يغفل أن تكون صفقة ترمب مرجعية أي عملية سياسية، وهناك بعض الإشارات من الإدارة الأمريكية التي قالت إن قضايا الحل النهائي لا تزال مفتوحة للتفاوض بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”.

وفي حال استئناف المفاوضات، قال شاهين: إننا قد نشهد عملية سياسية زائفة وشكلية، ستكون بالنسبة لعباس الأداة المطلوبة لاستمرار بقاء السلطة.

  

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات