الثلاثاء 21/مايو/2024

مساحة الممكن

حيدر المصدر

من الخطأ التعامل مع تاريخ 15 مايو كأنه حد زمني فاصل، يختصر بين ثناياه كل المراحل. ومن الخطأ تصديره كإنطلاقة لشكل نضالي جديد، وانسلاخ غير صريح عن آخر قديم. ومن الخطأ-لا بل الخطيئة- أن نلج طريقاً، لا نعلم أين المساق وكيف المستقر. قد يسير عشرات الآلاف بإتجاه الخط الحدودي، وقد يتمكن آلاف منهم تخطيه، ثم، ماذا بعد؟… هل سيتشبثون بكل متر يسلكونه؟ أم سيمضونها نزهة وينصرفون؟ وكيف السبيل إلى تلبية رغبة وطنية، وإشباعها إلى الحد المرضي؟ وهل من الممكن الإنتقال من حالة جماهيرية إلى سياسية، تجني ثماراً معقولة؟ أسئلة تتقاطع في الذهن، وتستدعي الخوض فيها بعيداً عن رتابة التقليد. فنحن لا نعلم ما الذي سيحصل تالياً، كما لا ندري ردات فعل “إسرائيل”، ونتساءل حول ما في جعبتها من تكتيكات لإحتواء التاريخ وتداعياته؟

إن أي جهد شعبي فلسطيني، يرفع لافتة عظيمة كحق العودة، مطالبة التحصن بأقصى ما تستطيع، كي تضمن استمراريتها، والأهم فعاليتها وتأثيرها، لتحفز قدرتها على تحقيق مكاسب ملموسة، حتى وإن لم تبلغ مستوى كلمات اللافتة. القرارات الدولية تنص صراحةً على حق المهجرين العودة إلى ديارهم، كما تنص على ضرورة انسحاب “إسرائيل” من أراض إحتلتها عام 67. إذاً، القانون بجانبنا، ولكن ماذا عن مقاربتنا له؟ مشكلتنا التاريخية، أننا لا نجيد ترويض القانون، أو مهارة مزجه بالفعل الميداني. لم نعهد على أنفسنا السير بخطى متوازية، تلك التي تجمع بين الشعبي والحزبي والقانوني والسلمي والعسكري….. لقد تعودنا الطريق الواحدة، ولازلنا في طور إكتساب ما أيقنه “الفيتناميون” قبل أربعين عاماً أو يزيدون. لقد أدرك صانعي الفرق سالفاً، أن السلمية بمفردها فخ، والعسكرة المنعزلة إستنزاف، والقيادة دون الشعب خائنة، والشعب دون قيادته أرعن. تفوقوا على أنفسهم عندما قاربوا المستحيل بالممكن، ذلك الذي يرى الإعجازي المتعذر متاحاً، بقليل من الحكمة.

لابد لمسيرات العودة من إستراتيجية واضحة، تحدد أهدافها بدقة، وتخاطب الممكن وإن بدا مستعصياً. فحدود قطاع غزة الحقيقية تبلغ 555 كيلومتر مربع، من أصل 365، فأين الــ190 المتبقية؟ قد يفهم الكثير إشارتي، وقد نلج في دوامة الخيال والواقعية، الأحلام والبرغماتية، الحكمة والتطرف. يا قوم “الجبارين”، إن إستعادة المتبقي ليس مستحيلاً، واستقراركم في مساحة المُتخَيل، ممكن. دعونا ننظر للمعادلة بميزان مقلوب. فالفعل عندما ينشط من أسفل إلى أعلى، لا تملك معه القيادة إلا التجاوب، لتصوغ استراتيجيتها وفق ما تحدده الجماهير، بعد أن تفرض عليها حدود وشروط المستحيل والممكن في السياسة. فإن كنتم تجزعون من فكرة الــ190، فكيف بفكرة كامل فلسطين. أم أن التفكير بالتمني صار نهجاً لا نستطيع له تجاوزاً.

15ايار/مايو ليس هدفاً بحد ذاته، ولكن ما يكشفه من مقاصد هو المبتغى. تقديرات وتحضيرات “إسرائيل” لا تتجاوز التاريخ نفسه، وتعتقد أن نهايته بمغيب شمسه. الحكمة ضالة المؤمن، ولأنه أحق بها، فلتنصبوا خيامكم ولتستقروا في مساحة غزة التاريخية، وليعالج الساسة تداعيات صنيعكم، علهم يقعون-كما علق صديقي ضاحكاً- على وسيلة، يمارسون بها ضغطاً، يعيدون به المتبقي، ويحققون للجماهير مساحة عيش، تؤهلهم للمضي قدماً نحو المستحيل التالي. وإياكم وتجاوز تلك المساحة، كي لا تقلق الأمم المتحدة، راعية تطبيق القرارات الدولية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات