عاجل

الثلاثاء 21/مايو/2024

شمال الضفة.. المقاومة التي تخشى إسرائيل لهيبها

شمال الضفة.. المقاومة التي تخشى إسرائيل لهيبها

ثلاثة شهور مضت من العام الحالي، وفي كل شهر منها سُجّلت عملية نوعية في الضفة الغربية المحتلة، قتل فيها جنود ومستوطنون، كان القاسم المشترك بين ثلاثتها أن مسرحها هو شمال الضفة.

توالي العمليات في شمال الضفة، وإن كان أغلبها عمليات فردية، إلا أنه يشعل مخاوف أجهزة الأمن الصهيونية التي تعرف جيدا ماذا يعني أن يدخل الشمال بقوة في المقاومة بشقيها المنظم والفردي.

وتتوافر في شمال الضفة عوامل عدّة تتيح إمكانية تنفيذ عمليات تستهدف المستوطنين، الذين يتحركون على الشوارع بين المدن والقرى، وإيقاع خسائر محققة في صفوفهم.

وتخشى دوائر الأمن الصهيونية من أن نجاح العمليات التي ينفذها مقاومون باستخدام أدوات بسيطة في إيقاع خسائر بشرية في صفوف الجنود والمستوطنين، من شأنه أن يشجع غيرهم، حتى من أولئك الذين ليس لديهم ماض أمني، للقيام بعمليات مشابهة.

هذا السيناريو يفرض تحديا أمنيا كبيرا على الاحتلال، ويُفقد المستوطنين الإحساس بالأمان، ولعل هذا ما يفسر التهديدات التي أطلقها قادة الاحتلال بعد عملية الدهس في برطعة، ومنها التهديد بإعدام منفذ العملية علاء كبها وهدم منزل عائلته.

شعلة المقاومة

يشكل شمال الضفة بمحافظاته الست، ثقلا سكانيا وجغرافيا كبيرا نسبيا، انعكس أثره على زخم العمل المقاوم، وفي العقود الماضية كان لهذا الجزء من الوطن دور لا يخفى في إذكاء لهيب الانتفاضات والهبّات الجماهيرية.

ففي أواسط التسعينات من القرن الماضي، خرجت من شمال الضفة أعنف العمليات الاستشهادية التي هزت كيان الاحتلال، ومنها عمليات الثأر لمجزرة الحرم الإبراهيمي، ومن بعدها عمليات الثأر المقدس لاغتيال المهندس يحيى عياش.

ومع انطلاق انتفاضة الأقصى عام 2000، كان شلال الدم النازف بغزارة في المواجهات اليومية بشمال الضفة، إلى جانب كل أرجاء الأرض الفلسطينية، وقودا لاستمرار الانتفاضة ومنع انطفائها كسابقاتها من الهبّات.

ومع دخول انتفاضة الأقصى مرحلة العمل المقاوم المنظم، كان للشمال الريادة في ذلك، ومنه خرجت أكبر العمليات الاستشهادية على مدى عام ونصف، وأكبرها عملية فندق بارك عام 2002، التي كانت العامل الحاسم لإعادة احتلال الضفة عبر ما سمي بحملة “السور الواقي”.

ولطالما شكا قادة الاحتلال ومسؤولوه العسكريون من المعضلة الأمنية التي يشكلها شمال الضفة، لا سيما نابلس وجنين، اللتين وصفهما شارون بـ”منبع الإرهاب واللتين نالتا نصيب الأسد من جرائم الاحتلال بحملة “السور الواقي”.

وفي عام 2015، جاءت عملية بيت فوريك التي قتل فيها مستوطنان قرب مستوطنة “ايتمار” شرق نابلس، لتشعل حرب العمليات الفردية التي عرفت باسم “انتفاضة القدس”، والتي لا زالت مستمرة حتى الآن، رغم خفوتها حينا واشتدادها أحيانا أخرى.

أساليب شتى اتبعتها أجهزة الأمن الصهيونية لشل العصب المقاوم في الضفة عموما، كان تركيزها على الشمال واضحا، وتراوحت ما بين الأساليب العنيفة المعتادة، والأساليب غير المباشرة والهادفة لصرف اهتمام الأجيال الشابة عن قضايا شعبها ووطنها.

كيّ الوعي المقاوم

ويتفق كثير من المراقبين على أن من أهم أهداف حملة “السور الواقي”، إلى جانب الدافع الانتقامي والأهداف العسكرية، كان كيّ الوعي المقاوم للشعب الفلسطيني، عبر تعمّد ارتكاب أبشع الجرائم في شمال الضفة، لتكون رادعا لباقي مدن الضفة.

أما الأساليب غير المباشرة، فتمثلت بإغراق الشباب بالتسهيلات ورفع الحظر الأمني، والذي أخذ في الآونة الأخيرة شكل حملات يُعلن عنها منسق أعمال حكومة الاحتلال “يوآف مردخاي”، وتستهدف مناطق وقطاعات عرفت بأنها حواضن للمقاومين، كمخيم بلاطة وجامعة النجاح بنابلس.

كما كان لأجهزة أمن السلطة دور مؤازر لمساعي الاحتلال لإخماد لهيب الشمال، ووجدت هذه الأجهزة في أحداث الانقسام وما تلاها من حسم عسكري في غزة عام 2007، ذريعة لإكمال ما بدأه الاحتلال بضرب حواضن المقاومة، عبر مسلسل تكاملت فيه الأدوار.

ورغم أن ملاحقات السلطة للمقاومة والمقاومين امتدت لكل مدن الضفة، لكن تركيزها على الشمال كان واضحا، واتخذت أشكالا عدة.

فإلى جانب التصفية الجسدية، والاعتقال والتعذيب، ومصادرة السلاح والأموال وإغلاق المؤسسات والاستيلاء عليها، كانت حكومة سلام فياض، وبالتعاون مع الجنرال الأمريكي “كيث دايتون”، تحاول صناعة ما عرف بـ”الفلسطيني الجديد” الذي لديه القابلية للتعايش مع محتلّيه.

كما عملت على تحييد المئات من المقاومين في شمال الضفة، خاصة من كتائب شهداء الأقصى، عبر الحصول على “عفو” عنهم من الاحتلال ووقف مطاردتهم، وتفريغهم إلى الأجهزة الأمنية.

وتأتي عمليات المقاومة في شمال الضفة خلال الشهور الأخيرة، لتضع علامات استفهام حول مدى نجاح الاحتلال بإخماد لهيب المقاومة، تماما كما هو حال المقاومة الفلسطينية عموما، فلا يكاد تخفت في منطقة، حتى يشتد أوارها في منطقة أخرى.
 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات