السبت 27/أبريل/2024

هل تحرم أونروا 992 ألف لاجئ بغزة كوبونة الحياة؟

هل تحرم أونروا 992 ألف لاجئ بغزة كوبونة الحياة؟

بينما كانت الشمس قد خلعت لتوها ذيول الظلام، وارتدت حلتها المشرقة، كان أبو أحمد يتفقد بطاقته الشخصية وبطاقة المؤن أو هوية اللاجئ التي تصدرها وكالة “أونروا”، ويتأكد من وجود الكوبونة التي أصدرتها له الوكالة.

وارتدى أبو أحمد على عجل ثوبه المعتاد ليلحق أول الدور في الطابور أمام “المؤن” -مجمع مخازن ملحق به مكاتب مخصص لاستقبال اللاجئين الأشد فقرا في المجتمع وطلباتهم لتلقي المساعدات الغذائية-.

وما إن وصل بعد مشوار طويل قطعه مشيا على الأقدام من منزله على الطرف الشمالي لمخيم الشاطئ، لتوفير الشيكل ثمن التوصيلة بالسيارة للمؤن، حتى وجد الطابور طويلا كطول معاناته، وكأن الناس قد اصطفوا حتى قبل خروج الشمس من مخدعها.

طابور على حافة الكرامة

ساعات قضاها أبو أحمد في انتظار استلام الكوبونة، مثله مثل المئات من اللاجئين الذين تناسلوا من بيوتهم المهترئة لاستلام الكوبونة الغذائية التي تعينهم على الحياة في زمن العيش المر، وأجواء الحصار التي تلف غزة كما تلف الأم وليدها.

وبدأت “أونروا” بصرف المساعدات الغذائية لجميع اللاجئين منذ تولت الأمم المتحدة مسؤوليتهم في أعقاب تهجيرهم من بيوتهم في فلسطين المحتلة سنة 1948.

لكن ومع تحسن الأحوال المعيشية للاجئين في أواخر الثمانينيات بدأت الأونروا بتقليص صرف هذه المساعدات، وقصرت صرفها على الحالات الأشد فقرا.

وبدأت الأعداد التي تتلقى هذه المساعدات من الأونروا تتزايد تزايدا مضطردا مع تزايد وطأة الحصار المفروض على غزة منذ 2007م.

وتحتوي السلة الغذائية التي يتلقاها اللاجئون على الدقيق، السكر، الأرز، الزيت، اللحوم المعلبة، والحليب المجفف.

كابونات للبيع

حمل أبو أحمد كيساً من الدقيق واتجه به إلى حيث تقف العربات وسائقي التكتك تمهيداً لنقله إلى منزله، إلا أن أبو أحمد نبش جيوبه نبشا بحثا عن الأجرة للسائق فلم يجد، فاتجهت أنظاره إلى حيث يقف تجار شراء الكوبونات، وعرض عليهم بعضا من الأرز والحليب ليستطيع تغطية بعض المصاريف وعلى رأسها أجرة التوصيل.

اللاجئ (أبو عيسى) كانت تعلو محياه ابتسامة حزينة وهو ينهى نقل حاجياته، حيث قال إنه كان ينتظر تسلم الكوبونة بفارغ الصبر، لأن الدقيق ومختلف الأنواع الأخرى نفذت من منزله قبل شهر ونصف، وأنه كان يرسل إلى جيرانه لتوفير الخبز الحاف لأولاده.

رغم أن “الكوبونة” التي تقدمها “الأونروا” صفراء، أي أنها مضاعفة، إلا أنها لا تكفي حاجة أسرته ذات العشرة أفراد طيلة ثلاثة أشهر، إلا أنه يعد يوم استلامها يوما سعيدا لأنها بمنزلة مساعدة كبيرة تعينه على سد رمق أطفاله، إلا أنه يضطر لبيع بعضها للتجار لتغطية مصاريف عائلته المتعددة والتي لا تغطيها “أونروا”.

المؤن بين عد بلفور ووعد العرب

أما المسن أبو هادي (70عاماً) والذي كان يستمع أثناء الانتظار في الطابور الطويل إلى إحدى الإذاعات المحلية من جهاز راديو صغير وهي تتحدث عن الذكرى الـ 70 لقرار التقسيم، قال بلهجة ساخرة وهو ينتظر تسلم “الكوبونة”، عمري 70 سنة كعمر النكبة، وما زلنا نحن ننتظر وعد العرب بالعودة والتحرير.

وعن سبب توجه البعض لبيع الكابونة قال (أبو هادي): يا ولدي الحياة ليست طعام وشراب فقط، وحتى الطعام المصروف في الكابونة لا يغطي حاجة الناس، فالأسر بحاجة إلى التسوق من الخضار والفاكهة التي لا توفرها الوكالة، وأضاف: للناس مصاريف أخرى كتغطية فواتير الماء والكهرباء ومصاريف الأولاد والجامعات إلخ.

مشاهد من النكبة

وتشكل مشاهد توزيع “الكوبونات” حالة اللجوء في أبهى تجلياتها المأساوية التي يعيشها اللاجئون في المخيمات، حيث يقع مقر توزيع (المؤن) على الطرف الجنوبي للمخيم الذي يقطنه نحو مائة ألف لاجئ.

تجار الكابونات

تركنا الطابور وتوجهنا لنسأل تجار الكابونات عن سبب بيع اللاجئين للكابونات رغم حاجتهم الماسة إليها، حيث أجابنا خالد الحسن -اسم مستعار-: إن بعض الناس يبيعونها لأنها لا تغطي احتياجاتهم، فيبيعونها لشراء أشياء أخرى، وبعضهم لا يفضلون تناولها لرداءة نوعيتها، فيبيعونها للحصول على أصناف أخرى، وآخرين يبيعونها لتغطية مصاريف عوائلهم وأبنائهم في المدارس والجامعات.

وأضاف تاجر آخر أن اغلب المستفيدين في هذه الأيام لا يرغبون في بيع الكابونة لتدهور الأحوال الاقتصادية وحاجتهم الماسة لبعض مكونات الكابونة الاساسية مثل الطحين والسكر والسيرج، وهذه مكلفة لدى الأسر الفقيرة فهي لا تستطيع شراءها في غالب الأيام لذلك تنتظر موعد الكابونة بفارغ الصبر.

ورغم الربح البسيط الذي يكسبه تجار الكابونات، إلا أن ضيق العيش جعلهم يتكاثرون حول (المؤن) ثم زحفوا إلى داخل المخيم ففتحوا بسطات ومحلات مخصصة لبيع هذه الكابونات التي تجد إقبالا من الناس نظرا لثمنها المنخفض عن مثيلاتها في البقالات.

باب عمل وارتزاق

ويفتح تسليم الأونروا للكابونات باب رزق لكثير من المهن الأخرى مثل تجار الكابونات، سائقي العربات التي تجرها الحيوانات والتكاتك، وحتى سائقي سيارات الأجرة الذين ينقلون اللاجئين المستفيدين من الكابونات من وإلى المؤن.

تدهور مستمر في أوضاع اللاجئين

وبحسب مسح للفقر أجرته وكالة الغوث 2017م، فقد انخفض الوضع المعيشي للاجئين، حيث يعيش أكثر من 363 ألف لاجئ، أي نحو ثلث اللاجئين المسجلين في فقر مطلق، فيما يعيش أكثر من 629 ألف لاجئ منهم ضمن فئة الفقر المدقع يشكلون نحو 119 ألف أسرة، فيما بلغ عدد المستفيدين من المساعدات الغذائية التي تقدمها الأونروا مع نهاية سبتمبر 2017، أكثر من 993 ألف لاجئ يشكلون أكثر من191 ألف أسرة.

وتشهد لوائح اللاجئين الطالبين للمساعدات من الأونروا زيادة مضطردة، فيما بلغ العدد الكلي للمستفيدين من مساعدات الأونروا عام 2014م أكثر من 823 ألف لاجئ، بلغ هذا العام 2017م أكثر من 993 ألف لاجئ، بزيادة بلغت 170 ألف لاجئ.

كما أن ما يزيد عن 50% من أطفال القطاع يعانون من أمراض فقر دم وسوء التغذية، في حين أظهر التقرير السنوي لوكالة الغوث أن نسبة الأطفال الذين يعانون من نقص الوزن بلغت نحو 3%.

ويذكر أن تعداد اللاجئين في القطاع بلغ نحو مليون ومائتي ألف، أي ثلاثة أرباع السكان وبلغت معدل الزيادة السنوية 3% وهي أعلى نسبة زيادة بين أوساط اللاجئين.

الأونروا تجيب وتتجاهل

وعندما توجهنا بالسؤال للمكتب الإعلامي لـ”أونروا” عن سبب لجوء الكثير ممن يتلقى هذه المساعدات إلى بيعها، وعن وجود إحصائية لنسبة هؤلاء إلى العدد الكلي الذي يتلقى المساعدة، قالت الوكالة إنها تحرص على الحصول على التغذية الراجعة من المنتفعين؛ حيث كان آخرها التواصل مع عينة من المنتفعين التي أظهرت أن عدد الأسر التي تبيع بعضا من مكونات السلة الغذائية قليل جدا مقارنة مع العدد الإجمالي للمنتفعين، وكان التبرير لتغطية بعض من احتياجاتها الملحة.

لكن أونروا تجاهلت الإجابة عن سؤال يتعلق عن سبب امتناعها عن صرف مساعدة نقدية إضافة للمساعدة العينية للفقراء كي لا يضطروا لبيع المساعدات بأقل من قيمتها السوقية، ولمساعدتهم على تسيير شؤون حياتهم في ظل تزايد حالات الفقر المدقع، بما أن بعض اللاجئين يبيعون مضطرين هذه المساعدات لأنها لا تغطي احتياجاتهم.

باحث اجتماعي يكذّب الأونروا

وفي لقاء غير رسمي مع أحد الباحثين الاجتماعيين العاملين في الأونروا أفادنا أن استطلاع الرأي لعينة من المنتفعين الذي أجرته الوكالة أظهر أن عددا كبيرا من المنتفعين يبيعون الكابونات الغذائية التي يحصلون عليها من الأونروا، كما أثبت الاستطلاع عدم رضاهم عن نوعية التغيير في محتويات المواد الغذائية التي استبدلتها الأونروا والتي وصفتها بالتحسين بينما هو تدهور، مشيرا إلى أن معلبات السردين التي تصرف في الكابونة تباع خمس علب منها بشيكل واحد لرداءتها.

الحاسوب يصرف ويمنع

وعن الشكاوى المستمرة من اللاجئين من قطع المساعدات عنهم أفاد الباحث بأن أونروا ألغت دور الباحث ووضعت نظاما محوسبا يعدّ هو الآمر الناهي وبناء على النظام المحوسب يتم صرف أو حجب الكابونة عن الفقراء، فيما يقتصر دور الباحث على جمع البيانات عن الفقراء فقط، وأكد الباحث أن النظام المحوسب صرف كابونات للكثيرين من غير المستحقين وحجبها عن مستحقيها.

المصدر: دائرة شؤون اللاجئين في حماس – بتصرف- 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات