السبت 27/أبريل/2024

ماذا تريد إسرائيل من الضفة الغربية؟

ماذا تريد إسرائيل من الضفة الغربية؟

تبدو حكومة الاحتلال في سباق مع الزمن لفرض رؤيتها لمستقبل الضفة الغربية المحتلة، متسلحة بضوء أخضر ودعم سياسي أمريكي غير مسبوق في علانيته ووضوحه، في وقت ينشغل فيه الإقليم بصراعاته وتحالفاته، فيما تراوح جهود المصالحة الفلسطينية مكانها.

فما لبث الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن أعلن اعترافه بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الكيان، وعزمه على نقل سفارة بلاده إليها، حتى تسارعت وتيرة الإجراءات “الإسرائيلية” الهادفة لتحديد مصير الضفة بشكل منفرد، ووفق الرؤية الإسرائيلية التي مفادها: “لا دولة فلسطينية في الضفة”.

وعلى الأرض، تصاعدت المشاريع الاستيطانية في طول الضفة وعرضها، وأعلنت الحكومة “الإسرائيلية” عن خطط لبناء آلاف الوحدات السكنية الاستيطانية في الضفة.

ساحة حرب أخرى فتحت كان ميدانها هذه المرة الكنيست الصهيوني، والذي صادق مطلع العام الجديد على قانون “القدس الموحدة”، والذي يمنع التفاوض على أي جزء من القدس إلا بموافقة غالبية نيابية استثنائية لا تقل عن ثمانين عضوا من أصل 120.

واختتم أعضاء حزب الليكود، الذي يقود الائتلاف الحاكم، العام المنصرم بالتصويت على قرار داخلي يلزم الحزب بفرض القانون “الإسرائيلي”على مستوطنات الضفة، ما يعني في حال إقراره في الكنيست، إضفاء صبغة قانونية على المستوطنات وضمها لـ”إسرائيل”، في مخالفة للقانون الدولي.

ويمهد هذا القرار لضم كامل الضفة مستقبلا، وليس فقط المستوطنات، وذلك بضم مناطق “C” التي تمثل 62% من مساحة الضفة.

إجهاض الدولة
ويقول مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية بالقدس خليل التفكجي، إن الخطوة التي أقدم عليها حزب الليكود من شأنها أن تُجهض فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، وتحول التجمعات السكانية إلى “كانتونات” متناثرة تحاصرها المستوطنات والطرق الالتفافية.

ويؤكد التفكجي في حديثة لـ“المركز الفلسطيني للإعلام” أنه وفقا للرؤية الإسرائيلية، لا وجود لشيء اسمه “دولة فلسطينية”.

ويبين أنه في حال ضم  المستوطنات فإنها ستتوسع بشكل كبير ومتسارع، حيث ستخضع لقرارات الحكومة الإسرائيلية، وليس للإدارة المدنية أو مجلس المستوطنات، كما هو الحال الآن.

وهذا سيؤدي إلى نشوء دولة القبائل والعشائر بالضفة، وفق رؤية المؤرخ الصهيوني “مردخاي كيدار”، حيث تدار عن طريق العشائر والقبائل، بشكل أسوأ من روابط القرى التي حاول الاحتلال إنشاءها في السبعينيات، وفشل في حينه.

ويضيف أن الدولة الفلسطينية ستكون عبارة عن تجمعات فلسطينية محاطة بـ”إسرائيل” من جميع الجهات، فمن الشرق يحاصرها غور الأردن الذي سيكون تحت السيطرة الإسرائيلية، ومن الغرب تحاصرها تجمعات استيطانية وجدار فاصل.

وتقطع هذه التجمعات شوارع التفافية عريضة تربط المستوطنات من الشرق إلى الغرب، بحيث تقطع التواصل الجغرافي للتجمعات الفلسطينية بأية لحظة، فيما تفصل “القدس الكبرى” جنوب الضفة عن شمالها.
وهذه التجمعات ستكون مرتبطة فيما بينها عبر الأنفاق، كما هو موجود حاليا بين اسكاكا وياسوف وسلفيت، وبين قلقيلية وحبلة، وبين طولكرم وجبارة.
 



تقويض حلم الدولة
وتكشف المخططات التي بدأت الحكومة “الإسرائيلية” بالإعلان عنها تباعا، كيف استغلت “إسرائيل” مسيرة التسوية التي بدأت قبل ما يزيد عن ربع قرن، لمنع قيام دولة فلسطينية كان يفترض أن تكون ثمرة لتلك المسيرة.

ففي الوقت الذي كان المفاوض الفلسطيني يخوض جولات من المفاوضات أملا في الحصول على الدولة، كانت “إسرائيل” تسير بخط مواز لحسم قضايا الحل النهائي، كالقدس واللاجئين والحدود، وضاعفت أعداد المستوطنين من 105 آلاف إلى نحو 750 ألفا.

ويقول رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل د. بلال الشوبكي لـ“المركز الفلسطيني للإعلام” أن ما يجري على الساحة الفلسطينية الآن، هو محاولة لفرض الدولة الواحدة، انسجاما مع القرار الأمريكي.

ويضيف أن “إسرائيل” ماضية في مشروعها الذي يقضي بأن الحيز الجغرافي ما بين البحر والنهر يجب أن تكون فيه دولة واحدة اسمها “إسرائيل”، وكل ما يجري حاليا هو تقويض لإمكانية إقامة دولة فلسطينية على أي جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 67.

ووفقا للشوبكي، فإن هناك إمكانية لتقويض البنية المؤسساتية للسلطة الفلسطينية، بحيث تصبح قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، وهذا ما يستشف من حديث الإدارة الأمريكية عن عدم احترام الفلسطينيين للدعم المالي الذي تقدمه للسلطة.

ويضيف أن ذلك سيقود إلى أن يصبح الوجود الفلسطيني مجرد أقلية داخل “إسرائيل”، مع إمكانية فرض سياسات ترانسفير للفلسطينيين باتجاه الدول المجاورة، كمصر والأردن، “وهناك رؤى إسرائيلية متعددة للحل، منها الحل على الصعيد الإقليمي بأن يكون امتداد الفلسطينيين إلى سيناء والأردن”.

لكن الشوبكي يرى بأن هناك صعوبات تعترض فرض الترانسفير حاليا، أهمها عدم وجود حيز جغرافي إقليمي قابل لاستيعاب الفلسطينيين، كما أن الفلسطينيين أصبحوا أكثر وعيا بأزمة اللجوء، ولن يكرروه.

لكن السيناريو الأقرب هو أن تصبح الضفة مع مرور الوقت حيزا طاردا للفلسطينيين، مع بقائها عبارة عن كانتونات تدار من خلال مؤسسات محلية خدماتية غير سياسية مثل البلديات.

ويستدل الشوبكي على ذلك بمؤشرات برزت خلال العامين الأخيرين، من خلال مساعي الإدارة المدنية للتواصل المباشر مع الفلسطينيين عبر صفحة “المنسق”.

ويشير إلى أن هناك حملات واسعة للتواصل المباشر مع الفلسطينيين وحل مشاكلهم وإزالة المنع الأمني، وهذا يكشف عن رغبة “إسرائيل” في التعامل مع الفلسطينيين كسكان وأقلية، وليس كجهة السياسية تمثلها السلطة أو منظمة التحرير.

وهذه التطورات تبين أن “إسرائيل” بدأت منذ مدة بتجاوز السلطة، وإدارة الشأن الداخلي الفلسطيني مباشرة، ودون الحاجة إلى وجود سلطة.

ويبين الشوبكي أن “إسرائيل” لديها تجربتان في إدارة الأراضي الفلسطينية، الأولى بشكل مباشر، كما كان عليه الحال قبل قيام السلطة، والثانية هي تجربة السلطة.

ويعتقد أن “إسرائيل” ستبحث عن خيار وسط، بحيث تبقي على مؤسسات محلية فلسطينية لإدارة الشأن الفلسطيني، لأنها غير معنية باستلام ملفات التعليم والصحة وغيرها، لكن هذه المؤسسات لن تكون ضمن بنية دولة، وإنما تحت بنية مؤسسات خدماتية، ما دون الدولة والسلطة.

ويشير بهذا الصدد إلى إمكانية تكرار نموذج مشابه لتجربة الجولان السوري المحتل، فهناك مؤسسات محلية خدماتية لا تتمتع بأية صفة سياسية، ودون أية علاقة مع الاحتلال، بسبب رفض السكان للتعامل مع الاحتلال.
  



تطبيق لمشروع “ألون”
أما الكاتب والمحلل السياسي سامر عنبتاوي، فيرى بأن ما تخطط له “إسرائيل” وما تعمل عليه الآن هو تطبيق لمشروع “ألون”.

ويؤكد لـ“المركز الفلسطيني للإعلام”، أن المرحلة الحالية هي مرحلة تصفية القضية الفلسطينية، وتستغل “إسرائيل” الوضع الدولي والإقليمي، وهرولة بعض الدول العربية للتطبيع معها، وحالة الانقسام وتراجع الأداء الفلسطيني.

ويعدّ أن ما يجري الآن هو فرض تسوية أمريكية إسرائيلية متفق عليها منذ فترة، لكنها برزت إلى السطح بشكل واضح مؤخرا، في تبادل للأدوار بين الاحتلال وأمريكا لتطبيق مشروع استسلامي على الشعب الفلسطيني.

ويقول عنبتاوي إن هذا المخطط تم العمل عليه في السنوات السابقة، عبر تكريس عزل الضفة عن غزة، تمهيدا لمشروع توسعة غزة وإزاحة السكان باتجاه سيناء، وإقامة كيان قد يسمى دولة فلسطينية.

أما الضفة، فالتوجه فيها واضح، وهو تطبيق القانون الإسرائيلي عليها بشكل عام، والبداية الآن على 60% من الضفة، وهي المستوطنات ومحيطها الأمني والشوارع الالتفافية.

أما الـ 40% وهي مناطق (أ) وأجزاء من مناطق (ب)، فتوضع في كانتونات بوجود سكان غير مواطنين، وإنما مرتبطون بإدارة ذاتية، مع بعض الترتيبات مع الأردن.

وحتى هذا السيناريو، هو حل مؤقت بالنسبة للإسرائيليين، إلى حين الهيمنة الكاملة على الضفة وضمها بالكامل، بعد إجراءات تؤدي إلى قدر كبير من الهجرة الطوعية بسبب الضغوط الاقتصادية أو لعوامل مختلفة، لتخفيف الكثافة السكانية بشكل كبير.

ويرى عنبتاوي في سلوك ما يعرف ب “منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق” دليلا على توجه واضح للاحتلال لتفتيت القضية الفلسطينية بشكل كامل، وتحويلها من قضية شعب وحرية وقضية سياسية، إلى قضية معيشية للسكان.

ويبين أن هذا السلوك ذو توجهين متوازيين؛ فمن ناحية يحاول الدخول بالنسيج الاجتماعي الفلسطيني بشكل واضح، لتوجيه الفلسطينيين بشكل مباشر للقبول بالحلول القادمة لحل المشاكل اليومية.
ومن ناحية أخرى، يحاول أن يضع السلطة بين خيارين، فإما أن تتناغم مع هذا الوضع وتقبل به، وتكتفي بإدارة شؤون السكان بالداخل، وترتبط بالمشروع بشكل كامل، أو أن يتم تقويض السلطة المركزية وتعزيز سلطة كل “كانتون” لوحده.
 
ما العمل؟

صورة سوداوية قاتمة لمستقبل القضية الفلسطينية ترسمها السياسات والإجراءات “الإسرائيلية” ومن خلفها الإدارة الأمريكية، الأمر الذي يجعل خيارات التحرك الفلسطيني محدودة.

ومع ذلك، لا زالت هناك بعض الأوراق التي يمكن للسلطة من خلالها مواجهة المخططات “الإسرائيلية” وعرقلتها، لكن هذا يعتمد على مدى استعداد قيادة السلطة لاتخاذ خطوات جريئة وغير تقليدية.

ويقول د. الشوبكي إن ما يوجد بيد قيادة المنظمة أكبر بكثير مما يتم تصويره من الناطقين الرسميين باسمها، والذين يقولون أنه “إذا كانت أمريكا غير نزيهة لقيادة عملية السلام، فسنبحث عن وسيط آخر”.

ويعتقد بأن “علينا كفلسطينيين أن نعيد توحيد مكونات الشعب ككل، وفي السياقات الجغرافية كلها، بحيث نطالب بكامل حقوقنا بما يعود بنا إلى ما قبل أوسلو”.

ويوضح أنه بما أن أمريكا و”إسرائيل” تنصلتا من حل الدولتين، فما الذي يضير الفلسطيني من الإعلان صراحة أنه سيطالب بحقوقه ضمن أراضيه المحتلة عام 48؟ “فلماذا نصر على خيار ال67 وليس بإمكاننا الحصول على جزء منه؟”.

ويرد الشوبكي على من يرون أن هذا الخيار غير واقعي، بالقول أنه إذا كانت “إسرائيل” والمجتمع الدولي لن يعيدوا للشعب الفلسطيني أراضي 67 أو أراضي 48، فمن الحكمة أن يطالب بالخيار الأفضل بالنسبة له.

ويضيف: “إذا طالبنا بأراضي 48 ولم نحققها، فعلى الأقل لن نكون بمأزق حدود الـ67 الحالي”.

ورغم أهمية وقوف المجتمع الدولي دبلوماسيا إلى جانب القضية الفلسطينية، لكنه لم يتخذ أية خطوات سياسية أو عملية لمواجهة خطوات ترمب، كما يؤكد الشوبكي.

أما عنبتاوي، فيؤكد بأن قيادة المنظمة حرقت الكثير من الأوراق، وأضاعت الكثير من الوقت لإقناع الاحتلال بإعطائها دولة من خلال المفاوضات، وأعطت الفرصة للاحتلال ليتوسع ويهوّد ويفعل كل شيء

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات