الإثنين 20/مايو/2024

عن فوز الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت

 ساري عرابي

تفوز الكتلة الإسلامية، الذراع الطلابية لحركة حماس، في جامعة بيرزيت، للعام الثالث على التوالي بانتخابات اتحاد مجلس طلبة الجامعة، لتكون هذه الجامعة استثناء داخل الضفة الغربية، إن بقدرة الكتلة الطلابية التي تمثّل المنافس السياسي للحزب الحاكم بالضفة على الفوز المتكرر بالانتخابات الطلابية، أو بالظروف المناسبة التي تتيحها إدارة الجامعة.

ثمة دلالات عامّة للانتخابات الطلابية في الضفة الغربية، حتى في الجامعات التي لم تفز بها الكتلة الإسلامية، وأهمها أن اتجاهات الجمهور الفلسطيني لم تزل منحصرة في الفصيلين الكبيرين، حماس وفتح، دون أن تتمكن أي قوة ثالثة من الاستفادة من صراعيهما، ودون أن تتمكن أي قوة من ملأ الفراغ الناجم عن إقصاء السلطة لحماس عن المجال العام في الضفة الغربية.

يفضي ذلك إلى دلالة ثالثة، وهي استعصاء حماس على الإزاحة من الوعي الشعبي العام، فقد ظلّت الحركة الفاعل المركزي إلى جانب حركة فتح في كل الميادين المتاحة، أو التي تنتزع حضورها فيها بتضحياتها، كما هو حال الانتخابات الجامعية التي بقيت الساحة الوحيدة، وعلى نحو منقوص، لحياة نقابية وسياسية حيوية في الضفة الغربية.

يحيل ذلك إلى الظروف التي تعانيها حماس في الضفة الغربية، فهي مقصاة تمامًا عن المجال العام، إن بفعل الاحتلال، والذي يتدخل في مثل هذه الانتخابات بأدواته الأمنية، فقد اعتقل مثلاً فجر يوم الاقتراع رئيس مجلس طلبة بيرزيت السابق أحمد عايش، أو بفعل السلطة التي تغلق كل مجالات العمل العام في الضفة الغربية أمام حماس، بأدواتها السلطوية والتي من أهمها الأداة الأمنية، والتي تطال طلبة الجامعات أيضًا.

يفسر ذلك، معاناة الكتلة الإسلامية في استقطاب الطلاب الجدد، فبينما تفوز عادة بأصوات طلبة السنوات السابقة، فإنها تتعادل أو تخسر أصوات الطلبة الجدد، فنظرًا لانعدام الاحتكاك المباشر ما بين حماس والشاب قبل التحاقه بالجامعة، فإنه يتعرف إليها لاحقًا من نشاط كتلتها الجامعية، فإذا لم يمنحها صوته في السنة الأولى، فإنه يعود ويمنحها صوته في السنوات التالية.

لا تنافس الكتلة الإسلامية بذلك كتلة طلابية مكافئة في الجامعة، ولكنها فعليًّا تنافس سلطة سياسية، لا تقف بكل إمكاناتها خلف كتلتها الطلابية الممثلة لها فحسب، ولكنها –إلى ذلك، وإضافة إلى تضييقها على نشطاء الكتلة الإسلامية بالاعتقالات والمداهمات-  تملأ المجال العام في حياة أي فلسطيني، كما هو حال الأنظمة العربية، وتملك بذلك أدوات الترغيب والترهيب، وقد تمكنت فعلاً من الهيمنة على الجامعات، وإضعاف الحركة الطلابية مستفيدة من حالة الانقسام الفلسطيني.

ولكن الكتلة الإسلامية –أيضًا- تجابه الاحتلال الذي يصنفها كتلة محظورة، ويلاحق عناصرها وكوادرها بالاعتقال والمنع من السفر والإبعاد عن الجامعات، في صورة تعكس موقف الاحتلال من فرقاء الساحة الفلسطينية، وتكشف في الوقت نفسه عمق وجوهر الأزمة الفلسطينية الداخلية.

بالتأكيد، يساهم نشاط الكتل الإسلامية في الجامعات في التعويض عن غياب حركة حماس القهري عن المجالات العامة، وقد سبق وأن عاشت حماس هذه التجربة في أواسط تسعينيات القرن الماضي بعد دخول السلطة الفلسطينية مدن الضفة الغربية، وإن كانت معاناتها حينها أقل مما هي عليه الآن، وكانت رافعتها كتلتها الطلابية، كما هو الحال اليوم.

لكن الكتلة الإسلامية، هذه المرة، تستحيل إلى رافعة وطنية عامّة، حينما تتحدّى ظروف الحصار والاستهداف المفروضة عليها، لاستنهاض الحركة الطلابية وترميمها، التي كانت واحدة من أهم أعمدة الحركة الوطنية عمومًا، ومن أهم روافد الفعل الكفاحي المباشر.

ما على حماس استنتاجه من هذه الحالة، أن مقاومتها، أو طبيعتها المقاومة، هي أهم ما تقدّمه رافعة لشعبيتها وجماهيريتها، ولا شيء يجعلها مفضلة لدى الجمهور الفلسطيني، ولاسيما هذه الشريحة، سوى المقاومة، دون أن نغفل الأداء النقابي المتميز، والسلوك المثالي دائمًا لكتلتها الطلابية.

ومِنَ الجهة الأخرى، يظل السؤال مطروحًا على الحركة، ما الذي يمكنها أن تقدّمه، سوى انخراط كتلتها في الانتخابات الجامعية، لجمهور الشباب، والذي منه شريحة الطلاب، وكذلك لذراعها الطلابية؟

أما جامعة بيرزيت، وبالإضافة لسماتها التاريخية المميزة لها، من كونها جامعة ليبرالية تتوسط الضفة الغربية، وتقع في قلب مركز السلطة الفلسطينية، وقد شكّلت امتدادًا لمدرسة أسستها عائلة مسيحية من بلدة بيرزيت في عشرينيات القرن الماضي، فإن إدارتها –وعلى خلاف بقية الجامعات- بحرصها على استقلال الجامعة عن هيمنة السلطة السياسية، ووقوفها إجرائيًّا على مسافة واحدة من الكتل الطلابية كافّة؛ لا تكون قد حافظت على قيمتها واسمها فحسب، ولكنها –بالإضافة إلى ذلك- تحافظ على استمرارية دورها النضالي، الذي كان ولم يزل من أهم معالم كفاح الفلسطينيين.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات