الثلاثاء 30/أبريل/2024

الحاج أحمد.. بائع الترمس رحل بكرامة

الحاج أحمد.. بائع الترمس رحل بكرامة

هناك في أسواق البلدية القديمة من مدينة نابلس، وفي مكانه  المعهود يجلس الحاج الثمانيني حسن حسين أحمد، يتلمس حبات الترمس التي تملأ الوعاء الذي يضعه إلى جانبه ويحثوا بيديه المجعدتين الحبات ليملأ الأكياس الصغيرة ليبيعها إلى  المارة الذين اعتادوا رؤيته ووقفوا صامتين أمام إرادته.

نابلس، ومع صبيحة يوم الاثنين أفاقت على نبأ رحيل الحاج أحمد البالغ من  العمر80 عاماً، لتعود ذاكرة كل من عرفه إلى الماضي مستحضرين مشهد الإرادة والتحدي والكرامة الذي ضربه على مر سنوات حياته ساعيا وراء لقمة العيش، رغم فقدانه البصر وبلوغه من العمر الكثير.

اتحاد ذوي الإعاقة في مدينة نابلس نعى الثمانيني حسن أحمد عضو الاتحاد، مؤكدا على أنه نموذج حيّ للإرادة والتحدي والإصرار؛ فرغم  كونه ضريرا أولا، وكبيرا بالسن، إلا أنه ظل مكافحاً، ويطلب رزقه بالحلال حتى آخر أيام حياته.

وأكد  معاوية منى، عضو اتحاد ذوي الإعاقة، على أن المرحوم أحمد بقي طوال سني حياته يرفض المنة من أحد، مصرا على أن يكسب قوت يومه من عرق جبينه رافضا أن يمن عليه أي كان، وأن يتعامل معه على أنه  ناقص القوة والعزيمة، على حد قوله.

ولد المرحوم في بلدة الساوية جنوب نابلس قبل أن ينتقل في أول سني عمره للسكن في مدينة نابلس ليدرس ابتدء في مدارس الأيتام في مدينة القدس، ولينتقل بعدها إلى السكن في مكان قريب من  المكان الذي يبيع فيه التمرس.

وفي بداية شبابه عمل بصناعة المكانس وفراشي التنظيف من خلال جمعية رعاية الكفيف في المدينة، وبعدها عمد إلى افتتاح دكان صغير يعتاش منه، وما لبث أن تركه أمام صعوبة التأقلم وإدارته نظرا لحالته الصحية وفقدانه للبصر، ليضطر بعدها إلى  العمل في بيع التمرس وليستمر بذلك لأكثر من 30 عاماً.

 أبو محمد الخندقجي، صاحب أحد المحال التجاري القريبة من مكان جلوس الحاج حسن يقول: “منذ ما يزيد عن عشرين عاماً وأنا أتصبح يومياً بمشهده وهو يتحدى كل الظروف، جالسا منذ ساعات الصباح حتى العصر يبيع الترمس للمارة ولم اسمعه يوما يتذمر مكتفيا بما يرزقه الله له”.

ويتحدث أبو زهير العمد هو الأخر عنه قائلا:”في اغلب الأيام كنت أراه يرد طلب المارة الذين يعتقدون بأنه يطلب المال ويتسول ليرد عليهم ما يقدمون له معلنا لهم بكل جرأة بأنه يقتات من عرق جبينه ويرفض أن يستعطف الناس بجلوسه لبيع الترمس”.

رحل الحاج حسن وترك مكانه خالياً…يبث رسائل الأمل والتحدي والإرادة والإصرار باعثا في الأرجاء رائحة الكرامة ومعاني العزة والعفة في زمن ما زال في الأصحاء يلعنون الظلام  ويشكون الفقر والحاجة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات