الثلاثاء 21/مايو/2024

حديقة حيوان داخل سجن كبير

حسام شاكر

تابع العالم قصة مؤثرة عن إنقاذ نمر من ظروف بائسة، قاسى منها في حديقة حيوان شحيحة الموارد. اشتهرت هذه الحديقة في التغطيات الإعلامية بأنها “الأسوأ عالمياً”. انتهت القصة عند حدود هذا الوصف في بعض التغطيات، وقد كان مفيداً لو تمّ التوضيح أيضاً بأنّ مشكلة هذه الحديقة هو أنها تقع تحديداً داخل سجن كبير؛ اسمه قطاع غزة الذي يقع على البحر المتوسط مباشرة.

مع ذلك؛ يبقى إنقاذ كائنات حية معدودة تحت الكاميرات عملاً مؤثراً بكل تأكيد، وتستحق المنظمة المدافعة عن حقوق الحيوان تهنئة على نجاح المهمة التي تكللت باهتمام إعلامي. إنها مهمة رمزية بالطبع، فهي لن تحلّ المعضلة التي يواجهها واقع الأحياء جميعاً في قطاع غزة.

إنّ المغزى من هذا الحدث هو أنّ قطاع غزة يتحوّل مع الوقت تحت وطأة سياسات غير أخلاقية إلى منطقة غير ملائمة للعيش السويّ، وهذا ما حذّرت منه الأمم المتحدة سلفاً. هذا يعني أننا لسنا إزاء نهاية سعيدة عند إنقاذ كائنات حيّة معدودة رغم حفاوتنا بذلك، فالواقع باقٍ على ما هو عليه، بل يزداد تفاقماً بحق الإنسان والحيوان معاً.

والأهم في هذا الشأن هو أنّ هذا الواقع ليس ناجماً عن كارثة طبيعية أو أزمة موارد اعتيادية، بل سببه سياسات مُصطنعة وإجراءات مُفتعلة. إنه الحصار المشدد المفروض على قطاع غزة الذي يقطنه مليونا إنسان ومعهم أحياء من أنواع متعددة؛ كان منها النمر “لذيذ” الذي أفلت من هذا البؤس المنهجي المفروض على الجميع هناك. يقوم الحصار أساساً على تشديد الخناق على فرص الحياة اللائقة في القطاع، وهذا له تداعيات؛ منها أن تتدهور حديقة الحيوان هناك لتصبح “الأسوأ عالمياً” كما قيل في التغطيات.

إنّ إجلاء النمر من هناك فرصة لفهم الحصار على أنه سياسة شاملة تمسّ بالإنسان والبيئة بكل مكوناتها؛ بما فيها الثروة الحيوانية والكائنات التي تعيش في تلك المنطقة المعزولة فيزيائياً عن العالم.

لكن دعاية السلطات الإسرائيلية دأبت على توظيف قصّة كهذه وما يشبهها بشكل رمزي لمنح انطباعات مضللة عبر مساعدتها في تمكين النمر من حياة أفضل. تريدنا هذه الدعاية أن نفهم، بطريقة ما، أنّ السياسات والإجراءات الإسرائيلية رؤوفة بالحيوان، وأنّ لديها معايير إنسانية وأخلاقية عالية، شرط أن نتجاهل سياسات الحصار وإجراءاته التي تُنفّذ بحق كل ما في قطاع غزة. 

للواقع على الأرض لغة أخرى، منها حقائق عن الأضرار الهائلة التي ألحقها الحصار بأنواع الحيوانات في غزة، وإبادة حظائر كاملة من المواشي والدواجن خلال عمليات القصف الجوي والبري التي تخللت حملات عسكرية إسرائيلية متلاحقة. هذا علاوة على تأثيرات تجريف الأراضي بالآليات الإسرائيلية وتدمير المجال الحيوي لأنواع متعددة من الكائنات الحية ومنها طيور مهاجرة تعبر المنطقة. هذا كله إن تغاضينا عن البشر في تلك المنطقة وما لحق بهم.

خلاصة ما جرى: تم إنقاذ نمر من أوضاع مزرية، والإبقاء على تلك الأوضاع كي تتفاقم برعاية إسرائيلية منهجية.

* ترجمة إلى العربية عن “ميدل إيست مونيتور”، لندن

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات