الخميس 30/مايو/2024

نار التوراة تقترب من المسجد الأقصى

نار التوراة تقترب من المسجد الأقصى

على بعد نحو مائة متر من المسجد الأقصى، في أقصى جهة الغرب من ساحة البراق، تقف على سقف مبنى من ثماني طبقات، ترى وتكشف كل نواحي المسجد الأقصى وحائط البراق، وبلدة القدس القديمة والأحياء المحيطة: سلوان، والطور، وجبل الزيتون، والثوري، وجبال القدس، وهضاب وتلال. هناك على سقف مبنى “مركز إيش هتوراة” (نار التوراة) ترى المسجد الأقصى والقدس القديمة كالكرة الصغيرة بين أصابع اليدين.
 
إنه مشروع ومبنى “نار التوراة” الذي يقترب من المسجد الأقصى رويدًا رويدًا، بمفاهيم وأفكار توراتية/ تلمودية تعمّق وتقرّب فكرة المشروع الصهيوني لبناء الهيكل المزعوم على حساب المسجد الأقصى، في الموقع الواصل أو الفاصل بين حارتي الشرف والمغاربة -هدم الاحتلال الصهيوني أغلب مبانيها عام 1967م- يقع مبنى عملاق واسع خطير، ثمانية طوابق وسقف علوي مفتوح.. خطير في مبناه، خطير في فحواه، خطير في تشعبه، بل لعلّه من أخطر المراكز في القدس المحتلة وأكثرها قربًا من المسجد الأقصى.. فعالياته تلتصق حسيًّا وفكريًّا داخل حرم المسجد الأقصى.
 
زار طاقم المركز الإعلامي لشؤون القدس والأقصى “كيوبرس” هذا المركز أكثر من مرة خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة، وعبر صور وخرائط اطلع عليها خضعت للدراسة والفحص، وتوثيق مسبق للموقع نفسه على مدار سنوات كثيرة، يطّلع العالم على مشروع ومبنى من الأشد خطورة على المسجد الأقصى، إذ يجسم الاحتلال في أبشع صوره هدمه للبناء والعمران الإسلامي وحضارته،  حيث يريد من المركز التوراتي تمرير الرواية التلمودية، ويحاول أن يؤسس لمرحلة بناء الهيكل المزعوم.
 
في هذا التقرير يسلّط “كيوبرس” الضوء على التفاصيل و”الأهوال” التي يحملها مركز ومشروع “نار التوراة” حاليًّا، وفي المستقبل المنظور.
 
أبعد من مجرد بناء
بعد ست سنوات من الافتتاح الرسمي للمركز العالمي “نار التوراة” في 3 ديسمبر/كانون أول 2009، وبعد 15 عامًا من العمل الدؤوب من الهدم والتزييف – هي عمر وفترة بناء “نار التوارة” (1994-2009)، وبعد 42 عامًا من فكرة وغرفة التأسيس الصغيرة؛ تمرر وتنظم فعاليات واسعة من هذا المبنى بطابع سياحي توراتي، تقترب شيئًا فشيئًا نحو المسجد الأقصى ومحيطه القريب، كلها تمجّد الفكرة اليهودية الأبدية -حسب ادعائهم-، وتوصل الأجيال والأمصار للانتصار لفكرة الهيكل الموعود/المزعوم.
 
جولة في “حارة اليهود”
تنظيم جولات جماعية منظمة ومنسقة مسبقًا للعائلات والطلاب الثانويين والجنود، زيارة لما يسمى بحارة اليهود -حي الشرف المصادر والمهدوم من الاحتلال-، أزقة القدس القديمة وحارة الشرف القريبة من مركز “نار التوراة “، يتم زيارة البيوت والتعرف على ساكنيها اليهود، هم المرشدون عمليًَّا للجولة، يتحدثون عن أنفسهم وكأنهم أصحاب المكان الأصليون، والاستماع إليهم وشروحات عن حياتهم، والتاريخ القديم، الحاضر والمستقبل، والعيش الفريد والخاص داخل هذه الحارة القريبة من المسجد الأقصى ومنطقة البراق والمواقع والوقائع التاريخية التي تتحدث عن تاريخ يهودي في الموقع، تنظم الجولة كل أيام السنة.
 
تسامح في “القديمة”
يدّعون أنه في شهر أيلول العبري أيام التراحم والتصالح، والأيام العشر من شهر تشرين العبري من كل عام وما يسمى عندهم “أيام التوابين”، أيام التسامح مقابل الحائط الغربي، مناسبات خاصة في أجواء خاصة، في فضاء القدس القديمة، قصص وأهازيج بروح تلك الأيام.
 
يشمل البرنامج، الصعود إلى سقف البناء – المطلة البانورامية الساحرة في القدس، وزيارة المجسم الأكبر في العالم للهيكل المزعوم المنصوب على سقف المبنى، وحفل موسيقي متميز بأدوات موسيقية تمزج بين القديم والجديد بروح التسامح وقصص عن ذلك.
 
ما هو مركز “نار التوراة”؟
هو منظمة عالمية لنشر اليهودية، أقيمت مؤسساتها ابتداءً في سنة 1974م في غرفة صغيرة في مبنى تاريخي إسلامي، في أطراف حي الشرف -أحد أحياء القدس القديمة-، والذي حوّله الاحتلال إلى الحي اليهودي، والمؤسس هو “الراب ناوح فاينبرج”.
 
وبحسب معطيات المركز؛ فله اليوم 31 مركزًا في 80 مدينة في 17 دولة، في قارات العالم الخمس، ويشارك 100 ألف سنويًّا في فعاليات هذا المركز في القدس المحتلة، ناهيك عن الفعاليات الأخرى.
 
ويهدف المركز إلى نشر اليهودية بين اليهود في “إسرائيل” والعالم، وبين اليهود غير المحافظين، عن طريق المؤتمرات والمراكز الدراسية والفعاليات الأخرى، وأغلب المنتسبين إليه هم من “الحريديم” – اليهود المتدينين المحافظين.
 
أهم مشاريعه 

المركز العالمي لنار التوراة: مبنى من ثمانية طوابق، مقام على أطراف حي الشرف وحارة المغاربة، يحتوي على منتوجات فنية “نار ومياه” للفنان ديل تسهولي، وقاعة مسرح بتمويل من الممثل العالمي كرك داغلاس، وبقايا من عين ماء يدعي الاحتلال أنها من فترة الهيكل الثاني المزعوم.. سقف المبنى يطل مباشرة على ساحة البراق والمسجد الأقصى.. المبنى يستضيف سنويًّا عشرات آلاف الزوار.

ومن مشاريعه أيضا مركز الزوار “إيش يسرائيل” – نار إسرائيل: يعمل في ساحة البراق ويهدف إلى تعميق الهوية اليهودية في المجتمع الصهيوني عن طريق برامج اجتماعية، ومنها أيضًا المدرسة الدينية “نار التوراة”، بجانب المركز، ويضم كنيسا يهوديا وفعاليات أخرى حول التعليم التوراتي.

ومنها كاميرات “المبكى”: موقع إنترنت يبث صورًا مباشرة على مدار 24 من حائط وساحة البراق، بالإضافة إلى مركز معلوماتي إعلامي لدعم “إسرائيل” عالميًّا.
 
ومنها مجسم الهيكل المزعوم: من أهم مشاريعه ضمن مبنى المركز العالمي “نار التوراة” مجسم الهيكل الثاني المزعوم على سقف المركز، مبني من الشايش والحجر المقدسي والخشب -حسب ادعائهم- وزنه 1200 كغم، حجمه 3 أمتار على متر ونصف، يمكن التعرف على أجزاء رئيسة من الهيكل المزعوم (خزانة العهد، الشمعدان الذهبي، المذبح الذهبي).

يزور المركز العالمي ومرافقه وفود عالمية ومحلية تتلقى شروحًا عن “الجذور والتراث اليهودي” ضمن فعاليات ثقافية تربوية تعليمية.
 
المركز مؤيد بأذرع الاحتلال الصهيوني، وتربطه علاقة وثيقة بقيادات الكيان الصهيوني ورؤساء الحكومة.. لقاءات مع يتسحاق رابين، وشمعون بيرس، وبنيامين نتنياهو، وأريئيل شارون، في مناسبات عدة. وللمركز العالمي “إيش هتوراة” موقع إنترنت يزوره مليون زائر شهريًّا.
 
هدم العمران والحضارة الإسلامية 
يعمد الاحتلال الصهيوني منذ عام 1967 أن يبقي بعض المباني التاريخية العربية الإسلامية في منطقة حارتي الشرف والمغاربة، قبالة حائط البراق، لا ليحافظ عليهما كجزء من بقايا التاريخ العربي الإسلامي، بل ليدعي أنها من آثار اليهود القديمة وبقايا الهيكلين المزعومين، وليستحدث ويختلق من خلالها القدس العبرية.
 
وهذا ما حدث في المبنى الذي يطلق عليه الاحتلال “المركز العالمي إيش هتوراة”، في أعالي المنطقة الصخرية لحارة المغاربة وفي طرف حي الشرف، بقيت عام 1967 مبان مملوكية أيوبية وأخرى عثمانية، منها مبنى كبير – نسبة إلى المباني في المحيط القريب ونسبة إلى الأبنية في القدس القديمة-، في إحدى غرفه استوطن عام 1974 “الراب ناوح فاينبرج” ليؤسس للمدرسة الدينية وكنيس “إيش هتوراة”. 

لكن وبعد عشرين عامًا من التخطيط والتدبير والرسم والمقترحات والمخططات والخرائط والتصميمات التفصيلية، والحملات الدعائية وحملات التمويل والتبرعات، انطلق مشروع مبنى “نار التوراة” العملاق، من خلال هدم أغلب المبنى المملوكي وجدرانه وأعمدته الزخرفية الأثرية، وجدرانه الخارجية، وقد استدللنا على ذلك من خلال صور فوتوغرافية  نشرها “إيش هتوراة” عن مراحل العمل، تم ارتكاب جرائم هدم بحق آثار إسلامية عريقة، واستبدالها ببناء حديث في أغلبه، سوى بعض تلصيق الحجارة المقدسية في الخارج.
 
وكذلك من ألواح جبصية، بناء بحجارة إسمنتية، قصارة حديثة، أثاث وشبكات كهرباء، أعمال زجاجية، العمل بأدوات حفر عملاقة وبأحجام مختلفة في الصخر وفي قلب المبنى.
 
مصمم المبنى “بوقي تسوقر” يقول إن مبنى “إيش هتوراة” يجمع بين القديم والحديث، لكن المشاهدة العينية لا تذكر بالقديم، فالقديم الإسلامي هدم ودمّر بشكل ممنهج والصور تشهد على ذلك.
 
خمس عشرة سنة من العمل المتواصل بالليل والنهار، وبميزانية عشرين مليون دولار أغلبها من تبرعات أثرياء اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الممثلين كيرك دغلاس وابنه مايكل.

قاعات استقبال واجتماعات
المبنى يتكون من ثمانية طوابق على مساحة بنائية إجمالية تصل إلى نحو 4565 مترًا مربعًا.. طابقان أساسيان تحت مستوى حارة الشرف، مستوى الأخير منهما، يتلاقى مع مستوى ساحة البراق، وتحته طابق آخر يستعمل كمخزن وغرف للمشغلات الكهربائية، أما الطوابق الخمسة فهي تبدأ من مستوى حارة الشرف وتنتهي بسقف علوي مطل على الأقصى مساحته نحو نصف دونم.
 
الطوابق تشمل مركز زوار ومركزا سياحيا ومتحفا معلوماتيا تفاعليا للتراث والفكر اليهودي، وكيفية التأثير على العالم، وفي أحد الطوابق مسرح.

وتشمل مركزا تعليميا تنتشر فيه غرف متعددة الأحجام، يأتيه آلاف الطلاب من كل أنحاء العالم عبر برنامج تعليمي سنوي، والكثير من النشاطات التعليمية والتثقيفية.
 
في طبقات المركز يوجد قاعات اجتماعات متوسطة وكبيرة، وقاعات استقبال وعشرات الغرف الأخرى، ونصب في القاعات والممرات لوحات جدارية تحمل أسماء الطوابق والمتبرعين، وفي أغلب الطبقات العلوية واجهات تطل على الأقصى والبراق.
 
علو المبنى من مستوى ساحة البراق نحو 23 مترًا، وله ثلاثة مداخل؛ الرئيس عند مستوى حارة الشرف، يتفرع عنه باب آخر يصل عبر درج السقف العلوي للمبنى، أما الباب الثاني فيقع في الجهة اليسرى للمبنى عند مستوى شارع السلسلة، والثالث يقع في الجهة الشرقية على مستوى ساحة البراق.
 
أما أبرز محتويات البناء فهو سقف المبنى، وعليه نصب مجسم كبير للهيكل المزعوم أطلق عليه الاحتلال شعار “البداية والنهاية من الهيكل”.

يضم المبنى في طوابقه المختلفة تسع قاعات تعليمية وما مجموعه 784 كرسي تعليم، على النحو التالي: 283 كرسيا تعليميا و280 كرسيا حول طاولات الطعام، 101 كرسي في قاعات المسرح والخدمات الإعلامية، 120 كرسيا لخدمات مختلفة.
 
حفلات قبالة الأقصى
نظمت خلال سني بنائه وبعد إتمام البناء، وما يزال يُقام في المركز عشرات حفلات الزواج اليهودية في قاعات المبنى، وخاصة على السقف، ويكون المسجد الأقصى بأبنيته خاصة قبة الصخرة خلفية لهذه الحفلات، وكذلك حفلات البلوغ “بار متسفا”، وحفلات للمواليد الجدد، واللقاءات العامة، وحفلات إدخال التوراة، وأيام دراسية تتضمن تناول وجبات الطعام والشراب، يكون الخمر مركبا رئيسًا في هذه الحفلات التي ترافقها الموسيقى والصلوات اليهودية.
 
وزار المبنى الكثير من المتبرعين من بينهم كرك داغلاس، أما ابنه فزار المبنى عدة مرات، منها في عام 2014؛ حيث أجرى مراسيم البلوغ “بار متسبا” لابنه في منطقة البراق، وفي العام 2015 زار المبنى مع ابنه وابنته وزوجته لاستلام جائزة تقدير بمليون دولار اسمها “جائزة الأوائل” تقدم من مكتب رئيس الحكومة ومركز بيرس والوكالة اليهودية، تقديرًا لجهوده في خدمة المشروع الصهيوني.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات