الأحد 05/مايو/2024

إضراب المعلّمين إذ يكشف المستور

لمى خاطر

هنا في الضفة، حيث يغبط بعض الفلسطينيين في الساحات الأخرى الناس هنا على حالهم، على اعتبار أنه أفضل نسبياً من حال من سواهم من الفلسطينيين؛ ثمة مآسِ كبيرة وكثيرة تخفيها صورة السطح اللامعة أو المزيّفة، ففي تنظيرها الإعلامي حول الديمقراطية والحياة السياسية والنقابية يظنّ من يستمع لخطابها أن السلطة الفلسطينية في الضفة تصون حياة نقابية وسياسية مريحة، وتعتني بتطويرها، وتكفل للناس أدنى حقوقهم وهي التعبير عن الرأي دون مضايقات.

غير أن الواقع الذي تكشف عن ظلامه أحداث كثيرة يؤكّد بوضوح أن كل ذلك التنظير الإعلامي ما هو إلا وهم يخفي بشاعة غير متناهية تصوّر الكبت والاحتكار والوصاية على كل مناحي الحياة في الضفة، ولعل ذلك المطلب البسيط حول تحسين أوضاع المعلّمين وإقالة الاتحاد الحالي (غير المنتخب) يؤكّد مدى تعنّت السلطة وحركة فتح في هذا الجانب وكيف أن الحركة غير مستعدة لخسارة أي موقع (بالانتخاب) حتى لو كان الموقع مجرد نادٍ رياضي في حارة نائية.

المطلب البسيط حول تحسين أوضاع المعلّمين وإقالة الاتحاد الحالي (غيرالمنتخب) يؤكّد مدى تعنّت السلطة وحركة فتح في هذا الجانب وكيف أن الحركةغير مستعدة لخسارة أي موقع (بالانتخاب) حتى لو كان الموقع مجرد نادٍ رياضيفي حارة نائية

ولا يقف الأمر عند حدود التجاهل والإصرار على احتكار أي قرار في ساحة الضفة، بل إن الأجهزة الأمنية تتدخل في مفاصل هذه القضايا، وتشرع سيف تهديدها وترهيبها علناً أو في الخفاء، بل إنها تجبر من تقوم بتهديدهم على إنكار تعرّضهم له أمام الإعلام، كما حدث مثلاً مع سائقي الحافلات الذين تم منعهم من إيصال المعلمين للمشاركة في اعتصام رام الله أمس، وكما يحدث مع جميع وسائل الإعلام المحلي التي تُجبر على التغريد بما تريده السلطة وحركة فتح فقط، وفتح موجات إعلامية لتعزيز رؤيتها وشيطنة أية رؤية مضادة على الساحة، سواءً أكانت سياسية أم اجتماعية أم نقابية.

فيما يخصّ إضراب المعلّمين، فقد تفاجأت السلطة بمدى اتساع الإضراب وإصرار المعلمين على مطالبهم، إلى جانب عدم اكتراثهم بحملات التهديد، فلم يكن أمامها سوى ترحيل الأزمة باتجاه حماس ظناً منها أنها ستخيف القطاع التعليمي وستؤدب جموع المعلمين بحملة الاعتقال التي شنتها في صفوف ناشطي حماس منهم، لكن المفاجأة كانت حين جوبهت إجراءاتها القمعية بمزيد من الإصرار واتساع دائرة الإضراب رغم كل ادعاءات الانقلاب التي اجتهد إعلام السلطة في تسويقها.

إذ بمجرد احتجاج أي قطاع نقابي أو مطالبته بإجراء انتخابات تبدأ أحاديث واتهامات الانقلاب والمؤامرة، لأن السلطة ما تزال ترى أنه لا يحق لأحد خارج مكوناتها المختلفة التموضع في مراكز القرار سياسية كانت أم نقابية. وهذه الاحتكار الحديدي لمختلف المواقع ترعاه المؤسسة الأمنية بالكامل وتمارس دوراً أمنياً ترهيبياً ضد خصوم حركة فتح تصل لدرجة الاعتقال والتهديد، أو استدعاء واستجواب كل من يفكر في منافستها، ولولا أن بعض الجامعات الفلسطينية تتمتع بهامش من التحرر عن إرادة السلطة وأجهزتها لما جرت فيها انتخابات.

هذا الواقع يحيلنا إلى طبيعة هذه العقلية والكيفية التي ستتعامل من خلالها لو وصلت المصالحة الفلسطينية إلى لحظة إجراء انتخابات جديدة، ولذلك لم يكن من المبالغة القول إن الانتخابات ستكون وصفة لحالة نزاع جديدة قد تمهد لحرب أهلية، خصوصاً في ظل استفراد فريق واحد في الضفة بالقوة والسلطة والذراع الأمنية الضاربة الكفيلة بإرهاب الخصوم أو تغييبهم.

الحلم بالمشاركة في مؤسسات هذه السلطة مجرد وهم لن يتحقق، لأنها بُنيت على باطل وعلى أساس متداعٍ، وعلى نزعة احتكار عظيمة

وإن كانت قضية المعلمين التي هي مطلبية خالصة ودوافعها غير سياسية أو حزبية قد جرى شيطنتها لهذا الحد، فما بالنا حين يدور الحديث عن ملفّات سياسية عليا، وعن انتخابات تشريعية أو رئاسية؟ مع العلم أن حلّ قضية المعلمين يسير للغاية، لأن السلطة التي تمتلك المال وتتحكم بجميع إيراداته يمكنها حلّ الأزمة ببضعة ملايين تقتطعها من ميزانية الوزارات الأخرى، وخصوصاً قطاع الأمن الذي يستهلك مئات الملايين سنوياً دونما فائدة، إلى جانب البطالة المقنعة التي تصرف من خلالها رواتب خيالية لأشخاص لا يعملون ولا يحملون ميزة غير انتمائهم لحركة فتح أو قرابتهم بالمتنفّذين فيها، فإن كانت مشكلة بسيطة الحلّ تواجَه بمثل هذا التعنّت والشيطنة والإقصاء، فماذا سيكون الحال مع المشاكل الكبرى الوطنية والسياسية على الساحة؟

أتمنى أن يأخذ كل المعنيين عبراً عميقة من هذه الأزمة وما قد تفرزه، عسى أن يدركوا أن الحلم بالمشاركة في مؤسسات هذه السلطة مجرد وهم لن يتحقق، لأنها بُنيت على باطل وعلى أساس متداعٍ، وعلى نزعة احتكار عظيمة، وأنه لو تحقق فسيفرز أزمات أعمق على المستوى الفلسطيني ويُدخل القضية في مرحلة جديدة من التيه، لعلّها في غنى عنه، وعن إعادة تدوير المسارات الفاشلة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

اشتباكات ومواجهات مع الاحتلال في الضفة

اشتباكات ومواجهات مع الاحتلال في الضفة

الضفة الغربية- الفلسطيني للإعلامشهدت الضفة الغربية الليلة الماضية وفجر اليوم الأحد، اشتباكات ومواجهات مع قوات الاحتلال التي نفذت عمليات اقتحامات...

كتائب القسام تزف شهداءها في طولكرم

كتائب القسام تزف شهداءها في طولكرم

طولكرم - المركز الفلسطيني للإعلام زفّت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، شهداء طولكرم الذين ارتقوا أمس السبت، بعد أن خاضوا اشتباكًا مسلحًا...