السبت 27/أبريل/2024

ختيارة بيت لحم .. أقدم شجرة زيتون في العالم

ختيارة بيت لحم .. أقدم شجرة زيتون في العالم

منذ أكثر من أربعة آلاف عام وجذور شجرة “البدوي” ضاربة في أراضي قرية الولجة الفلسطينية، تروي تاريخ شعب وحكاية صموده في وجه الاحتلال، مروراً بنكباته ونكساته المتكررة، شاهدة على ما حلّ بهذه الأرض من انتهاكات تطال البشر والحجر وحتى الشجر.

على الطرف الشمالي الغربي لقرية الولجة، تتربع أقدم شجرة زيتون في العالم يقدّر البعض عمرها بين 4500 إلى 5500 عام، في حين يذهب آخرون إلى القول إن عمرها تجاوز الثلاثة آلاف عام بقليل.

من بين منازل الولجة، مروراً بتلالها وكرومها الخضراء، يشقّ “أبو عيسى” طريقه كل صباح صوب “أم الزيتون” كما يحلو له أن يسميها، يفتح باباً حديدياً أُريد له أن يكون سداً منيعاً أمام أي محاولة للعبث بـ”الشجرة الختيارة” يلقي عليها السلام ويتفحصها متفقداً كل جذع وغصن فيها، قبل أن يبدأ بريّها ورعايتها.

يقول صلاح أبو علي الملقّب بـ”أبو عيسى” في حديثه لـ”قدس برس”، “كلّ صباح أُصلّي الفجر ثم أجلس قليلاً وأشرب قهوتي، بعد ذلك أتوجّه إلى أرضي لأحرثها وأحصد زرعها، وأهتمُّ بها، فأنا خادمها”.

يتحدّث “أبو عيسى” عن شجرة الزيتون التي أولت إليه وزارة الزراعة الفلسطينية منذ سنوات مسؤولية الاهتمام بها، فيصفها بـ”المقدّسة” تارة، وبـ”المباركة الطاهرة” تارة أخرى، يتغزّل بها كما لو كانت معشوقته، ويؤنّب نفسه إن لم يزرْها يوماً لسبب خارجٍ عن إرادته.

يشرّع “أبو عيسى” الباب الحديدي فتنكشف الشجرة المحاطة بهالة كبيرة لا يمكنك غض الطرف عنها، فتستشعر هيبتها من أول نظرة على سيقانها وأغصانها.

ويضيف “بمجرّد فتحي لذلك الباب المقفل، أسمّي الله، ثم أذهب إلى الختيارة، أُلقي عليها التحيّة والسلام، أُحدّثها قليلاً عمّا يختلج في نفسي، وأتفقّدها من الأيدي الغادرة، بعدها أبدأ يومي، ويومي يبدأ عندها ومعها، أحمل فأسي وأحفر حولها فأنا لا أستخدم الآلات، وأسقيها وأرعاها”.

البداية

تلك الشجرة تعرف باسم “شجرة سيدنا أحمد البدوي”، وهو أحد أئمة مصر الصوفيين، قضى مدّة طويلة تحت هذه الشجرة فسميّت باسمه، كما كانت جماعات “الدراويش” تؤدي بعض شعائرها معاً تحت هذه الشجرة، بحسب ما أفاد به “أبو عيسى”.

ويروي حارس الشجرة لـ”قدس برس”، قائلاً “الناس تعرف الشجرة باسم سيدنا أحمد البدوي حتى يومنا هذا، كمّا أن أهل القرية قديماً كانوا يطهون الطعام بكمّيات كبيرة تحت هذه الشجرة ويقومون بتوزيعه على الفقراء”.

ويشير إلى قيام دور أبحاث وعلماء أوروبيين بأخذ عيّنات من الشجرة وفحصها خلال فترة وصايته عليها، ليتبيّن أن عمرها يقدّر بنحو 5500 عام، في حين قدّرت وزارة الزراعة الفلسطينية عمرها بـ 4500 عام، كما أنّ ارتفاعها يصل لـ 12 متراً، أمّا قُطرها فيصل لنحو 25 متراً.

معلمٌ سياحيّ 

حازت شجرة الولجة على اهتمام إعلامي أسهم في جعلها وجهة سياحية يرتادها العديد لمشاهدة الشجرة “الختيارة” التي استقطبت أيضاً الفنانين الفلسطينيين والعالميين الذين زاروها ورسموها وصوّروها، كما تمّ إنتاج أفلام وثائقية عنها.

يقول “أبو عيسى” إن اختلاف “أم الزيتون” عن بقية الأشجار المعمرة لا يكمن فقط في كونها الأقدم فحسب؛ و”إنما ثمارها، وطعم زيتها وزيتونها يختلف تماماً عن أي شجرة أخرى، ونستطيع تمييز ذلك من خلال الطعم”، وفق قوله.

ويعتز أهالي قرية الولجة غرب مدينة بيت لحم في الضفة الغربية برعايتهم لهذه الشجرة التي يتناقل الأهالي بشأنها الحكايات والأساطير، وفي موسم قطف الزيتون، تراهم جميعاً يُشاركون “أبو عيسى” وعائلته قطف ثمارها، حيث ينتشرون في محيط الربع دونم وهو مساحة الأرض التي تقف عليها الشجرة.

صامدة وشامخة في وجه كلّ شيء حتى المحتل، من هيأتها تستشعر صمودها وثباتها على الأرض، وكلّما اقتربت منها وجدت في سيقانها ما يُثبت لك ذلك، فهي كما يصفها بعض أهالي قرية الولجة “لوحة فنية ربّانية خلقها الله فَسَرَّ فيها سرّاً دفيناً يبقيها صامدة حتى الآن”.

يقول “أبو عيسى” إن “الشجرة تحمّلت الكثير من العوامل الطبيعية من رياح وأمطار وثلوج، والتي بفضل الله لم تتأثّر بها أبداً، رغم وجود شجيرات حولها سقطت وماتت، لكنّها صمدت في وجه تلك العوامل وبقيت شامخة، فالمنخفض الجوي الذي تأثّرت به البلاد ثلاث مرات متتالية العام الماضي كاد أن يسحق كلّ شجرة، خاصة أننا على مرتفعات جبلية عالية”.

الشجرة والاحتلال 

لطالما فاقت مطامع الاحتلال في الأرض الفلسطينية كل التصورات، فاستطاع بجبروته تهجير الفلسطينيين من بيوتهم والاستيلاء على محالهم وآثارهم ومقدساتهم، فضلاً عن اقتلاع المئات من الأشجار الطاعنة في العمر من منطقة الولجة وغيرها.

ويشير حارس الشجرة، إلى أن المستوطنين يأتون بصورة دائمة ويتجولون في المنطقة المحيطة بالشجرة ويؤدون طقوساً تلمودية في المكان، وهو ما دفع به إلى نصب سور حديدي في محيط الشجرة لحمايتها من عربدة المستوطنين.

وأضاف “لهذه الشجرة قُدسية خاصة ومُباركة من الرحمن، وهي البوابة إلى القدس، رغم أن الاحتلال يحاول بكل الوسائل أن يُبعدها عنها، فالتمدّد الاستيطاني ما يزال ينتشر في محيطها، وجدار الفصل العنصري على بعد أمتار فقط من الأرض، ورغم كل المحاولات والضغط لتغيير مسار الجدار، إلّا أنها باءت بالفشل”.

وعادت الذاكرة بـ”أبو عيسى” إلى إحدى الحوادث التي جرت أثناء بدء الاحتلال ببناء جدار الضم والتوسع العنصري قبل سنوات، فيقول “كنت أعمل في الأرض، وإذ بانفجار اهتزّت له الأرض والمنازل، ما دبّ الرعب في قلوب الناس، ومن شدّة الخوف الذي ألمّ بي هربت إلى أعلى مكان في القرية، وعندما هدأ الوضع، علمنا أن الاحتلال قام بتفجير الصخور باستخدام الديناميت، لأن الآلات الثقيلة لم تستطع هدمها”.

ويضيف “ما كان يجول بخاطري في تلك اللحظة هو أم الزيتون، فهرعت إليها وكان البياض يملأ المكان بفعل الانفجار والتراب، وبعد اقترابه من الشجرة وجدها كما هي، لم يُصبها شيء، وبفضل الله سبحانه كانت واقفة وكأنها تقول للاحتلال “ها أنا ذا.. صامدة كصمود فلسطين”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات