طائرات الاحتلال تبدد أحلام المزارعين شرق غزة

في حقول “الفول والسبانخ والقمح” المحاذية للسلك الحدودي.. كل شيء ليس على ما يرام؛ فقد تبخرت أحلام المزارعين بعد رش طائرات الاحتلال الزراعية مبيدات فتكت بمحصول عشرات الدونمات فكبدتهم خسارة فادحة.
 
وللعام الثاني على التوالي كرر الاحتلال استخدام طائرات زراعية لقتل المحاصيل الزراعية في المنطقة الحدودية الواقعة بين “بوابة النمر” وموقع “كسوفيم” أكبر مواقع الاحتلال على الأطراف الشرقية لقطاع غزة.
 
وتقدر مساحة الأراضي الزراعية المتضررة من رش الاحتلال مبيدات زراعية بقرابة 1500 دونم، معظمها مزروعة بمحاصيل زراعية شتوية وحبوب بدأ بعضها بالإثمار.

المحظور

بالنسبة للمزارع حسام أبو محارب فقد وقع المحظور، صبيحة الثلاثاء الماضي أصيب بانقباضة في قلبه وهو يشاهد طائرات الاحتلال الزراعية تفتك بمزروعاته التي استدان ثمن بذورها وأسمدتها.

وعلى بعد عشرات الأمتار من السلك الحدودي ينحني 6 عمال على نباتات “الفول”، محاولين قطف ما نجا من الثمار بعد أن غزته مبيدات الاحتلال الزراعية دون سابق إنذار.
 
تداعب الشمس الدافئة مشاعر المزارع “حسام أبو محارب” في محاولة لاستيعاب الكارثة وهو يصدر تعليمات موجزة ملخصها قطف ما نجا من المبيدات ويصلح للبيع والأكل.
 
وقضت طائرات الاحتلال التي وزعت الموت على محصول “أبو محارب” المكون من 12 دونما من نباتات “السبانخ” و6 دونمات من نباتات “الفول” لتزيد من خسارته الممتدة منذ أن دمر الاحتلال بيته ومزروعاته في الحرب الماضية.
 
يقبض “حسام” على دلو فارغ وهو يقول: “تفاجأت بالطائرة ترش المبيدات، فأسرعت بعد مغادرتها وأحضرت مضخات مياه لإزالة المبيدات من أوراق النباتات لكن المبيدات قتلت كل أوراق المزروعات”.

قبيل زيارتي للحقل الحدودي بثلاث ساعات كان بعض التجار قد زاروا “حسام” وأحجموا عن شراء المحصول بعد مشاهدتهم لأوراقه المتحولة للون الأصفر من أثر المبيدات.
 
ويتابع لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” قائلاً: “دفعوا 13 ألف شيكل، ولما شاهدوا المشكلة رفضوا شراءه، سأقوم الآن بقص الأوراق والتخلص منها، أما ثمار الفول فأحاول أن أجمع السليم، أتلفوا كل شيء حتى البطاطا التي زرعتها على بعد 600 متر تضرر الكثير منها”.
 
وعلى بعد عشرات الأمتار نزل عدد من جنود الاحتلال من 3 عربات عسكرية بدأت تقوم بأعمال صيانة لإحدى الخلايا الشمسية المثبتة على السلك الإلكتروني شرق حقل “السبانخ والفول”.
 
وتدخل أحد أقارب “حسام” الذي أتى لمواساته وجمع ثمار “الفول” السليمة منادياً: ” من رش المبيدات هو مهندس متخصص”، ما أثار ضحكات بقية المزارعين في الحقل الذين انتصبوا ضاحكين.
 
منطقة مستهدفة

وإلى الغرب من حقل “حسام” يجلس المزارع “أيمن أبو محارب” متجاذباً أطراف الحديث مع أحد أصدقائه الذي جاء لمواساته لا يخترق حديثهما سوى صوت خرير الماء فوق شجيرات في الجوار ورشفات من أكواب الشاي.
 
وفقد “أيمن” محصوله في 15 دونما من ثمار “الفول والكوسا”، بينما فتكت مبيدات الاحتلال بأشتال القمح التي زرعها للمرة الأولى بعد توقف زاد عن عشر سنين، بسبب منع الاحتلال زراعتها وتكرار تجريفها عشرات المرات.
 
وعلى غير اتفاق كرر “أيمن” ما فعله جاره “حسام” حين هرع مسرعاً ورش المياه فوق المحصول لمحاولة إنقاذه من المبيدات ولكن دون جدوى.
 
ويضيف لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “تبعد زراعتي عن السلك 150 مترًا وهي مزروعة بالكوسا والفول وقربها قمح بدأ يخضر لكن الطائرة رشت كافة المحاصيل خاصة في المناطق المنخفضة فاصفر وتلف”.

وعاجزاً راقب “أيمن” الطائرة وهي تنخفض لارتفاع 10 أمتار وترش المبيدات على مسافة 100 متر، بينما قام الجنود بإشعال النيران وإثارة سحابة من الدخان لتجنب وصولها لمنطقة عبر علامة محددة فهمها “أيمن” من المشهد الذي تابعه .
 
ويتابع: “قديما كانت الجرافات تنوب عن الطائرات فتجرف الأرض والمزروعات لكن الآن الطائرات تبيد كل شيء أخضر، الآن فقدت كل شيء، ففي الحرب جرفوا بيتي وأقمت بيتاً خشبياً وعدت للزراعة متمنياً أن يعدل محصول الشتاء من أحوالي ولكن دون فائدة”.
 
ويؤكد نبيل جودة مدير وزارة الزراعة في دير البلح أن الاحتلال رش المزروعات قبل أيام بمبيدات فتاكة، وأنه في كل جولة يغير من أنواع المبيدات التي قضت قبل أيام على 1500 دونم.

ويشير أن وزارته تقوم بحصر الأضرار والتواصل مع المؤسسات الدولية وعلى رأسها الصليب الأحمر الذي موّل مؤخراً مشاريع زراعية في المنطقة المحاذية للحدود تماماً والتي ظلت مهجورة لسنوات طويلة.

ويضيف لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “الخسارة طالت ثمار الحبوب بأنواعها وكافة محاصيل الشتاء، فما وقع في المنطقة الحدودية هو كارثة بمعنى الكلمة، وهذه المرة الأولى التي تكون فيها الخسارة بهذا الشكل”.
 
ولم تحترم قوات الاحتلال الاتفاقية الموقعة مع المؤسسات الدولية والإغاثية التي بدأت منذ أسابيع بإعادة المزارعين لأراضيهم المهجورة في المنطقة الحدودية، مخترقة كافة الاتفاقات والتنسيقات الموقعة مسبقاً لتقضي على أحلام المزارعين وتكبدهم مزيداً من الخسائر.