عودة القمح إلى حدود غزة.. مصافحة الأرض بعد طول غياب

لا تخلو جلسات المزارعين في المنطقة الحدودية حول موقد النار كل ليلة من تمنياتهم أن ينجح محصول “القمح” هذا الشتاء في تغيير مسار حياتهم الاقتصادي بعد طول غياب.
 
وصافحت حبوب “القمح” كثيراً من الأراضي الزراعية على طول الشريط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المحتلة بعد أن حصلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على تصريح من الاحتلال بإعادة زراعته على الحدود.
 
وأهّل الصليب الأحمر مؤخراً 10 آلاف دونم في قطاع غزة، وعبّد طرقًا زراعية، كما أهّل 3500 دونم قرب الحدود؛ بهدف إعادة الزراعة للمناطق الحدودية من جديد.
 
وتكفلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بحراثة أراضي المزارعين مرتين استعداداً لزراعتها بالبذور بدءًا من موقع “الفراحين” شرق خان يونس حتى مجمع النفايات شرق دير البلح.
 
وتمكن كثير من المزارعين قبل أيام أن يصلوا لأراض منعهم الاحتلال من دخولها منذ 15 سنة، حيث لا يزال الاحتلال يعدّ تلك الأراضي الزراعية منطقة عازلة، ويطلق النار على كل متحرك فيها.

 
قمح الحدود

المزارع يوسف أبو مغصيب (39 عاما) كان دائما مثقلاً بالهموم، وأطفاله العشرة يحومون من حوله إلا هذه المرة قابله مراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” وقد امتزج تعبه بسعادة غير مألوفة.
 
أطفأ محرك دراجته النارية على فوهة المنحدر الطيني المحاذي لمنزله، كاشفاً عن سعادته بالوصول إلى أرضه الزراعية التي يفصلها عن السلك الحدودي مسافة “صفر”، كما يقول.

وأضاف لمراسلنا: “أملك 50 دونما تبدأ من الحدود مباشرة، وتمتد 500 متر غرباً، وقد هجرتها بسبب الاحتلال من سنة 2000، قديماً كانت مزروعة لوزيات وزيتونًا، وجرفها الاحتلال سنة 2002، واليوم عدت لها وزرعتها قمحًا”.
 
وتمكن المزارع “أبو مغصيب” وجيرانه من الحصول على تنسيق بعد مشروع تبنته اللجنة الدولية للصليب الأحمر، نظّفت فيه الأرض من المواد المتفجرة، ثم حرثتها، وأمدتهم ببذور القمح والبازيلاء.
 
ويتابع:”شعرت كأنني دخلت الجنة! كانت أمنيتي أن أصلها وأزرعها، فقد تعرضت كثيراً لإطلاق النار وأنا في الجزء الغربي منها؛ لأن أبراج الاحتلال تطلق النار بشكل آلي على مسافة 30 مترًا من الحدود”.

أجواء مختلفة

وتحت أشعة الشمس التي تمنح المزارعين قسطاً من الصمود أمام قسوة المنخفض الجوي المستمر، يتفوق فرحهم بالعودة إلى أراضيهم الحدودية على برودة الطقس.
 
ويبدو المزارع علي أبو صواويل (29 عامًا) مستبشراً بموسم الزراعة الحالي بعد أن عاد للعمل في أرضه المحاذية للحدود ولمسافة 300 متر.
 
ويضيف لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “بدأنا نحرث الأرض ونزرعها بعد أن هجرناها سنوات طويلة، وما يهدد زراعتنا الآن هو فقط طائرات الاحتلال الزراعية التي ترش المبيدات، وأبادت زراعتنا السنة الماضية”.

وتملك أسرة أبو صواويل 30 دونما على طول خط الحدود ويعتاش منها 30 فرداً، حيث تعرض منزل أسرته في العدوان الأخير للقصف، واستشهد شقيقه فيما لا يزال شقيقه الآخر رهن الاعتقال.
 
أرض مهجورة

ولا يصدق المزارع خالد أبو محيسن أن 90 دونماً التي يمتلكها قبالة بوابة موقع “كسوفيم” ستعود وتخضرّ من جديد بعد أن جرف الاحتلال مئات أشجار الزيتون والعنب والتين التي زرعها فيها قبل سنوات طويلة.
 
فمنذ اندلاع انتفاضة الأقصى؛ تعرض “خالد” لخطر إطلاق النار، ونال تجريف الاحتلال من أشجاره حتى قضي عليها كلياً سنة 2008 إبان “معركة الفرقان”، ومن يومها ظلت أرضاً قاحلة لا يتمكن حتى من الوصول إليها.
 
ويضيف لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “مساحة أرضي كبيرة، ومنها ما يبعد 100 متر من السلك، ولم نكن نصلها مطلقاً من اندلاع الانتفاضة، وعندما جرفوا كل الأشجار سنة 2008 هجرناها، ولم نعد لها سوى قبل أيام عندما حصلنا على تنسيق وحرثناها وغرسنا بذور القمح بعد 15 سنة من المنع” .
 
وتعرضت أرض المزارع خالد في العدوان الأخير للقذائف المدفعية، كما نالت من منزله الذي اضطر لتركه والعودة إليه بعد انتهاء الحرب ليجده نصف مدمر.
 
ويأمل أن تمضي الأسابيع ويتمكن من رؤية القمح يطل بقامته من جديد على أرض امتلكها من سنوات طويلة هجرها رغماً عنه قبل سنوات طويلة تحت تهديد إطلاق النار العشوائي والتجريف المتكرر.
 
وتقول سهير زقوت -المتحدثة الإعلامية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة- إن مشروع إعادة استصلاح الأراضي الحدودية هو مشروع متعدد المراحل.

وتشير أنهم بدؤوا في أغسطس عقب حرب 2014 بتنظيف الأرض من الأجسام المشبوهة، وإعادة تأهيل 3500 دونم من أراض ملاصقة للحدود ومهجورة.
 
وتؤكد أنهم وضعوا معايير للمزارعين المستفيدين من المشروع في المنطقة الحدودية من قبيل أن تكون الأرض تشكل مصدر رزقهم الوحيد، وتزيد عن 5 دونمات قبل أن يحرثوا لهم الأرض، ويمنحوهم بذورًا لخمسة دونمات.