الأربعاء 22/مايو/2024

في ذكرى انطلاقتها ..تحية للجبهة الشعبية

جمال عيسى.. القيادي في حماس

يوافق يوم الجمعة الحادي عشر من شهر ديسمبر كانون أول الذكرى الثامنة والأربعين لانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، يفصل عن ذكرى انطلاقة حركة المقاومة الاسلامية حماس ثلاثة أيام من الشهر نفسه، ولكن بفارق عشرين سنة بينهما. 

بالرغم  من أن الاعلان عن تاسيس الجبهة الشعبية تم بعد نصف سنة من “نكسة” حزيران  في العام 1967م. إلا أنها  تعتبر امتدادا لحركة القوميين العرب  التي تجلت في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم، وقدمت مع مكوناتها التنظيمية آنذاك التعبير الثوري للفكر القومي والذي أسس لحركة اليسار الفلسطيني بأعلى وتيرته الثورية في فلسطين بعد النكسة. 

تمتعت الجبهة الشعبية بقدر كبير من الديناميكية الفكرية، أهلتها أن تستفيد من رصيد الثورة الشيوعية الصينية والسوفيتية  دون أن تتكلس بقوالب مسبقة الصنع، فقد بدأت من ملتزم بالفكر الماركسي اللينيني، متقيد بأدبيات ماو تسي تونغ الى متحرر من النص، مسترشد بالتجربة العملية، وصولا إلى الانفتاح على الثورة والتجربة الاسلامية، وتكيفا مع خصائص الشعب الفلسطيني بانتمائه العروبي وهويته الحضارية الاسلامية. 

ومع الديناميكية الفكرية، كان معها وطوال مسيرتها النضالية حالة إبداع وتطوير لأشكال واساليب العمل الفدائي، داخل فلسطين وخارجها، فقد سجل تاريخ الثورة الفلسطينية أن الجبهة الشعبية تميزت عن غيرها بأتها صاحبة السبق في أكثر من نمط للعمل الفدائي، وسلوك قبادي على حد سواء. 

فرصيد الجبهة الشعبية زاخر بمرتبة “أول”، حينما نستذكر أنها أول من استخدمت الحزام الناسف حينما نفذت عملية تفجير في سينما حين في القدس واوقعت قرابة ستين قتيلا، وأول من أستخدم قذائف الهاون على المستوطنات الصهيونية من قطاع غزة، وأول من قام بعملية خطف الطائرات ومبادلة الأسرى، وأول من نفذ عملية اغتيال لمسئول سياسي صهيوني برتبة وزير في الحكومة الصهيونية .. 

وفي السلوك القيادي، كانت الجبهة تقدم نموذج أول  أمين عام  لفصيل فلسطيني يخلي موقعه ليخلد التاريخ ذكرى الراحل المؤسس جورج حبش، وليقدم من بعده الأمين العام للجبهة أبو علي مصطفي نموذج أول أمين عام لفصيل فلسطيني تغتاله قوات الجيش الصهيوني بقصف صاروخي في مكتبه، وليقدم من بعدها الأمين العام للجبهة المناضل أحمد سعادات نموذج اول أمين عام لفصيل فلسطيني يودع في سجن أريحا التابع للسلطة الفلسطينية، ثم اسيرا لدى العدو الصهيوني وما يزال. 

وتقدم الجبهة نموذج أول مناضلة فلسطينية تقوم باكبر عدد من عمليات خطف الطائرات في العالم، وما تزال ليلى خالد حية ترزق نموذجا للفدائية الفلسطينية في هذا المجال، وعلى الصعيد السياسي تقدم عضو المكتب السياسي، عضو المجلس التشريعي المناضلة خالده جرار نموذج الصمود والتحدي في وجه محكمة صهيونية ترفض الاعتراف بشرعيتها تستقبل حكم الحبس عليها بكل كبرياء وانتصار. 

ومع أن الجبهة الشعبية مؤسس أصيل لمنظمة التحرير الفلسطينية، إلا أنها رفضت الاعتراف بالكيان الصهيوني، ورفضت الاعتراف بالتسوية، واتفاقات السلام الموهومة مع العدومن كامب ديفيد إلى أوسلو، ورفضت المشاركة في السلطة، بل وعارضت من داخل المنظمة الموقف من التسوية، وجمدت مشاركتها في اجتماعات اللجنة التنفيذية لفترة من الزمن احتجاجا على الممارسات التعسفية لقياداتها المتنفذة ، وتعرضت لحصار مالي بسبب ذلك، ومؤخرا يسجل لها انها رفضت أن تستخدم في غطاء أو أن تكون شريكا في انعفاد المجلس الوطني  الفلسطيني على غير الأسس القانونية والتنظيمة والوطنية والسياسية المعتبرة. 

كشف الجبهة الشعبية  من خلال عملية اعتقال امينها العام أحمد سعادات حجم العملية الأمنية المشتركة التي تحكم قرار السلطة، فهو قرار تساهم فيه وترعاه أمريكا وبريطانيا ودولة العدو ومسئولون فلسطينيون وعرب من أكثر من دولة. 

وكشفت تجربة الجبهة الشعبية في إدارة القرار الفلسطيني من خلال منظمة التحرير الفلسطينية مدى الحاجة الملحة والفورية لاعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية وإصلاحها وترميمها وإعادة هيكلتها تنظيميا وسياسيا بما يؤهلها لتمثيل الشعب الفلسطيني بما يستحقه هذا الشعب العظيم . 

كما أظهرت الممارسة السياسية والعسكرية للجبهة الشعبية مدى التحولات السياسية التي طالت النظام العربي ، حينما طافت على أنظمة المنطقة تبحث عن الاحتضان والدعم بما يضمن ديمومة الثورة وصمود شعبنا في مواجهة الاحتلال الصهيوني. 

تأتي ذكرى انطلاقة الجبهة الشعبية هذه السنة ، ونحن نشهد ملامح انتفاضة القدس في تصاعد ، وتتقدم الجبهة من موقع مسئولياتها الوطنية بالمشاركة الميدانية مع بقية القوى الوطنية المختلفة ، وتبادر بوثيقتها المميزة من أجل تطوير ودعم وإسناد الانتفاضة بما يؤسس لبرنامج ودليل عمل وطني بامتياز . 

إن التحديات التي تواجهها الجبهة الشعبية في الداخل والخارج ، تفرض على قيادتها وفي المقدمة منهم الأخ الكبير الرفيق أبو أحمد فؤاد الكثير من المسئوليات والواجبات ، فهو وكما عرفته شخصيا ، لم يدخر جهدا في تحقيق الوحدة الوطنية ، وتفعيل دور الشتات بما يحقق التلاحم مع الداخل ، وحماية واقع المخيمات الفلسطينية من مشاريع التصفية ، وصيانة حق العودة وتطوير برامجه ، وفي هذه الأيام يزداد نشاطا في مرحلة الانتفاضة بالذات ويجدد نموذج قيادة وطنية  لا يقل عمن سبقه من قيادات الجبهة الشعبية التي أكرر إليها مرة أخرى التقدير والاحترام والتحية . 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات