الثلاثاء 21/مايو/2024

المثلث المنسي في مقبرة مأمن الله الإسلامية في القدس

المثلث المنسي في مقبرة مأمن الله الإسلامية في القدس

ارتفع طول البنيان الجديد للبرج السكني في أقصى الجهة الشمالية من مقبرة مأمن الله التاريخية في القدس المحتلة، منذ أسابيع، ضمن تنفيذ مخطط جديد لبناء أبراج سكنية للطلبة الجامعيين، يضم منشآت تجارية وترفيهية، فيما يتم حاليًّا تجهيز الأرضية لبناء برج آخر مماثل مقابل البرج الأول، وذلك بمبادرة البلدية العبرية في القدس المحتلة وتنفيذ شركات صهيونية متعددة.

فيما وصف رئيس البلدية “نير بركات” هذا المشروع بالاستراتيجي، وتوسيع الجهد الإسكاني لمركز المدينة، وتحويله لأكثر جاذبية وفعالية في موقع يعتبر من أكثر المواقع الإسلامية استهدافًا في القدس المحتلة، بهدف تدمير وطمس هذا المعلم التاريخي ومحاولة ربط غربي المدينة بشرقها تحت مسمى القدس العاصمة الموحدة.  
 
وأشار خبراء إلى أن هذا الجزء من مساحة مقبرة مأمن الله الإسلامية والتاريخية يكاد يكون منسيًّا، في ظل عدم تسليط الضوء عليه أو تعريفه باعتباره جزءًا لا يتجزأ منها؛ حيث لم يتم التركيز عليه من خلال الحديث عن استهداف أكبر وأعرق مقبرة إسلامية في فلسطين التاريخية، الأمر الذي دفع إلى التذكير والتعريف به وبالمخططات التي استهدفته مبكرًا، وتضاعفت في الأيام الأخيرة، في هذا التقرير الذي أعدته “كيو برس”.

من فمهم ندينهم

يقع المكان الذي يشبه في حدوده شكل المثلث وتصل مساحته الى نحو خمسة دونمات، في أقصى الجهة الشمالية للمقبرة، بعد قطع الطريق الفاصل بين جنوبها وشمالها. وقد تم استهداف هذه القطعة وفصلها عن باقي المقبرة في أوائل ستينيات القرن الماضي؛ حيث تم شق طريق يفصل بين أجزاء المقبرة، ثم ما لبثت البلدية حتى أقامت مجمعًا تحت اسم “بيت أجرون” يضم ثلاث أبنية هي “بيت الصحفيين” الذي استخدم جزء منه مكتبًا للإعلام الحكومي الصهيوني ومكاتب لـ”رابطة الصحفيين الإسرائيليين”، أما البناية الثانية فهي “بيت المهندسين”، والبناية الثالثة “مركز ثقافي” تضم قاعات عرض لتاريخ عبري “موهوم” في القدس المحتلة تحت اسم “مصعد الزمن اليروشالمي”.

كما بني على جزء من مساحته موقف للسيارات فوق الأرض وتحت الأرض، سمي حتى وقت قريب “موقف دوار القطط” وحوّل اسمه مؤخرًا إلى “موقف متحف التسامح”.
 
من جهته، ذكر المؤرخ الصهيوني “يهوشع بن أرييه” ضمن دراسة نشرت له في عام 2008، بأن الحدود الشرقية الشمالية لمقبرة مأمن الله هي الأبنية العثمانية التي بقيت حتى اليوم في طرف شارع “بن سيرا”، وهي أبنية تدور حول المقبرة من طرفها الشرقي والشمالي، وكانت محاطة بجدار يبيّن حدها آنذاك.

وكذلك فإن الحي اليهودي “نحالات هشبعاه” الاستيطاني، الذي بني عام 1869 على الحدود الشمالية للمقبرة، يحد المقبرة، أي أن الجزء الجنوبي للمستوطنة كان على حد المقبرة، ويتضح هذا في كثير من الخرائط والصور الجوية، منها الخرائط البريطانية.

وفي بداية الستينات قامت المؤسسة الصهيونية بشق شارع “هيلل” من قلب المقبرة، وبنت موقف للسيارات على حساب المقبرة، قسم منه فوق الأرض وقسم منه تحت الأرض، والذي ما زال جزء كبير منه حتى اليوم. وكانت المقبرة بمساحتها الإجمالية كلها وحدة متكاملة، تحت اسم (قسيمة 1 من قطعة رقم 30036)، إلى أن تم توزيع وتقسيم المقبرة الى قطع وقسائم متعددة.
 
وفي بحث نشر على موقع عبري “كل شئ عن القدس” ذكر هناك أن بلدية القدس أقامت مبنى “بيت أجرون” والمدرسة التجريبية وبيت المهندس على جزء من مقبرة مأمن الله التاريخية.

فيما أعد القسم الهندسي في “مؤسسة الأقصى للوقف والتراث” قبل سنوات خارطة هندسية تبين أن هذا المثلث هو جزء لا يتجزأ من مساحة مقبرة مأمن الله التاريخية، وتلته دراسة أعدها خبير مساحة وصور جوية صهيوني يدعى “سمندر بنيامين”؛ حيث تبين أن المثلث المذكور هو ضمن مساحة المقبرة. وأظهرت الصور المرفقة للدراسة، التغيرات التي جرت عليه بعد العام 1948 وحتى أيامنا هذه.
 

برج سكني وتجاري 

لعل نظرة لتسلسل المخططات والبرامج الهندسية التي وضعت للمنطقة المذكورة خلال العقدين الأخيرين تشير إلى مدى سعي الاحتلال الحميم وإصراره على طمس وتدمير هذه المنطقة وطيها طي الكتمان وتهويدها بالكامل.

فمنذ عام 1996 وحتى عام 2015 وضعت ثلاث مخططات كبيرة ومتتالية للموقع، انتهت قبل نحو ثلاثة أشهر بإعلان المصادقة النهائية على المخطط رقم (0114850-101)، لإضافة طوابق إلى مجمع الطلاب السكني “بيت أجرون”، ليصبح مجمع أبراج سكني وتجاري يضم برجين سكنيين متقابلين، شرقي وغربي في طرفي المثلث المذكور، ويتوسطهما في الخلف “بيت الصحافة” مع إضافات استخدامية على سقفه.

أما البرج السكني الأول “المبنى الشرقي A” سيكون على تسعة طوابق فوق الأرض وطابق واحد تحت الأرض، ثم مساحة فاصلة بين البرجين، يليه البرج السكني الثاني “المبنى الغربي B” الذي سيكون على ثمانية طوابق.
 
وبحسب خرائط ووثائق اطلع عليها قسم الرصد في “كيوبرس”، يتبين أن البرجين يضمان مئات الشقق السكنية للطلاب الأكاديميين ومرفقات ترفيهية وحواصل تجارية ومطاعم ومقاهي ونوادي وخمارات، وتقدر تكلفة المشروع البدائية بنحو 70 مليون شاقل (نحو 18 مليون دولار) وقد ترتفع مع الأخذ بعين الاعتبار شكل الأبراج السكنية النهائي والاستعمالات المرافقة.

كان هذا المخطط خاتما لمخططات سابقة حملت رقم “9521” من العام 2006 ومخطط “4070” من العام 1996، وتحدثت كلها عن شقق سكنية ومرافق، لكن بحجم أقل، لتنتهي بهذا المخطط الكبير، علمًا أن استهداف هذا الموقع والجزء من مقبرة مأمن الله بدأ مبكرًا بمخطط رقم 856 في عام 1962 لإقامة مبنى “بيت أجرون” الكبير متعدد الأهداف، ثم أضيف له موقف سيارات كبير فوق الأرض وتحتها، وهو ما حصل بالفعل وظل قائمًا حتى الآن.

وأضيف إليه المخطط التنفيذي الأخير الذي يتزامن مع مخططات أخرى تستهدف الأجزاء الأخرى من مقبرة مأمن الله.  
 

تهويد مركز المدينة 

من المفارقات أن تتحدث الأوساط الرسمية الصهيونية عن أهمية هذا المشروع لتقوية مركز المدينة وتهويدها، ضاربة بعرض الحائط تاريخ الموقع ومساحته وأنه جزء من مقبرة إسلامية تاريخية دفن فيه عدد من الصحابة، ثم التابعين وجمهور المسلمين وعلمائهم على امتداد 14 قرنًا.
 
ففي تاريخ (9-6-2015) صادق على المخطط وزير الداخلية الصهيوني -بصفته المسؤول الأعلى لملف التخطيط الصهيوني العام- والقائم بأعمال رئيس الحكومة الصهيونية “سلفان شالوم”، وقال معلقًا: “المخطط سيساعد على حل الضائقة السكنية للطلاب الجامعيين وللشباب”.  

أما نير بركات، رئيس البلدية العبرية في القدس المحتلة، فقال: “نرى أهمية استراتيجية لإعطاء فرص للشباب والطلاب الجامعيين للسكن في القدس. مساكن الطلبة في وسط مركز القدس هي مبادرة أخرى لزيادة السكن في القدس وتقوية مركز المدينة وتحويله إلى أكثر جاذبية وفعالية. أما لجنة التخطيط في القدس فقالت: “الإضافات الأخيرة على المخطط مهمة جدا خاصة لتطوير مركز المدينة”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات