الأحد 28/أبريل/2024

مذكرات القائد القسامي الأسير سليم حجة (الجزء الثاني)

مذكرات القائد القسامي الأسير سليم حجة (الجزء الثاني)

ذكريات الاعتقال… والتسليم… لدى الأمن الوقائي

بعد حملة الملاحقة لي من قوات الاحتلال وأجهزة السلطة عدت من جنين إلى نابلس والتقيت بالمجاهد نسيم أبو الروس رحمه الله وكان الهدف من اللقاء هو التدرب على مادة النيتروجلسرين وتحضير بيت يوجد به أدوات  مخبرية لهذا الغرض لأنني في فترة وجودي في جنين طور قسم الهندسة في الكتائب وأتقن تصنيع هذا النوع من المتفجرات، وقد كنت أعرفها نظريا؛ ولكن لانشغالي في تنظيم المجموعات وبنائها ونقل العمل إلى المدن لم أزاول تصنيعها، مع العلم أنني كنت ملمًّا بتصنيع ما سبقها من مواد.

خرجت أنا والشهيد نسيم أبو الروس كل منا إلى مهمة خاصة به، واتفقنا أن يكون اللقاء في ساعة محددة وعندما حان موعد اللقاء لم يحضر الشهيد نسيم، وعندما أصبح وضعي حرجا في ذلك الوقت في الشارع والساعة متأخرة والشوارع فارغة والبرد شديد، اتصلت بأخي مصطفى وكنت أظن أنه موجود في نابلس كي أخرج من المأزق وبالفعل اتصلت به ولكنه أخبرني أنه خرج من نابلس إلى بلدتي برقة. قررت بعدها الاتصال بالأخ أمير ذوقان من مخيم بلاطة، وهو أحد أصدقائي في سجن شطة سابقا… وهذا الأخ من كتائب الأقصى ويعمل في جهاز الأمن الوقائي، وقد اعتقل لاحقا وحكم عليه 8 مؤبدات وأفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار. كنت أريد من أمير أن يشتري لي قطعة سلاح من نوع شتاير مناسبة للمطارد لأن حجمها صغير ويمكن إخفاؤها بسهولة… اتصلت به وسألته عن مكانه وهل هو في داخل المدينة أو المخيم وإذا بإمكانه الحضور لطرفي خلال أربع دقائق فقال لي نعم، فقلت له أنا موجود في شارع فيصل عند المقبرة فتأخر في الحضور فاتصلت به مرة أخرى فقال لي وصلت المقبرة الغربية. قلت له أنا قلت لك عند المقبرة الشرقية وأنا انتظرك وبقيت انتظره وطالت مدة وجودي في المكان أكثر من الزمن الآمن وكان هذا خطأ أمنيا كبيرا أدى إلى اعتقالي.

حضر الأخ أمير ومشينا خطوات فإذا بعدد من عناصر الأمن الوقائي باللباس المدني يصرخون ويرفعون السلاح علينا وكنت عندها خلف الأشجار وأحمل مسدسا فرفعت المسدس وتمركزت خلف شجرة وهممت أن أطلق النار عليهم لأنني اعتقدت أنهم قوات خاصة “إسرائيلية” وفي تلك اللحظة دار بينهم وبين أمير أحاديث فعرفت أنهم من الأمن الوقائي عندها ترددت في إطلاق النار فاقتربوا مني أكثر وحدث عراك بيننا أنا أرفع السلاح على صدر أحدهم وهم يرفعون السلاح باتجاهي وحدث عراك ومشادة قصيرة وبعدها أدركت إما أن أقتلهم وأهرب وكان بإمكاني ذلك ولكن لم أرد بعد كل دم “الإسرائيليين” الذين في رقبتي أن أقتل ابن جلدتي والخيار الثاني أن أسلم نفسي وكنت على مسافة 100 متر من مركز شرطة محافظة نابلس ولا فائدة من هذه المعركة فقررت الذهاب معهم خاصة أنه لا يوجد قرار بالمواجهة معهم وإطلاق النار حتى لو أدى إلى قتلي.

بالفعل اعتقلوني وأخذوني إلى مقر الأمن الوقائي في مبنى المقاطعة في نابلس وهناك جلس معي عدد من كبار الضباط ومنهم قائد الأمن الوقائي وقائد الأمن الوطني حتى ساعات الفجر وكان الحديث له طابع سياسي فقط.

في الصباح زارني أهلي وبعد العصر جاء عدد من الجنود وقالوا لي حضر أغراضك فاعتقدت أني منقول إلى سجن نابلس الذي يبعد حوالي 300 متر وكنت بالسيارة ففوجئت أن السيارة تجاوزت سجن نابلس واتجهت نحو مدخل نابلس الشرقي فقالوا لي أنني منقول إلى المقر العام في بيتونيا-رام الله بتنسيق أوروبي فوصلنا إلى الحاجز “الإسرائيلي” وحضر ضابط “إسرائيلي” إلى سيارة الأمن الوقائي التي استقلها وتحدث معهم وذكر اسمي واتصل بجهاز جوال وبعد دقيقتين جاءت آليتين عسكريتين “إسرائيليتين” ورافقننا إلى رام الله وهناك أدخلوني إلى زنزانة في قسم التحقيق في مقر الوقائي وهذه الزنزانة على قدر الفرشة ومسموح الخروج إلى الحمام في اليوم 3 مرات فقط.

وهذه الحادثة مرت علي كالحلم ولم أكن أستوعب ما يحصل معي بأن أنقل إلى رام الله بدوريات الأمن الوقائي و”الإسرائيليين” معا. وبعد أن كنت مطلوبا رقم (1) في هذه الفترة ومختفيا عن الأنظار ينظر إلي الضابط “الإسرائيلي” وعيني في عينه مباشرة من مسافة متر.

وقضيت فترة التحقيق في هذه الزنزانة وهي 30 يوما ولم أتفوه بكلمة وكانت علاقتي بالعمل مقتصرة على الشهداء. وبعد ذلك وبعد مطالبة المعتقلين في السجن بإخراجي من الزنازين؛ وبعد عدة مشاكل مع الإدارة أخرجوني إلى السجن والتقيت هناك بصديقي بلال البرغوثي وأحمد أبو طه وعماد الشريف وإسماعيل شقشق وإبراهيم الشوعاني وأحمد البايض وآخرين وكان كل السجناء الموجودين معنا في السجن معتقلين على خلفية المشاركة في المقاومة وهم من الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وحماس ولكن أخطر المطلوبين كنت أنا وبلال البرغوثي وأحمد أبو طه والعدد الكلي 23 معتقلا.

عند دخولي للسجن أخبرني المعتقلون أنّ سلسلة من المشاكل الكبيرة حصلت بينهم وبين ضباط الأمن الوقائي وكان هناك ضرب واشتباكات وجرحى من الطرفين وتدخل ممثلو حماس في رام الله لحل الإشكالات. وبعد يومين من وجودي بين المعتقلين بدأنا العمل من أجل تفعيل قضيتنا والمطالبة بالإفراج عنا وأجرينا اتصالات مع القوى والفصائل الوطنية والإسلامية ومع قادة الحركة ومع قيادة الأمن الوقائي وأخذنا وعودا بالإفراج عنا بالتدريج وعملنا سلسلة احتجاجات كبيرة داخل السجن ووصلت الأمور إلى الاشتباكات بالأيدي مع السجانين مرة أخرى واعتصمنا في ساحة المقر ورفضنا الدخول حتى حضر جبريل الرجوب وجلس معنا في مكتبه الساعة الثانية فجرا وحصلنا على وعودا منه بالإفراج والسماح لنا في البداية بالخروج إجازات وتم الإفراج على أكثر من دفعة وبقينا في السجن مع سبعة إخوة آخرين.

كانت ظروف الاعتقال في البداية صعبة جدا ولكن بعد سلسلة من المشاكل والاحتجاجات والتدخلات الخارجية والحوارات تم تحسينها بالتدريج والغريب أنه لم يبقَ في سجون السلطة في غزة والضفة إلا نحن وكنا نشعر بضعف موقف قيادة الأمن الوقائي وارتباكهم وارتباك عناصرهم أمام عدالة قضيتنا وصلابة موقفنا وقوة حجتنا.

من المفاجآت الغريبة أن الأمن الوقائي كان يستخدم أساليب العدو الصهيوني في معرفة ما يجري داخل غرفتنا داخل السجن؛ فقد قام بتجنيد أحد عملاء الصهاينة ليعمل معه جاسوسا علينا داخل غرفتنا ويقوم بنقل أخبارنا وماهية حياتنا بل وألقابنا التي ننادي بها على بعضنا البعض (أبو أحمد- أبو عمر- أبو قيس) حيث تم اعتقال هذا الشخص لدى الأمن الوقائي بحجة أن له علاقة بالمقاومة ومع الأيام لاحظنا عليه الارتباك الشديد ودار حوار معه أدى إلى مصارحته لنا وفوجئنا أنه متهم بالعمالة لـ”إسرائيل” أيضا وأهله متبرئون منه ولا يقبلوا حتى الحديث معه. واعترف أنه تم تجنيده لصالح الأمن الوقائي من أجل التجسس علينا في السجن واختراق صفوفنا والعمل معنا حيث كان يلمح لنا عن رغبته بالعمل في المقاومة مع الحركة الإسلامية وبعد مصارحته لنا خرج عدد من الإخوة إلى أحد قادة الجهاز وقالوا له بصراحة إن عميلكم الذي زرعتموه بيننا قد اعترف أنه تم تجنيده من قبلكم للتجسس علينا مقابل مبلغ من المال كان موقف هذا الضابط محرجا ولم يستطع الإجابة.

وبعد ساعات بدأ هذا الشخص (عميل الأمن الوقائي) بالطرق على الأبواب إلى أن حضر السجانون وأخذوه وهذا يدلل على مدى خطورة هذا الجهاز بأن يجند شخصا متهما بالعمالة لـ”لإسرائيليين” لاختراق صفوفنا.

قبل حصار المقر وتسليمنا لقوات الاحتلال بأيام حدث اجتياح آخر واستشهد في هذا الاجتياح 13 مواطنا فلسطينيا في رام الله وأبلغني مدير السجن أنه يوجد قرار بالإفراج عنا بعد الاجتياح وانتهى الاجتياح ولم يتم الإفراج عنا رغم مطالبتنا بذلك.

وبعد أيام حدثت عملية البارك (نتانيا) وقتل بها 30 صهيونيا وأيضا حدثت عملية أخرى لكتائب القسام وهي عملية اقتحام مستوطنة آلون موريه وقتل فيها عدد أخر عندها شعرنا بخطورة الموقف وأننا على أبواب خطوة كبيرة ورد كبير من قوات الاحتلال، وبدأنا نسمع بالإعلان عن حشد الدبابات قرب رام الله وبدأنا بالمطالبة بالإفراج عنا وإحضار ضباط كبار للحديث معهم، وكان رد السجانين أنه لا يوجد أحد، وبدأت الدبابات بدخول رام الله والبيرة، وهدم مقر الرئاسة وأخذوا بالتجول في شوارع بلدة بيتونيا المتواجد به السجن الذي نحتجز به… وبقينا طوال الليل نطالب بحضور أحد الضباط للتفاهم معهم ولكن دون جدوى، بدأت الدبابات بالتقدم نحو المقر وعند الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم الاجتياح حضر إلى السجن نائب قائد جهاز الأمن الوقائي الأول واسمه الجبريني ونائب قائد الجهاز الثاني زكريا مصلح وجلسا معنا وقالا لنا بصراحة لم يعد هناك شيء يربطنا بـ”الإسرائيليين”، ووضعكم بهذا السجن وبقاؤكم فيه خطر وأنتم الآن أحرار، ولكن قبل أن تقرروا الخروج يجب أن تنزلوا معنا إلى المقر حتى تروا ماذا نعمل ونزلنا إلى قسم التحقيق في المقر الرئيسي وهناك جلسنا مع بعضنا نحن الأسرى سليم حجة، بلال البرغوثي، أحمد أبو طه، إبراهيم الشوعاني وإسماعيل شقشق وأحمد الهندي ومحمد البايض، أما بخصوص الأخ إبراهيم أبو الرب فبقي محتجزا مع زوجته وطفلته التي عمرها 3 شهور في غرفة دون أن يبلغوه بشيء حيث كانت عائلته في زيارته وقت الاجتياح.

تناقشنا ماذا نعمل هل نخرج ونغامر معا أم نخرج فرادى أم أن بقاءنا في المقر أفضل وأكثر أمنا خاصة أن مقرات الأمن الوقائي لم تهاجم من قبل الاحتلال، خاصة فترة احتجازنا لم يتم قصف مقر الوقائي مع أن بقية مقرات السلطة بما فيها مقر الرئيس تم قصفها ولم نشعر أن قادة الأمن الوقائي كانوا يحسبون حسابا لقصف المقر أو قصفنا نحن في السجن أو اقتحام المقر. ومرة واحدة تم إخلاؤنا إلى ساحة السجن بسبب غارات على رام الله من قبل طائرات الاحتلال ومرة أخرى تم إخلاء المقر الرئيسي دون إخلائنا. وهذا يدل على عدم مسؤولية قادة الأمن الوقائي تجاه أمننا وحياتنا.

بعد نقاش دار بيننا نحن المعتقلين خرجنا بموقف أن نخرج بالتدريج وكل أخ عنده قدره ويستطيع تدبير أموره يخرج من السجن، واخترنا أخوين للخروج في أول دفعة وهم من أصحاب القضايا الأقل منا خطورة وهم محمد البايض الذي يبعد منزله عن السجن 200 متر والأخ إبراهيم الشوعاني الذي له بعض الأقارب في قلنديا وبيتونيا، وفعلا أبلغنا المقدم أمين السيوطي بالموقف وأن الأخوين إبراهيم ومحمد يريدان الخروج، وعندها تفاجئنا بالموقف الجديد… إنه لا يستطيع إخراجهم على مسؤولية جهاز الأمن الوقائي؛ وإنما على مسؤوليتهم الشخصية، ويجب أن يكتبوا تعهدات شخصية بهذا الخصوص ويريد شاهدين منا على هذا التعهد مع أننا قبل ساعات بلغنا بأننا أحرار ونستطيع الخروج. فتشاورنا مجددا وقررنا كتابة هذه التعهدات وشهدنا أنا وبلال البرغوثي عليها وهنا جاءت المفاجأة الجديدة أنه لا يمكن إخراجه دون حضور العقيد زكريا مصلح وبعد ساعات حضر العقيد زكريا والعقيد أبو أسامة الجبريني قائد الموقع وكانت الساعة السادسة مساء تقريبا، ودار حديث بيننا على ضرورة خروجهم وتسليحهم وإذا لا يريدون تسليحهم فليعطوه سلاح من سلاحنا الشخصي الذي تم مصادرته منا لحظة اعتقالنا.

كان موقف زكريا مصلح بالرفض وخرجوا من عندنا وقالوا سنعود بعد وقت قصير لنخرجهم ولم يوفوا بالوعد وإنما جاؤوا عند الساعة الحادية عشر ليلا وقاموا بإخراجهم من السجن. أما الأخ محمد البايض ابتعد عن السجن حوالي 200 متر واصطدم بدبابات الاحتلال ولم يدرِ أين يذهب فعاد إلى السجن، وهذا شكل ضربة معنوية لنا وأكد على خطورة الموقف حول المقر. 

وأما الآخر إبراهيم الشوعاني فخرج عندما وصل إلى بناية (عمارة) قر

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات