الأحد 28/أبريل/2024

الاستعداد للحرب .. اقتدوا بغزة

الاستعداد للحرب .. اقتدوا بغزة

رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية “روسيا والعالم الإسلامي”
مقال نشر في صحيفة زافترا الروسية

إن العلامة الأبرز في السياسة العالمية الراهنة هي تزايد احتمالات نشوب حرب عالمية. كما أن الأشهر الثمانية الأخيرة عززت هذه الفرضية، وهناك عدة الشواهد على ذلك:
 ـ الزيادة الحادة في الإنفاق العالمي على التسلح، وزيادة حدة التوتر على الصعيد السياسي والعسكري.
 ـ التصريحات العلنية والأحاديث غير المعلنة التي تصدر عن كثير من السياسيين البارزين، وتؤكد قرب نشوب حرب كبيرة.
 ـ وجود بعض المؤشرات الدالة، فمثلا باشرت موسكو اعتبارا من نهاية العام الماضي في وضع تصاميم لبناء ملاجئ محصنة، وتشمل الخطة بناء خمسة آلاف ملجا خلال عامي 2011-2012م، وستكون هذه الملاجئ موزعة تحت البنايات السكنية، والمجمعات التجارية والمرافق الرياضية ومواقف السيارات. في حين أن إنشاء هذه الملاجئ سيتم على عجل.

علما بأن تكلفة وضع التصاميم للملجأ الواحد تبلغ حوالي خمسة وعشرين ألف دولار، أما تكلفة البناء فتبدأ من خمسين ألف دولار، وتعتمد التكلفة النهائية على مدى عمق الملجأ، وعلى مدى حصانة الطبقة العلوية، ومدة صلاحية الملجأ للمكوث فيه. وتبلغ تكلفة الصيانة السنوية وفحص عمل الأنظمة والتمديدات حوالي 10% من تكلفة البناء. أما الميزانية الكلية التي رصدتها موسكو لهذا المشروع فتبلغ 9-12 مليار روبل، بما فيها نفقات الصيانة السنوية.

غير أن العامل الأهم في ترجيح فرضية نشوب حرب عالمية جديدة، هو التزايد الحاد في حالة الغموض الاستراتيجي، فحجم المشاكل والتناقضات قد تزايد لدرجة أنه لم يعد من الممكن حلها باتباع الوسائل الاعتيادية، فمثلا في الفترة ما بين عامي 2004-2005 كان هناك العديد الدراسات الاقتصادية التي تنبأت بقرب وقوع أزمة مالية، ولم يكن بمدور أي أحد أن يفعل شيئا لتجنب وقوعها، إلى أن وقعت بالفعل في عام 2007-2008.. وفي الوقت الراهن يتحدث الخبراء الاقتصاديون عن قرب وقوع أزمة عالمية اجتماعية – اقتصادية، تبدأ في عام ألفين واثني عشر، وفي هذه المرة أيضا ليس بمقدور أحد أن يفعل شيئا.

في ظل تحول أزمة النظام العالمي إلى واقع يومي مكروه. تؤكد تجارب التاريخ أن الحل الأفضل في هذه الحالة، هو إتباع نظرية “الاسكندر المقدوني” وهي أن الحرب في هذه الظروف تشكل فرصة للتخلص من العقد المستعصية، والمشاكل الغير قابلة للحل. فعلى سبيل المثال من المستبعد أن تتوصل كل من روسيا والولايات المتحدة لحل في ما يتعلق بالدرع الصاروخية، لا سيما وأن المجمع العسكري الصناعي الأمريكي يسعى لتوظيف تقنيات عالية التطور من الجيل التقني السادس في هذا المشروع، وبالتالي سيكون من الممكن تحقيق تفوق حاسم في المجال النووي الصاروخي، ما يعطي الولايات المتحدة فرصة إضافية للبقاء كدولة عظمى على مستوى العالم لـ 20-30 سنة إضافية، وفي ظل تزايد حدة التنافس العالمي على موارد الطاقة لا يمكن لروسيا ولا حتى للصين أن تسمحا بتمرير هذا السيناريو.

هناك عامل آخر يزيد من احتمالات نشوب حرب عالمية خلال السنوات 5-7 المقبلة، ويتمثل في تزايد حدة التناقضات بين النخب السياسية في الكثير من الدول المتقدمة، ففي الولايات المتحدة مثلا نجد أن إقامة الدرع الصاروخية هي النقطة الأساسية والوحيدة التي تشكل دافعا لتضامن مؤسسة القرار الأمريكية. لكن الحرب ستجلب تبعات كارثية وستشكل نوعا من أنواع الانتحار، ولحسن الحظ هناك بعض العوامل التي تعيق وقوع هذه الفرضية المخيفة. وواحد من هذه العوامل، هو وجود برامج تعبئة نظامية وطنية ، فإذا كانت هذه البرامج فعالة في بلد ما فإن ذلك يشكل ورقة رابحة، قد تمكنه من تجنب الإنجرار للحرب أو على الأقل الابتعاد عنها قدر الإمكان. عملية التعبئة النظامية تجري على قدم وساق في عدد من البلدان، منها الصين وإيران والهند. وقد بدأت الولايات المتحدة تولي اهتماما واضحا لهذه المسألة بعد عام ألفين وواحد. في الحقيقة هناك تجربة متميزة في مجال التعبئة النظامية كانت من نصيب الاتحاد السوفيتي، وهذا تحديدا ما مكنه من تحقيق قفزة صناعية ساعدته في الإنتصار في الحرب الأعنف والأكبر في القرن العشرين، وأن يصبح بعد إنتهاء الحرب دولة عظمى.

في الحقيقة إن زيارتنا الأخيرة لقطاع غزة أعادت إلى أذهاننا بعض مكونات السياسة التعبوية التي طُبقت في عهد ستالين، والتي نسيتها روسيا الحديثة أما الفلسطينيون فيدركونها جيدا ويطبقونها..

التضامن التعبوي بين الحكومة والشعب

معظم سكان قطاع غزة على قناعة بأن الاعتداء الصهيوني المقبل سيقع حتما، والتساؤل يقتصر على موعد حدوث هذا العدوان. فـ غزة تعد العدة لهذه الحرب المحتملة، وذلك بعض النظر عن التغيرات الإقليمية التي حدثت في الأعوام الأخيرة، والتي لا تصب في صالح إسرائيل.

القيادة العسكرية والسياسية في حماس تدرك تماما أن النجاح في الدفاع عن القطاع، يتطلب جهدا تعبويا شعبيا من نوع خاص. وقد وضعت خطة تفصيلية لمواجهة حالات الطوارئ في حال حدوث إعتداء إسرائيلي جديد، يشارك فيه عشرات الآلاف. وقد عبر رئيس الوزراء إسماعيل هنية عن ذلك خلال لقائه مع الوفد الروسي قائلا: “من المهم أن يكون كل ساكن من سكان غزة مدرك لمسئوليته تجاه الشعب كله”

المهمة الأساسية تتمثل في تحقيق حالة من التضامن المجتمعي في هيئة تضامن شعبي– حكومي. والمحافظة على هذا التماسك على مستوى عالي ولأطول مدة ممكنة، وعدم السماح بحدوث خصام أو قطيعة بين السلطة التي تديرها حماس، وبقية المجتمع.

العيش مع الشعب ومن أجل الشعب، هذا المبدأ الستاليني يتم تطبيقه اليوم في قطاع غزة .. والإستعداد للتضحية بالروح من السمات التي يتحلى بها القادة والمواطن البسيط على حد سواء. فقادة حركة المقاومة الإسلامية لا يختبئون خلف ظهور المواطنين العاديين، ويحتملون نفس التضحيات، يكفي القول أن عدد الشهداء في أوساط القياديين في حركة حماس قياسا إلى تعداد الشعب الفلسطيني، يتجاوز أعداد النخب التي قتلت في جميع أنحاء العالم. وإذا صادف وقابلت في أحد شوارع غزة وزيرا فستجد أن هذا الشخص من حيث المظهر الخارجي وإسلوب الحياة ونمط التفكير لا يختلف عن بقية الفلسطينيين. ورئيس الوزراء نفسه يعيش في بيت عادي في أحد مخيمات غزة، وهو نفس البيت الذي كان يعيش فيه قبل توليه رئاسة الوزراء.

إن بناء وحدة حقيقية على أساس من الثقة مهمة جدا للصمود في مواجهة عدو مجرم كإسرائيل. كما أن حكومة قطاع غزة هي الوحيدة في العالم التي تضم وزارة لشئون الأسرى والناجين. فـ بالنسبة لحماس كل فلسطيني مهم. وقبل مدة تمكنت الحركة من تحرير ما يزيد عن ألف فلسطيني من السجون الإسرائيلية ومعسكرات الاعتقال، لكن ما يزيد عن خمسة آلاف شخص ما زالوا قابعين خلف قضبان الصهاينة.

ما هي الحاجة لوجود التماسك الإجتماعي السياسي في إطار المشروع التعبوي؟

ـ أولا كل فلسطيني بالغ في غزة يعرف الدور الذي سيتولاه في حال حدوث احتياح إسرائيلي، أين.. وماذا.. وكيف..

ـ ثانيا التضامن التعبوي، هو ضمان لرفع كفاءة الإدارة الحكومية في الظروف الطارئة، في حال المواجهة العسكرية.

ـ ثالثا تماسك المواطنين بهذا الشكل مهم جدا لمنع وقوع حالة من الإضطراب والفراغ، فـ قبيل وأثناء الحرب، يحاول العدو إشاعة حالة من التوتر والخوف، وهذه الحالة هي العامل الأساسي المحفز لإشاعة الفوضى.

المكتب السياسي لحركة حماس يدرك تماما أن المواجهة العسكرية القادمة ستتضمن حربا نفسية معقدة ومتطورة، وقد سبق أن حاولت القوات الخاصة الإسرائيلية استخدام هذه الأساليب لبث مشاعر الإحباط بين سكان غزة خلال حرب عام 2008-2009 لكنهم لم يفلحوا في ذلك. في المقابل، نجد أن الفلسطينيون يعدون العدة قدر استطاعتهم للحرب النفسية في إطار مشروع التعبئة، بما في ذلك الاهتمام برفع الكفاءة في صفوف كوادرها المدربة تدريبا خاصا.

الايديولوجيا التعبوية

رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ـــــــ خالد مشعل، أوضح ما هو مضمون مشروع التعبئة الفلسطينية، في نقاط رئيسية قائلا: “الأيديولوجيا، معرفة العدو، بالإضافة إلى التسلح.

خلال لقائه مع الوفد الروسي الذي زار غزة، قال رئيس الوزراء ـــــــ إسماعيل هنية، عبارة فيها شئ من الغموض: ” نحن نتحدث عن نظام يشمل الشعب الفلسطيني بكامله”.

عند وقوع مواجهة مع عدو مدعوم من النخبة الغربية فان الأيديولوجيا تقف في المرتبة الأولى، وهي أيديولوجيا وطنية تحررية، تتألف من مفهومين أساسيين وهما المقاومة والتضامن.

المقاومة لا تقتصر على النضال ضد الأعداء الخارجيين (إسرائيل الولايات المتحدة والنخب الغربية) وإنما مع الأعداء الداخليين، فالأيديولوجيا التعبوية، تستوجب التعامل مع الأعداء الخارجيين والداخليين، وأي خلط او لبس أو ضبابية سوف تنعكس على استمرارية أو نتائج النضال.

الجانب الآخر المهم في الفكر التعبوي هو تحقيق التضامن بين جميع فئات الشعب الفلسطيني، بعض النظر عن الإختلافات الإجتماعية أو الدينية أو الثقافية في مواجهة العدو، وحماس تدرك هذا الأمر جيدا، لهذا فإن رئيس الكنيسة الأرثوذكسية في قطاع غزة من المستشارين الأساسيين لرئيس الوزراء ـــــــ إسماعيل هنية

العمل في إطار مشروع التعبئة النظامية يحمل بعدا شاملا يغطي المنازل والمدارس والتجمعات الطلابية والنقابات المهنية، لكن المساجد والكنائس تبقى المنابر الأساسية لنشر الفكر الوحدوي النضالي، فالقيم الدينية دون غيرها أثبتت فعالية مذهلة في التوعية ومواجهة الدعاية المضادة، في ظروف المواجهة العسكرية. وبالمناسبة فإن الخبراء الإسرائيليين يعلمون ذلك جيدا، ولهذا السبب كانت المساجد من بين المواقع الرئيسية التي استهدفتها إسرائيل في الحرب الماضية، إلى جانب المستشفيات والمدارس. في غزة تصدر صحف وهناك صحيفة يومية، وهناك راديو تابع لحماس، بالإضافة إلى أن حماس استطاعت أن تطلق قناة فضائية تابعة لها، وهذه كلها ما هي إلا عناصر مساعدة في الخطة الأيديولوجية.

السياسة التعبوية على صعيد الكوادر

“الكوادر تحل كل شئ” وهذا ليس شعارا وإنما شرط ضروري من شروط النجاة، وبرامج تعبئة الكوادر بند أساسي في مشروع التعبئة النظامية، ففي ظروف الحرب أو في مراحل الاستعداد للحرب تكون الثرثرة الفارغة والتنظير والمفاخرة وعدم الكفاءة كلها أشياء غير مقبولة، ويمكن تشبيهها بالخيانة العلنية. من هنا تظهر المهمة الإدارية الصعبة التي تقف أمام قيادات حماس، فالمطلوب ليس فقط إعداد عناصر موالية، وإنما عناصر على درجة عالية من الكفاءة من الناحية الفكرية ــــــ العقائدية

ومن الناحية العملية ـــــــ الإبداعية في نفس الوقت، وأن تكون قادرة على تحمل أعباء المسئولية واتخاذ القرار في المواقف الحرجة، والظروف الطارئة.

في قطاع غزة توجد واحدة من أكبر الجامعات في الشرق الأوسط، يتخرج منها اختصاصايون في التخصصات الهندسية وفي مجالات الاقتصاد والأعمال والمعمار والإعلام…إلخ. وهناك خمسة وعشرين ألف طالب يتلقون تعليمهم في هذه الجامعة، أليس هذا بالكثير بالنسبة لقطاع غزة المحاصر؟..

الجواب هو لا… فـبالإضافة للأهداف التعليمية الاعتيادية، تؤدي الجامعة وظيفتين مهمتين:

ـ أولا تمثل الجامعة بالنسبة للشعب الفلسطيني، رمز معنوي للأمل والثقة في المستقبل، ذلك أن التطور في مجالات الدراسات الأكاديمية ممكن في المجتمعات التي تسود فيها مشاعر التفاؤل والقدرة على النضال، لتحقيق مستقبل أفضل.

ـ ثانيا وهو الأهم، هو أن خريجي الجامعة المتفوقين والمبدعين يشكلون عامل قوة إضافي للنخبة في غزة، ووهذا مهم لانتقاء أفضل العناصر، وزيادة فعالية التعبئة في كل المجالات الممكنة.

مثال آخر بارز في قطاع غزة، هناك وزارة لشئون الشباب والرياضة، هذه الوزارة تقيم العشرات من المسابقات سنويا في مختلف المجالات لاكتشاف الجوانب الإبداعية للشباب وال

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات