الأربعاء 01/مايو/2024

الاحتلال بين مطرقة عجزه العسكري وسندان استبعاد قدرته على خرق التهدئة

الاحتلال بين مطرقة عجزه العسكري وسندان استبعاد قدرته على خرق التهدئة
مع دخول التهدئة حيز التنفيذ اعتباراً من صباح يوم (19/6)؛ لم يخف مراقبون ومحللون سياسيون تخوفهم عليها من الخرق، وعدم استمرارها حتى نهاية مدتها المحددة بستة أشهر، مستندين في توجساتهم على أمرين رئيسين: تاريخ غير مشرف للكيان الصهيوني في نقض تهدئات سابقة، وسوء النوايا الصهيونية التي تبدت من خلال تصريحات رئيس حكومة الاحتلال ووزير دفاعه، والتي وصفا فيها التهدئة الحالية بـ “الهشة” وهي في يومها الأول.

ورغم أن الهدنة اجتازت كما يرى مراقبون أول أيامها بسلام، فإن هذا لم يمنع حركة حماس أن ترصد فيها ثلاثة خروقات قام بها الاحتلال بعد ساعات من سريان التهدئة، محملة إياه سلفا “أي انهيار” يمكن أن يلحق بها، وتمثلت هذه الخروقات في إطلاق النار مرتين من الأبراج العسكرية الصهيونية شرق خان يونس وعلى المزارعين شرق خزاعة ومنازل المواطنين شرق بلدة القرارة، دون أن يبلغ عن إصابات، كما أطلقت الزوارق الحربية الصهيونية أربعة قذائف باتجاه قوارب الصيادين الفلسطينيين في شمال قطاع غزة، إضافة إلى نيرانها الرشاشة باتجاه المزارعين شرق خان يونس (جنوب القطاع).

وكرد على هذا الخروقات والتصريحات الصهيونية، اعتبر الناطق باسم حركة حماس الدكتور سامي أبو زهري، أن ذلك يعبر عن “سوء النوايا الإسرائيلية”، وأبدى جاهزية الحركة لمواجهة استحقاقات خياري التهدئة أو العدوان الصهيوني بقوله: “نؤكد أننا جاهزون للتعامل مع كلا الخيارين: استمرار التهدئة التي يريدها شعبنا أو مواجهة العدوان”.

                                        سجل صهيوني سيء

وتعتبر التهدئة الحالية هي الخامسة من نوعها بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني، منذ انتفاضة الأقصى عام 2000، وبرصد توثيقي للهدنات الأربع الماضية يتضح أن الكيان الصهيوني هو الذي كان مسؤولاً عن خرقها، فالتهدئة الأولى عقدها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بعد تحول كل مدن ومناطق الضفة الغربية وقطاع غزة إلى ساحات اشتباكات عنيفة بشكل مستمر، إثر دخول رئيس الوزراء الصهيوني السابق آرئيل شارون في باحات المسجد الأقصى بتاريخ 28/9/ 200 واندلاع انتفاضة الأقصى.

ولكن هذا الاتفاق سرعان ما تبخر، حيث استمرت جيش الاحتلال في تصعيده ضد الشعب الفلسطيني، ما دفع الرئيس عرفات إلى إعلان وقف إطلاق نار ثانٍ في 16/11من العام نفسه، داعياً الكيان الصهيوني إلى وقف هجماته واستئناف المفاوضات، في حين أن الأخير خفض من هجماته، ولكنه كان يستهدف النشطاء الفلسطينيين بين الفينة والأخرى، وكان اغتيال القائد العسكري في حركة فتح رائد الكرمي، إعلاناً عن انهيار التهدئة الثانية.

                                    انهيار بسبب سياسة الاغتيالات

وكانت التهدئة الثالثة في ظل انتفاضة الأقصى بتاريخ 29/ حزيران( يونيو) 2003، وتمثلت في إعلان أربعة فصائل فلسطينية بوقف إطلاق النار من جانب واحد لمدة ثلاثة شهور، في ما أعلنت حركة “فتح” عن وقف إطلاق النار لمدة ستة شهور، لكن حركتي حماس والجهاد الإسلامي أعلنتا انهيار التهدئة في 22 أغسطس من العام نفسه، بعد اغتيال الاحتلال للقيادي في حركة “حماس”، المهندس إسماعيل أبو شنب.

ومع تولي محمود عباس، رئاسة السلطة بعد رحيل الرئيس عرفات، بدأ مشاورات مع الفصائل الفلسطينية لإعلان تهدئة رابعة، توجت بعد ذلك إبان محادثات اتفاق القاهرة بإعلان وقف إطلاق نار لمدة عام اعتباراًَ من آذار/ مارس 2005، واعتبرت أطول تهدئة بين الجانبين عمراً.
 
وفي 12/ إيلول (سبتمبر) من العام ذاته، انسحب الجيش الصهيوني من قطاع غزة بعد 38 سنة من احتلاله، تلته الاستعدادات لإجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية بتوافق فصائلي، لكن التهدئة لم تصمد أكثر من موعدها المحدد إلا بقليل، حيث أنه بمجرد فوز حركة حماس في انتخابات الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2006، صعدّت السلطات الصهيونية من اعتداءاتها في الضفة والقطاع، وازدادت حدة الاستيطان في الضفة والحصار واستهداف القطاع، ومع نهاية التهدئة فعلياً في شهر آذار(مارس) 2006، استأنف الجيش الصهيوني عملياته العسكرية وخاصة في قطاع غزة، فيما ردت الفصائل الفلسطينية بإطلاق الصواريخ باتجاه البلدات الصهيونية المحاذية للقطاع، وبقيت الأمور بين أخذ ورد بين الاحتلال وفصائل المقاومة حتى إبرام الهدنة الخامسة قبل يومين.

                                   عامل الوساطة مصرية

ومع الإقرار بإمكانية انهيار التهدئة في أي لحظة، بسبب إمكانية خرقها صهيونيا، كما تشير تجارب وتصريحات مسؤولي الاحتلال، فإن مراقبين يرون أن هناك فرصا أكبر لصمودها لأكثر من اعتبار:

ـ أنها الهدنة الأولى التي يتم رعايتها عربياً (بواسطة جمهورية مصر العربية)، واستهلكت فترة طويلة لإنضاجها، حتى أخذت طريقها للتنفيذ، ويترتب على ذلك أن مصر ستكون حريصة على أن التزام الأطراف بها، ورعاية هذا الجانب بقدر إمكانها، ومراقبة أي خرق قد يلحق بها من الطرف الفلسطيني أو الصهيوني، وإن بصورة أدبية، وهذا ما يجعل الكيان الصهيوني في موقف أصعب، لا سيما أنه يريد إبقاء علاقة له في المحيط العربي للتوسط بينه وبين حركة حماس، في مسائل أخرى مهمة كإطلاق سراح الجندي الصهيوني الأسير لدى الأخيرة.

وفي هذا الصدد؛ قال الدكتور خليل الحية القيادي في حركة “حماس”، رداً على سؤال يتعلق بتصرف الحركة إزاء ارتكاب الاحتلال لخرق الهدنة، “إذا حدث من الجانب الإسرائيلي (أي خرق)، سيتم نقل الأمر إلى الوسيط المصري”.

                                         ورقة ضاغطة

ـ تطبق هذه التهدئة في ظل وجود ورقة ضاغطة بيد فصائل المقاومة، خصوصاً لدى حماس، ضد الاحتلال، والمقصود بذلك ورقة الجندي الصهيوني الأسير شاليط، ورغم فصل حماس بين ملفي التهدئة وملف شاليط، إلا أن الاحتلال يريد أن يتخذ من التهدئة مدخلا إلى قضية الإفراج عن شاليط، ويحاول أن يربط فتح معبر رفح بإطلاق سراحه، وربما لهذا السبب سيكون أكثر حرصاً على التهدئة، ولو من باب تعليق الآمال على أن أجواء نجاحها قد يقود إلى تسهيل مهمة الإفراج عنه، حتى وإن لم يكن شرطاً يلزم حماس كما تصر على ذلك، رافضة رفضاً قاطعاً أي ربط بين المسارين.

ـ تعاظم القوة العسكرية لحماس وفصائل المقاومة، وهو ما يجعل البديل الآخر للتهدئة، أمراً تكتفه الكثير من الصعوبات صهيونياً، خصوصاً العملية البرية الواسعة التي يلوح بها جيش الاحتلال دون الإقدام عليها، بعد استقر لديه أنها ستكلفه خسائر بشرية كبيرة، بناء على “البروفة” الأولية التي خلص إليها من عملية “الشتاء الساخن” في شهر آذار(مارس) الماضي، كما أنه لن يكون بإمكانها القضاء على “حماس” كفصيل يجمع بين العمل السياسي والاجتماعي، إلى جانب العمل المقاوم، حتى ولو تمكن من إسقاط حكومتها.

ويضاف إلى ما سبق الخشية على الجندي الصهيوني الأسير جلعاد شاليط الذي يخاف الاحتلال أن يلقى حتفه في أي عملية هذا النوع.

                                     الأزمة الداخلية للاحتلال

ـ حظيت التهدئة بترحيب دولي وعربي كبيرين، وبالتالي فإن خرقها من طرف الكيان الصهيوني سيعرضه لمزيد من الانتقادات، باعتباره المتسبب بإعادة الأمور إلى دوامة العنف، وكل ما سيلحق بالفلسطينيين من قتل للمدنيين وتدمير لبيوتهم واستهداف البنى التحتية الضرورية لحياتهم، وستظهر “حماس” كضحية للاحتلال أمام العالم.  

ـ الكيان الصهيوني بوضعه الراهن وأزمته الوزارية ودخوله انتخابات مبكرة تجعله الفترة القادمة بحاجة لتهدئة ولغزة ساكنة بعيداً عن صواريخ المقاومة، أو تهديد العمليات الاستشهادية في العمق الصهيوني، أو العمليات النوعية ضد المعابر، “لتتفرع القوى السياسية والعسكرية والأمنية فيها للمعركة الداخلية”.

                                        ضربات مزلزلة

ـ تهديد فصائل المقاومة، بردود مزلزلة في حال خرق الاحتلال للتهدئة، أو عدم السكوت عن جرائم عدوانه.

وفي هذا الصدد؛ حذرت “كتائب الشهيد عز الدين القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس” في بيان صدر عنها مع بدء سريان اتفاق التهدئة الكيان الصهيوني من أي خرق للاتفاق، مشددة على أنها ستكون جاهزة، وعلى أتم الاستعداد لتوجيه ضربة عسكرية تهزّ دولة الكيان الصهيوني، إذا لم يلتزم العدو بكافة بنود التهدئة المتفق عليها، مؤكدة على أن وقف إطلاق النار ليس بأي حال هدية مجانية لدولة الاحتلال.

                                      للاستهلاك الداخلي فقط

ورأى مراقبون أن تصريحات رئيس حكومة الاحتلال إيهود أولمرت، ووزير حربه إيهود باراك التي وصفوا فيها الهدنة الحالية بـ “الهشة”، والتلويح باستعدادهم لعمل عسكري كبير ضد غزة، هي للاستهلاك الداخلي فقط، في ضوء انتقادات وجهت إليهم من قبل مسؤولين حكوميين وحزبيين صهاينة، وشرائح في الشارع الصهيوني، أعلنوا فيها عن رفضهم للهدنة، سواء لأسباب حزبية انتخابية، أو لعدم اقتناعهم بهذا التوجه أصلا، فوزير النقل شاؤول موفاز اعتبر الهدنة ” اتفاق استسلام” لحماس، مشيراً إلى أن الطريقة التي عالج فيها باراك المسائل الأمنية في ضوء نار صواريخ “القسام” والقصف على بلدات الجنوب (مغتصبات النقب الغربي وعسقلان وسديروت)، “قضمت بشكل كامل قدرة الردع لـ”إسرائيل”.

في حين اعتبرها حاييم رامون نائب رئيس حكومة “تجميل لكلمة الاعتراف الفعلي بحماس، والخضوع لدولة الإرهاب”، مشدداً على أن “موافقة الكيان الصهيوني على التهدئة تشكل ضربة للسلطة الفلسطينية واعترافاً بـما أطلق عليه “حماسستان” في قطاع غزة، على حد تعبيره. 

إن الهدنة تكتيك سياسي لجأت إليه الفصائل الفلسطينية ليتمكن المواطنون من استعادة حياتهم الطبيعية، لا سيما في المجالات الاقتصادية والأمنية، في بقعة جغرافية أحكم حصارها منذ أكثر من عام، كما أفصحت عن ذلك، وهي وفق هذه المعطيات، مكسب وطني، برأي مراقبين، طالما أن عين المقاومة ستكون يقظة خلالها، وبإمكانها الرد على خروقات الاحتلال وعدوانه، فضلا عن أنها ستكون بمثابة “استراحة محارب” لإعادة تنظيم صفوف هذه الفصائل، وترتيب أوراقها، وحشد طاقاتها  وشحنها من جديد.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات