السبت 27/أبريل/2024

الحاجة صبحة .. تروي عذابات التهجير والترحيل إبان النكبة

الحاجة صبحة .. تروي عذابات التهجير والترحيل إبان النكبة

منذ ستين سنة؛ بقيت أحداث النكبة المؤلمة التي عاشها الشعب الفلسطيني، محفورة في ذاكرة الحاجة صبحة محمد حسن (78 عاماً) من بلدة صرعا المحتلة في منطقة باب الواد – مدخل مدينة القدس الغربية المحتلة.

بدايات التهجير

بدأت الحاجة صبحة تسرد الحكاية من البداية لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”: “عندما هاجرنا من صرعا، كنت مع أمي وشقيقتي الاثنتين وشقيقان، وكان عمري حينها عشرين سنة، وأذكر جيداً أيام النكبة؛ فقد بدأ الناس يصرخون .. احتل اليهود قرية اشوع المجاورة وأرغموا أهلها على مغادرتها، فلجأوا إلى قريتنا واختبأوا داخل الكهوف، فقد سمعوا أن اليهود يذبحون كل فلسطيني يعثرون عليه. كان في قريتنا جنود بريطانيون ثم غادر أهل اشوع الكهف وعادوا إلى بلدتهم إذ لم تكن قد سقطت بعد في أيدي الصهاينة، وبعد عدة أيام سمعنا أن العصابات الصهيونية اقتربت من قريتنا فرحلنا جميعاً دون أن نأخذ متاعنا ولجأنا إلى بلدة البريج في واد الصرار بمنطقة القدس قرب محطة القطار في عرتوف وجميع أهالي قرى المنطقة (عرتوف وديربان) وغيرهما شردوا من ديارهم.

وتقول “لا أعرف كم كان عدد سكان صرعا عام النكبة، ولكن كان فيها 200 منزل تقريباً يقيم فيها حوالي 1500 شخص. ومكثنا مع باقي الأهالي في قرية البريج 12 يوماً وسمعنا من يقول إن أهالي صرعا عادوا إلى قريتهم فعدنا وأقمنا عدة أيام فيها ثم توجهنا إلى محطة عرتوف وأقمنا فيها وكنا نحصد أرضنا ومزروعاتنا وندرس القمح ونخزن الغلة وننام في المحطة خوفاً من أن يقتلنا اليهود. وكان المجاهدون يحرسون بلدتنا وكانوا يسهرون للدفاع عنها”.

تفاصيل رحلة العذاب واللجوء

ومضت تقول: “كنا ننام حتى بين المزروعات في أراضينا نزرع ونحصد وندرس ونعبئ القمح بأكياس قبل النوم، وكان والد زوجي قد رفض مغادرة منزله في بلدته وكان طاعناً في السن ومريضاً وكانت زوجته تغادر محطة عرتوف يومياً لعيادته في داره وتبقى ترعاه حتى المغرب ثم تعود إلى محطة عرتوف لتنام مع أولادها الصغار.

“ثم خبأنا القمح وكل الغلة في مغارة بعد أن فرشنا تحتها التبن والحصر، ثم هربنا دون أن نحمل شيئاً من تلك الغلة، وشردنا بملابسنا ولجأنا إلى أرض ديربان .. وأقمنا بين أشجار الزيتون حوالي شهر، ثم جاءت العصابات الصهيونية واحتلت البلدة وقتلوا فلسطينياً من ديربان وتركوا جثته وهربنا إلى بلدة بيت نتيف وأقمنا فيها عدة أيام، ثم هجرنا إلى بيت أولا قضاء الخليل، حيث كان شقيقي يعرف شخصاً في عهد الانتداب البريطاني وكان هو وأخي عسكريين، وكان في منتهى الكرم واللطف فقد غادر مسكنه مع عائلته إلى كرومه، ونحن أقمنا في داره طوال الصيف، ثم رحلنا وعاد من كرومه وكانت وجهتنا بيت ساحور وأقمنا فيها حوالي ستة أشهر وعشنا في مغارة والعائلات القادرة استأجرت بيوتاً”.

وتتابع الحاجة صبحة “وفي يوم أسود من الأيام؛ لم يكن معنا أي شيء من النقود وكان معي ابنان أحدهما ولدته في الهجرة، جاء عندنا أناس ونحن في المغارة وسألوا عن زوجي ماذا تعمل؟ فأجابهم، أنا عاطل عن العمل، وقالوا له تعال خذ منا بضاعة في بيت لحم واذهب لبيعها وارجع لنا رأسمالها واحتفظ بأرباحها وهكذا صار زوجي يبيع ويشتري ثم حضر شبان إلى المغارة وسألوا عن زوجي فقلت لهم في بيت لحم فهو يبيع ويشتري هناك وعندما عاد زوجي قلت له إن شباناً حضروا وسألوا عنك؛ فقال لي زوجي هؤلاء لصوص وسيحضرون لسرقتنا، رحمة الله، لقد عرف حقيقتهم ثم حمل عصاً واختبأ خلف المغارة في البرد، وعند الساعة الثانية بعد منتصف الليل بدأ اللصوص يتسللون نحو المغارة ففاجأهم زوجي وأشبعهم ضرباً بالعصا وأرغمهم على الفرار وحاولوا اللجوء إلى منازل النصارى في بيت ساحور، ولكنهم لم يفتحوا لهم أبواب منازلهم لأنهم يخافون من اللصوص.

هجرات متتالية

“ثم هاجرنا إلى مدينة أريحا وأقمنا في منطقة (رقم 4)، فيها مركز شرطة بين أريحا وعقبة جبر ونصبنا خيمة هناك وعشنا فيها 5 أشهر ثم رحلتنا وكالة الغوث (الأونروا) إلى نمرة 4 مقابل النويعيمة وسكنا فيها خمسة أشهر. ثم رحلتنا الوكالة إلى قرية الجيب بمنطقة اسمها بير إعزيز وهناك لاجئون رحلوهم إلى مخيم الدهيشة، وآخرون إلى مخيم العروب، وأصبح اللاجئون في الجيب يقطفون ثمار أشجار أهل الجيب ويقطعون الشجر لاستخدامه حطباً وخربوا أشجار الجيب، فقدم أهاليها شكوى ضدنا، فنقلتنا وكالة الغوث إلى منطقة النبي يعقوب قرب ضاحية البريد، وكانت أرضاً خالية ومقام عليها اليوم مستوطنة يهودية بناها اليهود بعد أن سقطت بقية فلسطين عام 1967 وكنا مجموعة كبيرة من “خليط اللاجئين” من مختلف البلدات المحتلة 1948 وأقمنا في منطقة النبي يعقوب عامين في العهد الأردني.

أشهر عائلات صرعا

وقالت الحاجة صبحة حسن إن أشهر عائلات صرعا “عائلة حسين زهران” وفيهم مختار، وعائلة عبد الله محمود وعائلة رضوان وقد بقي آل رضوان في بيت ساحور، وعائلة زهران الذين ظلوا في بيت لحم، ونحن من آل أبو لطيفة التي أقامت في مخيم قلنديا وآل سجدية في بيت لحم وفي بيت ساحور.

وأضافت “لقد كانت رحلة تشردنا رحلة عذاب وقهر ومرارة كنا نطارد ونهرب والخوف يسيطر علينا ونتوقع أن يذبحنا اليهود خلال هذه الرحلة، كان هناك من لا يملك حتى رغيف الخبز ويعيشون على الصدقات.

وقالت وقت اغرورقت عيناها بالدمع: “أتمنى أن أعود وجميع أحفادي وجميع أهلي إلى بلدتنا صرعا، وإن شاء الله يعود كل لاجئ إلى بلدته، أتمنى أن ينتصر العرب وتصبح قلوبهم متآلفة ويهجروا الخصام والخلاف وسيتخلصون من الخونة والجواسيس واللصوص، وإذا بقينا على هذا الحال فإنه يستحيل عودتنا إلى فلسطين”.

حياة المخيم .. ذل وهوان

ووصف العيش بالمخيم: “إن معيشتنا في المخيم عيشة ذل وهوان، ولو بقينا في بلدتنا نأكل الخبز والملح لكان أفضل وأشرف لنا من حياة المخيمات، فقد كنا في أرضنا ووطننا أعزاء وكرامتنا محفوظة وكانت أرضنا خيّرة معطاءة نرتزق منها”.

“كنت متعلقة وملتصقة بأرضي وداري وعائلتي وكنا نبيع حليب أبقارنا وغنمنا، وكنا نعيش معاً بسلام إلى أن طردونا وسرقوا أرضنا، لقد زرت صرعا خمس مرات بعد أن احتلت الضفة الغربية عام 1967 ولم يبق فيها سوى دار واحدة مرتفعة، فقد دمرها اليهود تماماً وزرع اليهود حولها حرش أشجار وبقيت أشجار الزيتون وبقي الصبر”، على حد تعبيرها.

وتتابع الحاجة صبحة “لقد غمرني السرور عندما دخلتها للمرة الأولى بعد النكبة، ما أجمل الوطن. زرت مواقع منازلنا وقطفت التين من أشجارنا، كانت نزهة ممتعة ممزوجة بألم فقدان أرضك أعز ما تملك”.

وتشير الحاجة إلى أنه قد “هاجر إلى الأردن خمس عائلات من أقاربنا، من بينهم اخوة زوجي وسافر اثنان منهم إلى الكويت، ثم عادا إلى الأردن وسافر أحدهما إلى بنما، وانضم الآخر لمنظمة التحرير، وقد أصبح مهاجر بنما غنياً كبيراً هناك، وكان يزوج أولاده في عمان ويرفض أن يتزوجوا أجنبيات، ثم توفى تاركاً مشاريعه ومزارعة وثروته لأبنائه الخمسة”.

توصية بالتمسك بالعودة

ولفتت الحاجة صبحة الانتباه إلى أنه “إذا كان العرب وخاصة قيادتنا واثقين وأقوياء؛ فإنهم يجب أن يؤكدوا على تنفيذ حق العودة ولا أحد يستطيع أن يتنازل عن حقي وأرضي في صرعا”.

وطالبت الحاجة صبحة القيادة الفلسطينية “بعدم التنازل عن حق العودة”، وقالت “أقول لأبي مازن لا تتنازلوا عن حقوقنا وعن أراضينا. لقد زرت جميع سجون الاحتلال فقد سجن اليهود جميع أولادي معاً ومتفرقين، وكانوا أحياناً يمنعوننا من زيارتهم ولا نريد لهذا الجهاد والعمل في سبيل حريتنا وتحرير أرضنا أن يذهب دون نتيجة”.

وختمت بالقول: “أتمنى عودتنا إلى دارنا ووطننا وأرضنا، أتمنى أن يتوحد العرب وأن ينصرهم الله على اليهود ويمكنهم من تحرير فلسطين ارض آبائنا وأجدادنا وأحفادنا”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باشتباك مع الاحتلال غربي جنين

شهيدان باشتباك مع الاحتلال غربي جنين

جنين - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شابان وأصيب آخران، فجر اليوم السبت، برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، قرب حاجز "سالم" العسكري غربي مدينة جنين،...