السبت 27/أبريل/2024

أجواء وفاق فلسطينية وارتياح مشوب بالحذر .. وقلق من عناصر التوتير

أجواء وفاق فلسطينية وارتياح مشوب بالحذر .. وقلق من عناصر التوتير

تفاعلات سريعة تشهدها الساحة الفلسطينية منذ يوم الأربعاء الماضي، الرابع من حزيران (يونيو)، تحمل أجواء إيجابية تثير ارتياحاً فلسطينياً عاماً، مع الكثير من الحذر والقلق أيضاً إزاء أصوات التوتير التي تعلو لتعكير الصفو وكذلك المواقف الأمريكية والصهيونية التي لا يروق لها تحقيق مصالحة فلسطينية داخلية.

خلافات عميقة وعباس يدعو مستشاريه لعدم الإدلاء بـ”تفسيرات”

في أحد التطوّرات الجديدة ذات الدلالة، أصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس توجيهات للمحيطين به، بعدم الإدلاء بتفسيرات حول دعوته للحوار الشامل من أجل تحقيق مصالحة فلسطينية، بعد أن ظهرت تباينات في مواقف مسؤولي “فتح” ومستشاري عباس في تفسير هذه الدعوة.

وقالت وكالة “وفا” المرتبطة بحركة “فتح” والناطقة بلسان جناح السلطة الذي يقوده عباس، إنه وبناء على توجيهات الأخير؛ فإنّ “اللجنة المكلفة بمتابعة تنفيذ مبادرة الحوار الوطني، وجّهت دعوة لأجهزة الإعلام وجميع المعنيين، إلى عدم إعطاء تفسيرات شخصية لهذه المبادرة”.

واعتبرت الوكالة أنّ ذلك يأتي “حرصاً على توفير الأجواء المناسبة للحوار الوطني، بما يؤدي إلى إنجاحه وتحقيق أهداف المبادرة في إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية والشرعية”، كما ورد.

وكان نمر حماد، مستشار عباس، وصائب عريقات، مسؤول ملف المفاوضات، أعلنا في تصريحات صحفية وصفها المراقبون بأنها متشددة، أنه لا تغيير في موقف رئيس السلطة من الحوار، وأنّ التراجع عما أسمياه “الانقلاب” لا يزال شرطاً واجب التنفيذ قبل الحوار، وهو ما أمر لم يتحدث عنه عباس في خطابه.

ويأتي هذا التباين ليعزز خلافات عميقة تسود بين قيادات حركة “فتح” فيما يتعلق بالمصالحة الفلسطينية، ففي حين يوجد جزء من القيادات يريد طي صفحة الماضي واستئناف الحوار مع “حماس”؛ فإنّ بعضها الآخر يرهن مواقفه بالكامل للإدارة الأمريكية والصهيونية اللتين تصرّان على رفض أي حوار فلسطيني داخلي.

وكان رئيس حكومة الاحتلال، قد وجّه تحذيراً مبطناً لمحمود عباس، من مغبة استئناف الحوار مع “حماس”، حينما قال بعد عودته من واشنطن إنّ عباس يعرف موقفنا من العودة للحوار مع “حماس”.

تعقيبات أمريكية على دعوة عباس للحوار

وفي أول رد فعل أمريكي على الدعوة التي وجهها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يوم الأربعاء (4/6) لإجراء “حوار وطني شامل”، ودعوة الدول العربية للتوسط في هذا الشأن؛ هاتفت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس ليلة الخميس (5/6) عباس، وطلبت منه توضيحاً حول طرحه الجديد بإعادة تفعيل الحوار الوطني الفلسطيني.

وقد جاء هذا الاتصال على خلفية معارضة الولايات المتحدة لإجراء السلطة أي حوار مع “حماس”، طالما أنها لا تلتزم شروط ما يسمى “الرباعية الدولية”، والخشية من حصول تحول في موقف عباس تجاه هذا الموضوع. 

وترفض “الرباعية الدولية” التي تضمّ إضافة للولايات المتحدة الأمريكية كلاً من الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة إجراء حوار مع “حماس” ما لم تعترف بالكيان الصهيوني، وباتفاقات التسوية الموقعة معه، وتسقط حق المقاومة المشروع.

وتعقيباً على مكالمة رايس مع عباس؛ هوّن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية شون مكورماك، من شأن الآراء التي تقول إنّ عباس خفّف من موقفه للحوار مع “حماس”. وقال مكورماك إنّ المبادرة اليمنية تدعو إلى الحوار شريطة أن تقبل “حماس” قيادة فتح واتفاقات فتح السابقة مع الكيان الصهيوني.

وقال مكورماك “لم تتغيّر شروطه (عباس) لأيّ محادثات مع حماس، ولم نلمس أي تغير على الإطلاق”، على حد تعبيره.

ورأى مراقبون في اتصال “رايس” بعباس وفي تصريحات “مكورماك” تدخلاً سافراً في الشأن الفلسطيني الداخلي، ومحاولة مكشوفة لإفشال أي حوار من فلسطيني من شأنه إعادة اللحمة للصف الفلسطيني.

يُذكر أن الحكومة الشرعية برئاسة إسماعيل هنية تجاوبت مع دعوة رئيس السلطة التي أطلقها للحوار. وقال إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني في خطاب له ألقاه مساء الخميس (5/6) بمناسبة نكسة حزيران (يونيو)، “نرحب بدعوة الرئيس أبي مازن الداعية إلى إجراء حوار وطني شامل وننظر بايجابية إلى الروح الجديدة التي ظهرت في الخطاب”.

وأضاف هنية قائلاً “نؤكد أنّ يدنا ممدودة إلى أشقائنا في الوطن”، “مع تأكيدنا الاستعداد لإنجاز وإنجاح الحوار في أسرع وقت ممكن وإبداء المرونة اللازمة من الجميع”، وفق تأكيده.

أجواء إيجابية تقتضي الحذر من عناصر التوتير والفتنة

وبدوره؛ يعلِّق الكاتب الفلسطيني الدكتور إبراهيم حمّامي على ما تشهده الساحة الفلسطينية في الأيام القليلة الماضية بالقول “حالة من التفاؤل تسود هذه الأيام الأوساط الفلسطينية بمختلف اتجاهاتها، بعد عام من التشنج والتمنّع والتوتير (…) وهذا التفاؤل لا يخلو من الحذر بعد تجارب سابقة مريرة، فشلت في منع المواجهة المسلحة قبل عام، من اتفاق القاهرة عام 2005 الى وثيقة الوفاق الوطني عام 2006 ثم اتفاق مكة عام 2007، ناهيك عن جولات ولقاءات واتفاقات ميدانية كثيرة”.

ورأى حمّامي في مقال له كتبه الجمعة (6/6)، أنّ هذا الحذر “له ما يبرِّره ان لم تصدق النوايا أولاً، وثانياً وضع آليات تنفيذ محددة وواضحة ووفق جدول زمني لا يترك الأمور عائمة ومفتوحة للتأويل، وأخيراً إبعاد عناصر التوتير والفتنة والتي ليس من مصلحتها نجاح أي اتفاق فلسطيني فلسطيني ينهي دورها التوتيري التحريضي”، وفق تقديره.

وشدّد الكاتب على أنه “لابد هذه المرة من التعامل المباشر وعدم التغاضي عن عناصر التوتير والفتنة”، وتابع “صحيح أنّ محمود عبّاس قام المدة الماضية بالتخلص وإبعاد العديد من تلك العناصر من الدائرة المحيطة به، بل وابعاد بعضهم الى خارج الأراضي الفلسطينية، وهي عناصر ساهمت بشكل كبير في افشال الاتفاقات السابقة، منهم وزراء سابقون، ومنهم ناطقون واعلاميون، منهم من أُبعد إلى مصر تحت مسميات ومناصب مختلفة، ومنهم من أُعيد إلى أوروبا يجرّ أذيال الخيبة بعد فشله في كل ما أوكل إليه من مهام وسقوط قناعه (…) وآخرون غيرهم اختفوا تماماً عن الساحة السياسية العلنية لكنهم ما زالوا يقومون بدور خفي”.

ويؤكد حمّامي أنه “رغم إبعاد البعض؛ لازال حول عبّاس وفي دائرة صنع القرار من ساءتهم دعوته الأخيرة (للحوار الشامل)، وانطلقوا وبدأوا بممارسة ذات الدور الذي قاموا به سابقاً، في محاولة لتقويض أي اتفاق محتمل قبل أن يرى النور”.

ويشرح إبراهيم حمّامي أنه “من هؤلاء على سبيل المثال ياسر عبد ربه الذي أصبح بقدرة قادر وفي غفلة من الجميع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو بالكاد يمثل نفسه، والذي حاول ويحاول جاهداً وبكل الوسائل تصعيد الموقف وتسخينه بعد كل مبادرة ايجابية، (…) ومنهم أيضاً مستشار عبّاس نمر حمّاد الذي استُجلب من ايطاليا بعد عقود من الزمن قضاها هناك، ليكون دوره الحصري هو التوتير والطعن والتشكيك في كل موقف تقاربي، ونذكر جميعاً كيف جن جنونه على الهواء وأمام الملايين ليتلاسن مع عزام الأحمد بعد توقيع اتفاق صنعاء، لم يتمالك نفسه يومها وهو يشهد اتفاق فلسطيني ينهي الخلاف، ولم يصبر الى ما بعد اللقاء المباشر، فأخرج ما في جعبته من رفض مطلق للاتفاق والوفاق، وهو ذات الموقف الذي كرره بالأمس (الخميس) بعد كلمة اسماعيل هنية، لم ير حمّاد فيها إلا السلبية، وكرر اسطوانته المشروخة وعباراته التوتيرية التي اعتاد عليها …”.

ويوضح حمّامي كذلك “بطبيعة الحال لا ننسى هنا من لعبوا دوراً رئيسياً في الفتنة، من لوردات الأجهزة الأمنية، أمثال الهاربين دحلان والمشهراوي وأبو شباك، أو من بقي منهم ليمارس جهازه قمعه المعتاد كالطيراوي، هذه العناصر أصبح من شبه المستحيل أو ربما المستحيل القبول بهم أو أن تشملهم أي مصالحة وطنية، أو السماح لهم بممارسة أي دور، لأنهم وببساطة عامل انفجار ومواجهة، بل هم ضمانة لفشل أي اتفاق ووفاق، وهم وكما أكدت الأحداث والتقارير من كان يهيء للانقلاب الحقيقي بدعم خارجي. مع أن المنطق والعدل يفترض محاسبتهم ومعاقبتهم، إلا أن الأجواء الايجابية الجديدة لا يراد لها أن تتعكر بأمثالهم، فأضعف الايمان أن يتم ابعادهم وعزلهم تماماً عن مواقع ودوائر صنع القرار، ويكفيهم ما قاموا به حتى اليوم”.

ويخلص الكاتب إلى القول “هذا لايعني أنه لا توجد أصوات عاقلة وحكيمة، تتخذ مواقف مشرفة، وتمنح الأمل بالتوصل لاتفاق ينهي حالة التوتير والعداء، وهذه الأصوات العاقلة الحكيمة هي في ازدياد بعد انضمام بعض من كانوا في معسكر التوتير الى معسكر العقلانية والمصلحة العامة”. ويضيف “هذه العوامل فقط يمكن ضمان النجاح لأي اتفاق قادم، وضمان أن لا يلقى مصير ما سبقه من اتفاقات: صدق النية، آليات واضحة وبسقف زمني محدد، وابعاد العناصر التوتيرية، وإلى الأبد”.

.. وصراعات حادة تعصف بـ”فتح” بشأن فريق فياض

وعلى التوازي من هذه التفاعلات الداخلية وليس بعيداً عنها؛ تشهد حركة “فتح” حراكاً واستقطاباً قويّاً على خلفية الموقف من “حكومة” سلام فياض غير الشرعية، وما الت إليه الأمور على صعيد المفاوضات مع الجانب الصهيوني. وقد اشتدت في الأونة الأخيرة حدة التوتر بين أحمد قريع ومحمود عباس، والتي وصلت لحد التجاذبات الحادة، وفقاً لما أفادت به عديد المصادر.

وتتحدث المصادر عن أنّ قريع يعمد إلى إبراز دوره على أنه “الحامي للبيت الفتحاوي” في ظل ما يوصف بـ “العجز والضعف عن اتخاذ قرارات جريئة في هذه المرحلة على صعيد الحكومة والمفاوضات” بحق عباس.

وكان أحمد قريع قد عقد الأربعاء (4/5) اجتماعاً مع أمناء سرّ الأقاليم بحركة “فتح” في مقر التعبئة والتنظيم التابع للحركة، تناول الموقف من “حكومة” فياض والمفاوضات مع الجانب الصهيوني، وكان اللقاء “رسالة غضب في وجه محمود عباس”، حسب ما رشح عن الاجتماع.

وجاء ذلك بعد عدة أيام من اجتماع وفد من حركة “فتح”، شارك فيه عزام الأحمد رئيس كتلتها البرلمانية، وقدورة فارس عضو المجلس الثوري للحرك، وآخرون، مع محمود عباس، وطالبوه خلاله بموقف صريح للجمهور يعلن من خلاله أنّ المفاوضات مع الاحتلال تدور في حلقة مفرغة، وأنّ الخيارات مفتوحة، ويشرح فيه حقيقة الأمور للمواطنين. وكما ورد؛ فقد وافق عباس خلال اجتماعه معهم على إلقاء هذا الخطاب، ولكنه عاد وتراجع بعد ذلك اثر ضغوطات مورست عليه من قبل مستشاره السياسي نمر حماد وياسر عبد ربه وأكرم هنية، والذين تعتبرهم الأوساط الداخلية في “فتح” من “أشدّ أقطاب التيار الأمريكي في ديوان الرئاسة، ولهم سطوة كبيرة على محمود عباس”.

وكان وفد حركة “فتح” قد حذّر محمود عباس من أنّ “طريقة سير المفاوضات تنعكس بشكل

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات