السبت 27/أبريل/2024

عباس .. مفاوضات سرية مع الاحتلال وصفقات وتنازلات لم تنقطع منذ أوسلو وحتى الآن

عباس .. مفاوضات سرية مع الاحتلال وصفقات وتنازلات لم تنقطع منذ أوسلو وحتى الآن
أقر رئيس السلطة برام الله محمود عباس قبيل زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة  (24/4) ولأول مرة منذ انطلاق المفاوضات العلنية التي كانت تدور بين السلطة والصهاينة بعد “أنابوليس”، بوجود قناة سرية للتفاوض بين الجانبين بعيدا عن أعين وسائل الإعلام، وقد أثارت هذه التصريحات لدى المتابعين للشأن الفلسطيني كثيراً من المخاوف مذكرة باتفاقية أوسلو التي وقعت قبل 15 عاماً، وما رافقها من تنازلات عن الثوابت والحقوق الفلسطينية.

وتكشف هذه التصريحات عن الأسلوب الذي ما زال فريق أوسلو الذي يمسك بزمام السلطة الفلسطينية مصراً على انتهاجه، فمن يدلي بالتصريحات هو نفسه مهندس اتفاقية أوسلو عن جدارة، والتي تمت من وراء ظهر الوفد الفلسطيني العلني ـ آنذاك ـ المفاوض  انطلاقاً من مقررات مؤتمر مدريد برئاسة المرحوم الدكتور حيدر عبد الشافي، الأمر الذي يطرح تساؤلات من المراقبين عن الصفقات التي تخبئها المفاوضات السرية ماضياً وحاضراً.

                                  تسريبات سبقت التصريحات

وقد يكون إقرار عباس بهذه المفاوضات جاء كتحصيل حاصل بعد أن قامت صحف صهيونية بتسريب الخبر، كما كشف عنها وزير الخارجية المصري، فقد أوردت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية بأن محادثات سرية يقوم بها كبير المفاوضين الفلسطينيين أحمد قريع مع وزيرة الخارجية الصهيونية تسيبي ليفني، وحسب ما قالته الصحيفة فإن المفاوضات السرية هي الأكثر جدية ولم يحدث لها مثيل منذ مفاوضات أوسلو.

وتوقعت الصحيفة العبرية أن يتوصل الجانبان إلى اتفاق مبادئ بحلول نهاية العام الحالي، وقالت الصحيفة أن المفاوضين حرصوا حتى الآن على سرية اللقاءات بعيدا عن وسائل الإعلام.

وذكرت الصحيفة في التقرير التي نشرته بأن المحادثات تدور على قدم وساق و “أن ليفني وقريع يلتقيان ثنائياً مرتين أو ثلاثة مرات في الأسبوع على مدى عدة ساعات وفي كل مرة في فندق آخر أو شقة خفية والسرية هي فوق كل شيء”. 

                                      تساؤلات وتخوفات

تصريحات عباس، والحديث عن المفاوضات السرية التي تديرها السلطة مع الكيان الصهيوني، طرحا عدة تساؤلات، وتخوفات من المراقبين والأطراف المعنية ومن أهمها :

ـ استغراب من حيث المبدأ من وجود قناة سرية للمفاوضات طالما أن من يقود المفاوضات العلنية هو أحمد قريع (أبو العلاء) الذي يعد الرجل الثاني في تنظيم فتح، ومن فريق أوسلو سابقا، وأحد الشخصيات المحورية في فريق سلطة رام الله.

ـ في الوقت الذي اعترف فيه عباس بوجود فجوات قائمة في ما يتعلق بقضايا جوهرية في المحادثات مع الكيان الصهيوني مثل اللاجئين والحدود ومصير القدس، التي لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنها، فإنه شدد على أن بالإمكان التوصل إليه، مبديا استعداده  لتقديم تنازلات (إضافية) لإنجازه بقوله: “لم نتوصل إلى اتفاق بشأن أي من هذه القضايا، لكنه من الممكن التوصل إلى اتفاق إذا قدّم الجانبان (الفلسطيني والصهيوني) التنازلات الضرورية وإذا تبنت إسرائيل موقفاً واقعياً”، على حد تعبيره، علما أنه لم تصدر مثل هذه التصريحات أو قريباً منها من أي مسؤول صهيوني -على الأقل منذ بداية مشوار أنابوليس-.

وعلى العكس من ذلك؛ يصر رئيس حكومة الاحتلال إيهود أولمرت على بقاء القدس الموحدة عاصمة للدولة العبرية، في ما تطلق وزيرة خارجيته تسيبني ليفني تصريحات بإلغاء حق العودة كشرط لا بد منه لإبرام اتفاق مع الفلسطينيين.

                                     انزعاج أطراف إقليمية

ـ  المفاوضات التي يجريها فريق رام الله سراً – كما تم تسريبه – تستبعد حماس رغم أنها الفائزة في الانتخابات التشريعية، والأكثر شعبية في الشارع الفلسطيني، بحجة عدم عرقلتها مفاوضات التسوية (التنازلات بشكل أوضح)، مع عرض الاتفاق المزمع التوصل إليه في استفتاء فلسطيني عام بغرض التغلب على علة رفض حماس له.

ـ عدم إطلاع أطراف العلاقة والوسطاء على المستوى العربي على ما يتم في هذه المفاوضات، وفي هذا الصدد طالب وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط في تصريحات لصحيفة “الشرق” القطرية الفلسطينيين والصهاينة بإطلاع الأطراف الدولية خصوصاً الوسطاء على نتائج سير المباحثات التي تدور بينهم، مؤكداً أن مصر على علم بأن هناك مباحثات بين الجانبين، وأحرزت تقدماً كبيراً في العديد من الاتجاهات، لكنها سرية ولا يريد الطرفان الكشف عنها وهو ما اعتبره الوزير أمرا غير جيد.

ـ رغم تصريحاته لقناة “العربية” الفضائية بأنه سيتم حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، لاسيما في لبنان، بحيث لن يبقى في لبنان أي لاجئ فلسطيني فيه، فإنه لم يقل إلى أين سيعود هؤلاء، هل سيعودون إلي الجليل وحيفا وصفد وعكا حيث ما زالت بيوتهم وأراضيهم موجودة، أم إلى الدولة الفلسطينية التي ستقام علي أشلاء الضفة الغربية وقطاع غزة؟ كما ورد في مقالة للكاتب عبد الباري عطوان، علما أن وزيرة الخارجية الصهيونية ليفني قالت إن حق العودة للاجئين الفلسطينيين يجب أن يمارس في الدولة الفلسطينية تماما مثل حق العودة لليهود إلى الدولة اليهودية، وذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك عندما ذكرت بأن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 والذين يقدر تعدادهم بمليون ومئتي ألف مواطن فلسطيني يجب أن يعودوا أيضا إلى هذه الدولة الفلسطينية، أي طردهم من الكيان الصهيوني.

                                      تواصل دون انقطاع

بغض النظر عن ما انتهت إليه هذه المفاوضات السرية التي يجريها عباس وفريقه حتى الآن، ووصولها إلى طريق مسدود على الأقل في العام الحالي 2008 ، كما تشير الوقائع على الأرض، فإن الخطورة برأي المراقبين ليس  فقط في استمرار عباس في اللهاث خلف سراب التسوية ووعودها الزائفة، بل وفي إصراره على الطريقة السرية التي يدير بها هو وفريقه محدود العدد التفاوض مع الكيان الصهيوني متجاوزا الفصائل والقوى الفلسطينية الفاعلة وممثلي الشعب الفلسطيني، في قضايا تمس الثوابت والحقوق الفلسطينية، ومستمرا في مسلسل تقديم التنازلات الذي بدأ بشكل واضح منذ الخطة الأولى لاتفاق “أوسلو”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات