الأحد 19/مايو/2024

أطفال الشهيد أبي رامي يفتقدونه على مائدة الإفطار في رمضان

أطفال الشهيد أبي رامي يفتقدونه على مائدة الإفطار في رمضان

خالد طه، المكنّى بـ “أبي رامي”، مواطن فلسطيني من مدينة سلفيت، لم يدعه الاحتلال ينعم بحياة هانئة مع أسرته ليقوم بتربية أطفاله الأربعة كبقية أطفال العالم. رصاصة صهيونية واحدة كانت كفيلة بأن تحوِّل حياة الأسرة إلى مسار آخر وتجعل من أطفال الأربعة أيتاماً يشكون ظلم الاحتلال.

الأطفال الأربعة عند موائد الإفطار في رمضان يفتقدون والدهم، فيسأل راني أمه “ماذا يأكل أبي الآن في الجنة يا أمي؟!”، وسط دموع أم صابرة محتسبة.

رصاصة دمدم

بابتسامة ممزوجة بحزنها الدفين، استقبلت مراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”، عيونها تكاد تنطق بكل ما بها من شجون وألم وحنين، ودموع مكابرة تكاد تسقط على وجنتيها لتشي بما ألم بها بعد استشهاد زوجها قبل ثلاث سنوات. نظرات ألمٍ تروي قصة عذاب مريرة، وأطفالها بعمر الزهور يحيطون بها ينشدون الأمان المفقود. تتراجع الكلمات وتضيع عاجزةً عن وصف الصبر والصمود لامرأة في مقتبل العمر، استشهد زوجها وترك لها أطفالها الصغار.

فسلام ماضي، ذات التسعة والعشرين عاماً هي أم لأربعة أطفال، هم مريم (11 عاماً) ورامي (9 أعوام) وراني (6 أعوام) وطه (3 أعوام) وقد استشهد زوجها ذي السادسة والثلاثين برصاص القوات الخاصة الصهيونية أثناء اجتياحها لمدينة سلفيت بذريعة مطاردة “مطلوبين” لسلطات الاحتلال. لقد الجنود الصهاينة النار عليه بدم بارد أثناء الملاحقات، ليستشهد “أبو رامي” إثر إصابته برصاصة دمدم (تتفجر داخل الجسم)، بعد أن أدى صلاة العشاء في المسجد الكبير بجوار منزله.

حادثة الاستشهاد

“المسؤولية كبيرة وأعباء الحياة لا تتوقف وتزيد يوماً بعد يوم”، هكذا تتحدث زوجة الشهيد وأم الأيتام بدموع الحسرة التي سكنت عيونها منذ استشهاد زوجها. تتحدث سلام ماضي عن قصة استشهاد زوجها وتقول “كنت عنده في المحل الذي يعمل به وطلبت منه أن يحضر للبيت لمساعدة الأولاد في دروسهم أتى ومن ثم تذكّرت عدم وجود خبز للعشاء فذهب ليحضر الخبز، وما لبثت أن وصلت البيت لتوي حتى سمعت إطلاق نار شديد بالقرب من المنزل”.

تتنهد سلام بشجن وتتابع حديثها “ما أن خرجت هرعة من المنزل؛ حتى رأيت خالداً (أبا رامي) ملقى على الأرض يناديني ويقول: تعالي يا سلام ألحقيني اتصاوبت.. اتصاوبت”. وتتابع “أدخلته إلى المنزل، وخرجت أصرخ ليأتي أحد لمساعدتي”.

لحظات الاستشهاد

تتابع سلام الحديث عن تلك الواقعة التي غيّرت مسار حياتها فتقول “بعد أن سمع الجيران والناس صراخي هرعوا إلى منزلنا وأحضروا سيارة الإسعاف التي أقلتني وزوجي المصاب إلى المستشفى، كنت أجلس بجانبه وأمسك بيده وأقول له: لا تذهب يا خالد وتتركنا، لمن تريد أن تتركنا؟ وأبكي، فأمسك يدي وضغط عليها وبصعوبة في الكلام أوصاني بالأولاد، وأدار وجهه ونزلت دموعه ثم تشهد وسكن”.

تقول الزوجة “حينها أحسست أنه رحل وعند وصولنا المستشفى قام الأطباء بمحاولة يائسة لإسعاف خالد الذي كان قد فارق الحياة واستُشهد وسمعت الأطباء يتحدثون عن رصاصة دمدم أصابت خالد في بطنه وتسببت بنزيف داخلي”.

مسؤولية كبيرة وعبءٌ ثقيل

تشرح زوجة الشهيد “في أول سنة من استشهاده كنت أتخيّل أنه قادم دوماً كلما قرع الجرس تخيلته هو”، تقول سلام وتتابع “كانت السنة الأولى من استشهاده هي الأصعب كنت أشعر بالخوف الشديد خاصة عندما يحلّ الظلام، فأنا وحيدة مع أبنائي لم نعتد أن يبتعد خالد عنا لكنني شعرت أنه لابد من الثبات ومن اعتمادي على نفسي، أحياناً كثيرة أتمنى الشعور بالراحة والاستقرار والأمان، لكنّ مشاغل الحياة والمسؤوليات تغمرني، فلا أجد وسيلة للتفريغ عن نفسي سوى البكاء فأبكي وأبكي لساعات طويلة”.

وتستأنف سلام وصفها للوضع الذي آلت إليه بعد استشهاد زوجها “المسؤولية الملقاة على عاتقي كبرت وتكبر يوماً بعد يوم، فأنا المسؤولة عن كل ما يتعلق بالبيت والأولاد، كان خالد يحمل الجزء الأكبر من الأعباء، أما بعد استشهاده فأضحى كل شيء مطلوباً مني: البيت، والمدرسة، والأولاد، والسوق وحاجات المنزل، ومع ذلك ما يصبِّرني هو نموذج أم نضال فرحات (في غزة)، أم الشهداء الثلاثة وغيرها من زوجات الشهداء الأبطال”.

معاناة الأبناء

وعن حالة أبنائها تقول الأم الفلسطينية المصابرة “لقد تأثر الأولاد كثيراً باستشهاد والدهم، خاصة أنهم لازالوا صغاراً، فأكبرهم مريم عمرها أحد عشر عام، وأصغرهم طه ثلاث سنوات والذي لم يكن يتجاوز الأربعين يوماً عند استشهاد والده نفسيتهم أصبحت مضطربة خاصة رامي الذي شاهد حادثة استشهاد والده، ولم يستوعبها حتى هذه اللحظة”.

وتزيد الأم متحدثة عن أبنائها المنكوبين بفقدان والدهم “إنهم يفتقدونه كثيراً، في يوم العيد يستيقظون باكراً ككل الأطفال لكنهم يرتدون ملابس العيد ويذهبون لقبر والدهم بدلاً من الذهاب للعب مع أقرنائهم، إذا عاقبتهم أو وبختهم يسرعون بالخروج إلى القبر يحدثون والدهم ويبكون”.

وتتابع الأم “أفكاري دائماً مشغولة بخصوص الأولاد ومستقبلهم، أشعر بالقلق تجاههم أتمنّى من الله أن يعوِّضني خيراً وأجراً حسناً”.

بتلك الأمنية ختمت سلام حديثها، وبالابتسامة الممزوجة بالحزن والألم ذاتها تودعنا نخرج من المنزل ومعنا تفاصيل استشهاد زوجها كواحدة من بين آلاف الحالات المشابهة في فلسطين، ونتركها مع حزن السنين وعذاباتها. نغادر لتبقى هي مع تفاصيل قصتها المليئة بالصبر والتحدي والإصرار والرباط، وتبقى شامخة واقفة كزيتون فلسطين، رغم الصعوبات والألم والجراح، منتظرة الأجر والثواب من عند من لا تضيع ودائعه.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات